منذ إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر العام الماضي، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في سوريا، اخرها مواقع استراتيجية مثل ريف درعا، محيط القصر الجمهوري في دمشق، ومطارات عسكرية في حماة وتدمر. هذه العمليات، يمكن وصفها دون مواربة بـ”العربدة النتنياهوية”، تثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل تجاه سوريا في ظل قيادة الرئيس أحمد الشرع، التي أعلنت أنها لا تشكل تهديداً لأي جهة، ونجحت في طرد المليشيات الإيرانية وكسر “هلالها“ الذي يؤرّق المنطقة بما فيها إسرائيل.
إذن ماهي الأهداف الإسرائيلية وما تداعيات ذلك الإقليمية والداخلية ؟
الأهداف المعلنة: تقدم إسرائيل تبريرات لعملياتها في سوريا، تركز على حماية أمنها القومي:
لكن اللافت استمرار القصف رغم تراجع التهديدات التقليدية، وهو ما يشير إلى وجود أجندة أعمق تتجاوز هذه التبريرات.
الأهداف غير المعلنة: إعادة تشكيل المنطقة تبدو جزءاً من استراتيجية أوسع تتماشى مع رؤية “بنيامين نتنياهو“ لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية:
لكن الواقع يفرض معادلات مغايرة أمام هذه المخططات وهي تركية وداخلية سورية.
كما أن تركيا تدرك أن عدم استقرار سوريا بسبب القصف المستمر يهدد بزيادة تدفق اللاجئين نحو أراضيها، حيث تستضيف حالياً نحو 3.6 مليون سوري،ما يشكل عبئاً اقتصادياً وسياسياً كبيراً، خاصة مع الضغوط الداخلية للحد من وجود اللاجئين.
لا سيما تكاتف الشعب السوري، وهو يمثل الجدار الشعبي في وجه “العربدة النتنياهوية“ على الرغم من القصف، يظهر الشعب السوري تكاتفاً كبيراً حول أحمد الشرع والقيادة الجديدة.
وظهر ذلك جلياً عندما تعرضت قوات الأمن في الساحل لاعتداءات أوائل العام الحالي، تشكل ما يشبه “جيشاً مدنياً” في عموم سوريا للدفاع عن سوريا الجديدة، ويعكس رغبة شعبية قوية في الاستقرار والوحدة.
هذا التكاتف لا شك أنه يشكل عقبة أمام إسرائيل ومخططاتها، حيث لن يقف السوريون مكتوفي الأيدي إزاء القصف، وليس مستبعداً أن يتحول هذا الدعم الشعبي إلى مقاومة غير تقليدية أو ضغط على قيادة الشرع للرد، رغم ضعفها العسكري الحالي.
لكن ما التداعيات على المنطقة في حال استمرت العربدة النتنياهوية ؟
إذن.. هل يتخبط نتنياهو أم يعرف ماذا يريد؟
التخبط المحتمل.. يعني أن استهداف القيادة الجديدة، التي أعلنت أنها لا تشكل تهديداً لأي جهة، وأخرجت إيران من دائرة العبث أقله في سوريا، قد يبدو غير منطقي، وهو يشير إلى عدم ثقة إسرائيل أو غياب رؤية واضحة للتعامل معها.
الاستراتيجية المحسوبة.. يبدو أن إسرائيل تعمل وفق خطة مدروسة، فالقصف الممنهج والتوغل في الجنوب يظهران أنها تسعى لتعظيم مكاسبها، لكن تكاتف الشعب السوري والموقف التركي قد يعقدان هذه الخطة.
ماذا نستنتج مما تقدم ؟
العربدة النتنياهوية في سوريا لم تعد مجرّد ردود أفعال عسكرية، بل باتت سياسة منهجية لهدم الدولة السورية الجديدة، وكسر أي مشروع وطني مستقل. نتنياهو اليوم لا يحارب نظاماً معادياً، بل يسعى لوأد كل فرصة للاستقرار في مهدها. ومع كل صاروخ يُطلق، تتضح ملامح مشروع صراع إقليمي، يشمل مقاومة شعبية سورية، تصعيداً عربياً تركياً، واضطرابات في العراق ولبنان. هذه العربدة، وإن بدت محسوبة، قد تفتح أبواب جحيم على المنطقة لن يسلم منه أحد حتى إسرائيل نفسها.