أستفتاء انفصال الكرد عن العراق والذي جرى في 25 أيلول ـ سبتمبر الجاري ..كان قد اثار ردود فعل متباينة بين اغلبية رافضة ،واقلية تدعو الى التأجيل ،ومؤيد واحد هو الكيان الصهيوني ؟! ورغم التحرك الدولي ولقاءات الامريكان والاوربيين مع البارزاني بهدف ثنيه عن ذلك او على الأقل تأجيل الاستفتاء لسنتين ،كي لاتنشغل المنطقة بموضوع آخر يؤثر على التوجه الدولي للقضاء على داعش ، الا انه جرى في موعده المقرر! ، فهل ان الاصرار على الاستفتاء من باب الاستقواء ولي الذراع ام مطلب مبرر ووفق مبدأ تقرير المصير؟! لاسيما وان سيتسبب في اندلاع خصومات إقليمية دموية قد تصل حد التدخل وتعريض العراق لاحتلالات أخرى باقتطاع أجزاء من كردستان بدخول القوات التركية كركوك بادعاء حماية التركمان ،وكذلك ايران للتوسع الطائفي وتحقيق حلم اقامة الهلال او البدر الشيعي على حساب العرب ،فتركيا وايران ومعهم سوريا يرفضون قيام كيان كردي لوجود اكراد في هذه البلدان اكثرتعداداً، ومع هذا لم يعترفوا بحقوقهم القومية بخلاف العراق الدولة الوحيدة التي منحت الكرد الحكم الذاتي الموسع ،واعترف النظام الوطني بكامل حقوقهم واشركهم في الحكم منذ بيان اذار للسلام في العام 1970 فكان منهم وزراء ونائب كردي لرئيس الجمهورية وجعلت اللغة الكردية الى جانب العربية في التعليم. ومع هذا فان علاقة السياسيين الكرد والحزبين المتنفذين ومنذ قيامهما كحزب واحد قبل انشقاق الطالباني وتأسيسه حزب الاتحاد والى اليوم كانا في تمرد مسلح ضد الحكومات المتعاقبة،وورقة مؤذية بيد قوى الاستكبار ودول الجوار ضد العراق ومنذ قيام دولته المعاصرة عام 1921 وحتى بعد تمتعهم بالحكم الذاتي ،وكانوا كلما ضعفت الدولة العراقية او انشغلت بمشكلة تحركوا في عصيانهم وتمردهم وما يصحبه من قتل ودمار والبراهين كثيرة، واقربها الدورالكردي المشارك في العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 وعدم التعاون في فك الحصار الجائر ،وكانوا قبل ذلك قد ألصقوا وبالأخص الطالباني مذبحة حلبجة بالعراق وهي من فعل الايرانيين، وفي أواخر أيام العدوان الثلاثيني قام الحزبان بسوق العوائل الكردية بالقوة بعد تخويفها من الجيش العراقي،وتجميعها داخل الحدود التركية في مخيمات اطلق عليها (الملاذ الآمن) ليدفعوا الولايات المتحدة ومن معها من دول العدوان المتحالفة الى فرض حظر الطيران وفق خطوط عرض 38 و42 ، وبعد خروج العراق منهكاً بعد عدوان وحشي وحصار مستمر جاء مسعود البارزاني وجلال الطالباني مع وفدين يضمان كبار المسؤولين في حزبيهما الى بغداد في نيسان ـ ابريل 1991 وعقدت عدة جولات من المفاوضات استمرت حتى آب ـ أغسطس وانتهت بالاتفاق على حل كل الإشكالات ، فتم تحسين قانون الحكم الذاتي ومنحهم منصبي نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ونائب لرئيس الحكومة ووزارات أخرى منها سيادية ،ووثقت بـ 7 اتفاقيات شملت العلاقات من جميع النواحي ومنها بروتوكول للتعاون بين الأحزاب الثلاثة (الحزبان الكرديان وحزب البعث) اما موضوع كركوك فقد اتفق على تركه للمستقبل!
