في حين إنشغلت أغلب وسائل الإعلام العراقي بقضية حصار مدينة كييف الأوكرانية ودموع النازحين الأوكرانيين وهم يغادرون منازلهم للبحث عن ملاذ آمن لم يخبرنا هذا الهامش الإعلامي الأغلب عن أحداث تلك الليلة الظلماء ومادار فيها من حصار لمحكمة إستئناف الكرخ ولم تكلف السلطة الحاكمة نفسها على الأقل تبرير أفعالها بتغيير عدد من القيادات الأمنية في موقف مستهزئ بالعقول لتُعلن لنا أنها مُشترٍ جيد ومستعدة لشراء كل الأصوات والفضائيات ومصادرة الرأي العام والإيغال في التعتيم من أجل إعادة ترتيب أوراقها والتحضير للمرحلة القادمة.
أغلب الفضائيات العراقية التي أصبحت تُباع وتُشترى من قبل السلطة في سوق النخاسة حيث يكون البائع والمشتري واحد ليكون بالمحصلة إعلاماً واهياً تقود أغلبه واجهات إعلامية لسماسرة تتفق مع السلطة أو من صنع هذه السلطة في إعلامٍ لم يكلف نفسه ويشرح لنا لماذا تمت محاصرة مبنى محكمة الكرخ وكيف وما الغاية؟ وما أغراض السلطة من هذا الفعل؟ ثم من أين تستمد هذه السلطة شرعيتها في كل هذا الصراع المحموم على نهب مقدرات البلد وثرواته؟.
بعض الفضائيات العراقية التي أصبحت تابعاً ذليلاً للسلطة إبتداءاً من شبكة الإعلام العراقي وتبعيتها وتجييرها لكل رئيس وزراء يحكم العراق وإنتهاءاً بالفضائيات المستقلة (جداً) التي تبحث عن الإثارة والإسفاف والعُهر وإستفزاز الشارع العراقي بعد أن إستنزفت كل محتواها الإعلامي وأصبحت دكاكين لبيع ما يجود به الإنحطاط والرذائل والإسفاف، والمفارقة أن الذين يحكمون العراق اليوم يُدركون أن إعلامهم المعارض في زمن الديكتاتور كان وبالرغم من ضعف إمكانياته المادية وحجم وخطورة العمل في مساراته وتواضع حجمه في الخارج إلا أنه كان إعلاماً يُثير إهتمام الرأي العام في ذلك الوقت.
الإعلام العراقي اليوم في أغلبه هو واجهات لمغازلة السلطة والترويج لها ورسائل إعلامية تحمل الكثير من القرف والتعتيم وإلهاء الرأي العام عمّا يدور في دهاليز السلطة.
لم تُثر قضية حصار مبنى محكمة الكرخ وأحداثها أغلب وسائل إعلامنا ولم يُكلّف صُنّاع الخبر في تلك الفضائيات أنفسهم عناء كتابة أسئلة من، كيف، أين، وماذا جرى في تلك الليلة قرب مبنى محكمة الكرخ؟ لكن هذا الإعلام إنشغل كثيراً بأحوال مغادرة الأوكرانيين منازلهم برفقة حيواناتهم الأليفة ربما لأن هذا هو الفرق بين من يرى المشهد بعينين إثنتين وبين من يراها بعين عوراء وتلك مشكلة أغلب الفضائيات العراقية.