صرح مسؤول أوروبي إن مصالح أوربا في سوريا أصبحت مهددة ولم يعد هناك دور يذكر في سوريا للقارة العجوز، وأضاف إن قرارات الحرب والسلام والهدنة في سوريا هي بيد الولايات المتحدة وروسيا وإن اتفاقهما أو اختلافهما هو الذي يوجه الأحداث ويقودها. ومن ناحية أخرى فقد فجر مسؤول في جبهة النصرة مفاجأة عندما اعترف بأن إسرائيل تساعد جبهة النصرة وتدعمها وإن الأسلحة التي تتلقاها الجبهة تأتي من اسرائيل وأمريكا وتركيا ومن دول الخليج. وخلاصة الأمر إن الجبهات والجيوش والمنظمات التي تسفك دماء السوريين وتدمر سوريا ليس لها من الأمر شئ، الأمر كله لروسيا وأمريكا وإن دور هذه الجبهات والجيوش تحوَّل دون أن تدري إلى تنفيذ أجندات هاتين الدولتين والائتمار بأوامرهما والقتال نيابة عنهما، وإنها قد استسلمت لهذا الواقع وتركت شعاراتها ( الإسلامية ) جانباً أو لنقل إنها قد وضعتها بيد هاتين الدولتين، ولا نعلم إن كان ذلك يخدم التوجهات الإسلامية أو يعبر عنها. ففي الوقت الذي يأمرنا الله سبحانه ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) نجد هذه الحركات والفصائل قد تفرقت إلى العشرات تقاتل وتتقاتل كلها باسم الله ولإقامة شرعه وبناء الدولة على منهج الشريعة !!!!!
ماذا بقي من تلك الشعارات إذن؟ وهل تستطيع تنفيذ أيٍ منها؟ أو أن تفكر في ذلك؟ ماذا بقي لها من خيوط اللعبة؟ إنها تنتظر فقط اتفاق الدولتين على تصنيفها كمنظمات إرهابية أو معتدلة الأمر الذي سيحميها أو يعرضها لقصف السوخوي أو الـ ( 16 F ) أو الرافال ويتيح لها أن تحصل على الدعم بملايين الدولارات أو أن يمنع هذا الدعم عنها. ماذا بقي من الإسلام الذي ترفعه تلك المنظمات المتصارعة شعاراً؟
إن هذه الفوضى السياسية والعسكرية ( والفكرية) والتدمير الذي تتعرض له سوريا بلا طائل وبلا نتيجة قد أفرز حقائق عديدة وأثبت حقائق أخرى :
1- إن الحركات التي تتخذ الدين ستاراً لتحقيق أهدافها ستنتهي عاجلاً أو آجلاً إلى التبعية والارتماء في أحضان جهات خارج حدود بلدها. وهذا الكلام أصبح واقعاً لا يمكن إخفاءه أو إنكاره ولا تستثنى منه أية منظمة من المنظمات المتصارعة.
2- يمكن تقبّل وتبرير الدعم الذي تلقاه تلك المنظمات من بلدان إسلامية بعينها ( رغم وجود شكوك في دوافع ذلك) إلا أن وجود أي شكل من أشكال العلاقة مع إسرائيل أو أمريكا أو روسيا ينسف مبررات وجود كل تلك المنظمات ويقضي على دعاواها بالعمل لمصلحة سوريا ولا يبقي أهمية لادعائها بتمثيل الإسلام أو إنها تعمل لخدمته ويؤدي بالنتيجة إلى الإساءة للدين.
3- من ناحية تلك المنظمات فإن تبعيتها لجهات أجنبية لايخدم مصلحة سوريا بل مصالح تلك الجهات.
4- ومن ناحية الدول الأجنبية فإنها لا تعمل لمصلحة سوريا بل تعمل لخدمة مصالحها وإن تباكيها على المدنيين والأطفال والعجائز هو نفاق سياسي ليس إلا.
5- إن رفع الإسلام شعاراً سياسياً يسئ إلى الإسلام والمسلمين ويؤدي إلى وصم الإسلام بالإرهاب ولصق الإرهاب به.6- إن التدمير الذي تتعرض له البنى التحتية في سوريا يمكن إصلاحه بعد سنة أو سنتين أو عقد أو عقدين، ولكن التدمير الذي لحق ويلحق بالإسلام وبالمجتمع السوري وقيمه وثوابته يصعب وقد لايمكن إصلاحه.فقد أدى الصراع إلى شق وحدة الشعب السوري واطلق العنان للقوى الطائفية كي تعمل على نشر رؤاها وأفكارها وتجزئة الشعب الواحد على أسس طائفية وعرقية ومناطقية.7- إن هذه الحرب قد أتاحت لكل أصحاب المصالح والأغراض من دول وجهات أخرى أن يتدخلوا في سوريا فأصبح الوضع على درجة من التعقيد وغدا عصياً على الحل السياسي.
8- والحصيلة النهائية هي إن إسرائيل تحقق اهدافها ومصالحها دون جهد وبايدي العرب والمسلمين وهي تتفرج عليهم يذبحون بعضهم بعضاً لتحقيق أهداف لن تتحقق مطلقاً.
9- لازالت الحركات المسيسة دينياً غير قادرة على إدراك الحقائق العديدة التي يفرزها الصراع ولا زالت تتشبث بطروحاتها التي تجاوزتها الأحداث، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك على قدرتها على التكيف مع الأحداث أو تحليل وتشخيص المتغيرات التي تحدث يومياً والتي هي سمة الحياة الإنسانية المعاصرة.
10- إن من طبيعة الحركات التي ترفع الإسلام شعاراً سياسياً إنها تتشظى دوماً رغم إنها ترفع شعارات الإسلام وتتغنى بمبادئه وتدعي التزامها بأوامره وابتعادها عن نواهيه، ولكنها لاتستطيع أن تتوحد أو على الأقل أن تنسق رؤاها السياسية وهي تظل عرضة للتفرقة والصراعات التي تتحول في النهاية إلى صراعات دامية وإلى أن يكفِّر بعضها بعضاً.
[email protected]