وعند عودتهم الى الشمال للتداول بشأن الاتفاقات المبرمة استدعت الخارجية الامريكية البارزاني والطالباني الى واشنطن بشكل عاجل فأوفد مسعود ابن أخيه وصهره (نيجرفان) ممثلاً له وكان الطالباني قد سبقه الى واشنطن ، وهناك ابلغوا من قبل (دوجريجيان) نائب وزير الخارجية الأمريكي بعدم توقيع أي اتفاق مهدداً: “اننا نسعى ونهدف الى اسقاط نظام صدام ، واتفاقكم معه يعني تقويته فمن يقدم على ذلك لن يكون له وجود في كردستان ؟!” وكان الطالباني قد أوصل مشاريع الاتفاقيات السبعة التي لم توقع الى عدة عواصم ابرزها نيويورك ولندن وتل ابيب ودمشق وطهران، اذ شنت ، آنذاك،حملة إعلامية ضد العراق واتهامه بانه يعمل على إقامة تحالفات للتدخل في شؤون البلدان المجاورة .
وخلال الفترة 1991ـ 2003 قام الحزبان بالعمل على الانفصال وبناء نواة كيان مستقل ! مستغلين انشغال الدولة بمعالجة مخلفات العدوان والتحرك لرفع الحصار الجائر ،ومن دون ان يتوقف الدعم الحكومي لشعبنا الكردي وامدادهم بكميات من النفط مع مشتقات نفطية تفوق حاجتهم اذ كان الجزء الأكبر إضافة الى ما ينتج من حقول أربيل وما يسرق من حقول كركوك يباع للاتراك وعبرهم للاسرائيليين! وكانت تباع حتى بعض مفردات الحصة التموينية المخصصة للمواطنين الكرد اسوة بالعراقيين والتي تسلم بعدد يفوق مجموع اكراد العراق بما فيهم حصص الاعداد الكبيرة من العوائل الكردية المنتشرة في بغداد وعموم المدن العراقية وفي المهجر ؟! كما فرض جماعة البارزاني اتاوة وصلت في كل مرة الى 500 دولار على كل شاحنة بضائع او نفط عند ذهابها وايابها من تركيا عبر منفذ إبراهيم الخليل الحدودي ،وتصرفوا بكل عائدات السياحة والمصالح الحكومية ، كما هوجمت دوائر الدولة المركزية في المنطقة الشمالية مع الاهانة والاعتداء على ضباط وافراد الجيش والشرطة والدوائر الأمنية الامر الذي اجبر بغداد على اخلاء المنطقة الكردية من وجود الدولة الرسمي ،وعندها أضح شمال العراق مرتعاً للمخابرات الأجنبية التي تواجدت بشكل مكثف تحت عناوين شركات تجارية ومنظمات إنسانية ومدنية ،وقد انكشف امرها بعد ان استنجد مسعود بارزاني بالرئيس صدام حسين لينقذه من جلال طالباني الذي قام ومعه قوات إيرانية باقتحام واحتلال أربيل وهروب البارزاني الى الجبال بسبب الاختلاف واتهام الأخير بالاستحواذ على عائدات منفذ إبراهيم الخليل ،فكان ان وصل الجيش العراقي رغم الحصار وحظر الطيران ليحرر أربيل ويطرد طالباني والإيرانيين في31 / آب ـ أغسطس/ 1996 وابقى البارزاني وحتى عشية الاحتلال الصلة قائمة مع السلطة المركزية بتردد نيجرفان على بغداد التي لم تبخل عليهم بشيء!؟ وفي ذات الوقت كان الحزبان من انشط من سمي باحزاب المعارضة العراقية تنسيقا مع الامريكان والبريطانين وكل القوى التي كانت تتآمر ضد الحكم الوطني ،وشارك الاكراد في كل المؤتمرات التحضيرية للاحتلال التي عقدت في واشنطن ولندن وطهران وآخرها في صلاح الدين في أربيل اواخرعام 2002 وكانت المنطقة الشمالية التي فتحت امام المحتلين ، ودورهم عند الاحتلال أكده (بول بريمر)اول حاكم امريكي للعراق فور الاحتلال