17 نوفمبر، 2024 7:42 م
Search
Close this search box.

ماجدوى الدخول الى الخضراء

ماجدوى الدخول الى الخضراء

لم يكن رئيس التحرير قد اغلق باب غرفته، نادى عليه وهو مستغرق بافكاره، هل تستطيع ان تجعل من القوات الامنية بطلة للمشهد في الجمعة الماضية، تعالي زكية جيبي لاستاذ علي جاي، بسرعة، وناوليني زجاجة ماء من البراد، اظنك تريد قهوة، فرد المسكين الذي لم يرتب افكاره بعد، اي شي، جاي كهوة، حتى لو بس الماي، ستكتب على حاسبتي بعد شتريد، مسك الحروف وراح يعزف سيمفونيته، ماجدوى الدخول الى الخضراء، استحضر امامه كل معاناة الشعب العراقي في الحقبة السابقة، التي تعتبر من اسوأ الحقب التي مرت على العراق، الانفجارات، القتل العشوائي، الجثث التي تغطى بخرقة بالية ليسترها بعض ممن يخافون الله عن اعين المارة، السيارة التي توقفت فجأة امامه ليهبط القتلة المقنعون ويقتلوا رجلا امام ابنه الذي بقي متسمرا على المقعد، المقنعون الذين فتحوا باب السيارة واخذوا يبحثون في الوجوه عن ضالتهم، وهو ينظر باتجاه عيني القاتل، فاقتادوا الجالس بجواره واردوه بضربة من كعب المسدس، ثم سحلوه وعادوا ثانية يفتشون في الوجوه، المرأة التي قتلت امام اطفالها الخمسة باطلاقة قناص، وكان آخر طفل لديها يناغي بعد حلمات ثدييها ويبكي بحرارة، وقعت اول دمعة على الطابعة امامه، وهو يحاول بشتى السبل ان يجمل وجه القوات الامنية التي تصدت للمتظاهرين.استأذن لدقائق على ان يعود ثانية لمتابعة الكتابة، نزل الى شارع السعدون، رأى الكلاب السائبة التي تقطع نباحهها وتنهيه اصوات المولدات، هناك مجموعة من الشباب يتسكعون، انهم مخيفون، الوجوه ليست مألوفة، والعلامات الفارقة عليها كثيرة، هنالك مسجد في نهاية الشارع قرب النفق، لايدخله احد، انه مغلق منذ زمان، وهنالك بار صغير على ناصية الشارع، تناول كم مرة فيه زجاجة من البيرة، وهناك في البتاويين الكثير من العصابات والوجوه الغريبة، ضربت وجهه نسمة رطبة، هيجت مواجع كثيرة، هل المتظاهرون اعتدوا على القوات الامنية؟ ام ان القوات الامنية هي من قامت بالاعتداء على المتظاهرين، ماجدوى الدخول الى الخضراء، هل لدى المتظاهرون البديل، ام انها نزوة وتمر عابرة، ولو انهم وجدوا رئيس الوزراء، هل كانوا سيصفعونه كما صفعوا النواب، واعتذرت عنهم بعض الكتل، كل هذا كان حاضرا، وصورة رئيس التحرير ايضا كانت حاضرة امامه، وصورة صديقه احمد، ورياض الذي لايترك الضحك في اصعب المواقف، حتى صورة امه اقتحمت ذاكرته، فتساءل ما دخل امه بالتظاهرات، واي فريق سيؤيد، اخذ دورة كاملة شاهد من خلالها الليل في البتاويين التي كانت مليئة بالورود، هنا في هذا الشارع وفي الواحدة بعد منتصف الليل خرجت له فتاة جميلة، وهو في اوج نشوته، وطلبت منه سيكارة، الغبي لم يكن يعلم انها تريد شيئا آخر، الا بعد ان وصل الى ساحة الطيران، فعاد ادراجه ثانية يبحث عنها بلا جدوى، كان لابد ان ينظر في عينيها وهو الجائع النهم السكران، ما الذي منعه من الكلام، كانت ضربة حظ كبيرة وغادرته، ربما الكمالية اقرب من البتاويين وسيطفىء لظى روحه هناك ، ليعوض الخسارة الماضية، عاد الى الصحيفة مسرعا، لملم اغراضه، دمعت عيناه وكان آخر يوم له في الصحيفة بعد ان ترك الشاي والقهوة والوجوه.

أحدث المقالات