في لقاء في 19 / 9 مع قناة العربية الفضائية بقوله” أن الاكراد لعبوا دورا في تحرير العراق ،وان البيشمركة قاتلوا الى جانبنا وقد عملوا على صياغة الدستور معنا” فالاكراد شركاء أساسيون في العملية السياسية ويتحملون وشركاؤهم مسؤولية ما لحق العراق من دمار وخراب وتردي وعن الدماء التي مازالت تسيل ! وقد سخروا وجودهم في اعلى مواقع السلطة وبموازنة عالية خاصة بالاقليم بنسبة 17 % إضافة الى موارد مبيعات نفط أربيل وما يسرق من حقول كركوك ،ووجودهم في مناصب وزارية هامة كالخارجية والتجارة والمالية ورئاسة اركان الجيش إضافة الى نائب لرئيس الوزراء ورئيس الدولة .. لبناء مقومات دولة من حكومة محلية وبرلمان ومؤسسات وجهاز شرطة وامن وقوة عسكرية حديثة التسليح من البيشمركة! مدعين أولا :ان لهم الحق بذلك وفق مبدأ تقرير المصير ،وثانياً:انهم لايرضيهم ان يكونوا جزءاً من دولة تقودها عملية سياسية فاشلة وسلطة فاسدة ! ولكن لا أساس قانوني لادعاء هذا الحق! لانهم ليسوا مستعمرين من قبل العراق ليتقرر مصيرهم ،وانما هم جزء من الدولة وشركاء للعراقيين في هذا الوطن الذي كانت كردستان جزءاً منه منذ العهد السومري والبابلي والاشوري والعباسي وحتى اسم أربيل ..بابلي يعنى الالهة الأربعة
(اربا ايلو)!؟وهذا الادعاء غير مبرر لانه لو طالب كل عرق مماثل او مذهب مختلف بالانفصال لتشظت اغلب الدول الى دويلات على عدد الأعراق والمجاميع الدينية والمذهبية فيها، ثم من المضحك ان يطالبوا بحق تقرير المصير من دولة رئيسها كردي منهم؟!!؟! واكراد العراق لم يكونوا مظلومين على العكس من اكراد دول الجوار وهم اكثر عددا ومع هذا يمنع عليهم المجاهرة بقوميتهم ، ونظام الأسد يحرّم على مواطنيه الاكراد الجنسية السورية حتى اليوم !فاين هم من كرد العراق وقانون الحكم الذاتي الذي حفظ حقوقهم وجعلهم شركاء أساسيين في كل شيء ،وحالهم اليوم معروف منهم رئيس البلاد ووزراء اساسيون ونواب وقد جعلوا من الإقليم اشبة بدولة مستقلة حتى في التعامل مع المركز؟! وفساد السلطة وفشل العميلة السياسية هم شركاء فيها ! وبصماتهم واضحة على تكوينها وصياغة دستورها وانحدارها بهذا الشكل ولن يغفر لهم ذلك ولن ينجيهم الهروب الى امام بالانفصال ،متوهمين بانهم اصبحوا أقوياء فدول الجوار المعترضة بشدة هم اقوى بكثير ؟!وبدلاً من ذلك كان الاجدر بهم ووفاء لهذا الوطن وترابه وتأريخه ان يكونوا مع شعب العراق وقواه الوطنية لتخليص البلاد من عملية فاسدة وسلطة دموية وطرد كل المحتلين وانهاء الوجود الإيراني وسلطة المليشيات والعمل على حكومة وطنية تحافظ على وحدة البلاد وبما يحقق الامن والأمان والسلام ؟! ولا نعتقد ان هناك عراقياً اصيلاً ولا كردياً مخلصاً يقبل بانفصال كردستان فضلا عن وجود شبه اجماع دولي على الرفض لانه غير مبرر، وسيدخل العراق النازف والمنطقة عموما والتي تعاني من استشراء الإرهاب ،في خلافات خطيرة وسيزيد من معاناة الشعب ويفتت البلاد ! فضلا عن ان نسبة كبيرة من الكرد يعارضون البارزاني ولا يقرون بزعامته وكذلك يختلف معه الكثير من الساسة الكرد وان رئاسته للإقليم منتهية.