18 ديسمبر، 2024 7:11 م

مابعد تشرين (الاختيار )

مابعد تشرين (الاختيار )

الاحتجاجات و التظاهرات الشعبية والانتفاضات و الثورات واي حركة سياسية في اي مكان في العالم لا تنطلق من الفراغ لتصل الى اللاوجود والعدم في رحلة عبثية نتائجها عدمية .بل على العكس هنالك اسباب موضوعية واقعية ومشكلة حقيقية على ارض الواقع تكون الدافع لتلكم الاحتجاجات او الانتفاضة و الثورات اسباب من قبيل انتهاك حقوق الانسان مثلا قمع للحريات و التمايز و الفجوة الواسعة بين الاغنياء و الفقراء والاستفراد بالحكم و الطغيان وحالات من البطالة واسعة الانتشار سوء اداء اجهزة الدولة والبيروقراطية الحكومية وقضايا الاستقلال والتحرر الوطني و السيادة الخ من الاسباب .
يكون الشعور بالظلم و بالحيف ووعي اسباب الثورات هو الدافع للقيام بها حيث لايكفي انتهاك حقوق الانسان او قمع الحريات بل لابد من وجود وعي بأن انتهاك الحرية وحقوق الانسان انما يشكل عمل غير مقبول ولايجوز السكوت علية وهذا يتعلق بمقدار الوعي الشعبي في مجتمع ما في وقت ما وطبيعة الثقافة السياسية و الاجتماعية في مكان ما في زمان معين .بعض المجتمعات تعتبر انتهاك الحريات وانتهاك حقوق الانسان امر طبيعي حيث لم تتسرب اليها مبادئ الحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة وحقوق الانسان بل على العكس اصبح قمع الرأي و الخضوع و الخنوع جزء من ثقافتها هي تربت على الاستبداد والطغيان فبالتالي لاتثور عند انتهاك حقوقها الانسانية وحريتها . كذالك انتشار التمايز الطبقي الحاد و الفجوة الواسعة بين الاغنياء و الفقراء وتهميش الطبقات المستضعفة و الكادحة و العمال فهنالك مجتمعات تألف القبول بالتمايز الطبقي و تعتبر الفقر امر مقدر من الاقدار وتعد الكادحين بمستقبل افضل في العالم الاخر مقابل الصبر و التحمل والجلد في الدنيا وتؤمن بأن تفضيل البعض على الاخر في الرزق انما هو امر سماوي او قدر يجب الخضوع لة .وتعزي نفسها ربما بنصوص من قبيل فضلنا بعضكم على بعض في الرزق درجات لتفسرها تفسير بشري يبرر الخنوع والخضوع والاستسلام وتعد المستغلين بعذاب في العالم الاخر لتبرير قبول استغلالهم الواقعي الحاضر مثل دخول الجمل في ابرة الخياط ايسر من دخول الاغنياء الجنة الخ .وعي الظلم هو الدافع للأحتجاج ضدة و الثورة علية و العمل على ازالتة .و هو يقتضي وجود تصور ورؤية للواقع الكائن وتصور لما ينبغي ان يكون فقد يأخذ الامر شكل ثورة عارمة تطيح بالنظام او تدعوا الى ازالة النظام برمتة و احلال بديل عبر العنف الجماهيري الثوري لأنهاء النظام السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي بعد اليأس من امكانية اصلاح مؤسسات النظام بالطرق القانونية و السلمية التاريخ يحدثنا عن الثورة الفرنسية التي انهت الملكية و النظام الاستقراطي الاقطاعي الكنسي و الملكي سياسيآ سنة 1789 وكذالك ثورات 1848 التي عمت القارة الاوربية .وهنالك وجهة نظراخرى انة يمكن استغلال الامكانات الديموقراطية و السلمية للوصول الى اصلاح شامل يؤدي بالنهاية الى زوال قمع الحريات و انهاء انتهاكات حقوق الانسان وردم الفجوة بين الكادحين و الطبقة العاملة المهمشة وسائر المهمشين وصولا الى الحرية واحترام حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية .وهذا الطريق تاريخيا برع فية الانكليز ففي عام 1885 انشاءت في انكلترا الجمعية الفابية وهي نواة حزب العمال البرطاني فيما بعد تؤمن بالتدرج وليس الثورة تؤمن بالعمل السلمي من خلال البرلمانات و المجالس المحلية وصولا الى اهدافها وحتى اسمها هو اخذ من الجنرال فابيوس القائد الروماني الذي هزم القائد القرطاجي هاني بعل ليس بمواجة شاملة بل عبر سلسلة انتصارات جزئية تؤدي الى النصر الشامل وقد حدث .ونحن بعد مظاهرات تشرين أن دعى البعض الى الاخذ بطريق دخول البرلمانات و العملية السياسية لتغيرها من الداخل عبر اصلاح تدريجي للنظام و عبر مؤسسات الدولة يتم محاسبة من قمع المتظاهرين و الناشطين و من قام بأفساد الحياة السياسية وعرقلة عملية بناء نظام دمقراطي بعد 2003.ان هذا القول وان كان صحيحآ من حيث المبداء لكن كما يقال يكمن الشيطان بالتفاصيل فهو يستقضي توافر مناخ من الحرية السياسية واحترام حقوق الانسان وايضآ توافر عقليات وثقافة لدى النخب و الراي العام واستعداد لتقبل النتاج المترتبة على عملية الاصلاح التدريجي والقبول بالنتائج والتضحيات المترتبة على هذا العمل سواء من القائمين المنادين بالاصلاحات التدريجية ام من الاشخاص الذين تشملهم الاصلاحات .هذا الموضوع غير متوفر بالعراق الان بالمرة والمناخ السياسي لا يساعد على ذالك بالمرة فلا احد يرغب بالنتاج التي يمكن ان تترتب على اصلاح جذري للعملية السياسية عندما تصل اجراءاتها العملية الى مناطق نفوذة و امتيازات السلطة التي يتمتع بها .عندما قامت الثورة الروسية سنة 1917 وقبلها الثورات الاوربية 1848 وعندما قامت الدول الشيوعية لم تجد تلكم الدعوات صدى لها في برطانيا ودول اوربا المتقدمة ويعود السبب الى توفر مناخ دمقراطي يوفر الارضية المناسبة للتطور التدريجي نحوا الاصلاح حتى ان النقابات العمالية و الجمعيات التعاونية التي اسسها روبرت اوين و الجمعية الفابية كجمعية فكرية سياسية وجدت الارضية الصالحلة للتطور التدريجي عبر اداء متميز ومبدئي وصادق في الدعوة الى العدالة ووفق تسامح بالغ من النخب الحاكمة وان كان لايخلوا من الدفاع عن مصلحة الطبقة المسيطرة لكن مع قبول بالقواعد القانونية السلمية والديمقراطية كغطاء جامع مع قضاء ساهم بدور كبير في الانتقال الديموقراطي منذ العهد الحقوق سنة 1688 ( bill of rights)وقضي على امتيازات الملك واحكام المحاكم وفي سنة 1870 اقر حق التعليم وقيام الخدمات تقدمها المجالس البلدية دون مقابل مثل الكهرباء و الماء و المكتبات العامة وفي 1920 التأمين على البطالة وخدمات التأمين الصحي وقانون 1948 تقديم المساعدة للمعوزين ويقال ان برطانيا ونخبها المسيطرة عرفت كيف تنحني امام المد الديموقراطي منذ وقت طويل وصل هذا التطور الى ذروتة تاريخيآ بمشروع اللورد (بفريدج)
الذي يكفل الصحة والتعليم والعيش لكل انجليزي من المهد الى اللحد بل قبل المهد وبعد اللحد كما قال الانجليز .في العراق كما قلنا (ونحن بعد مظاهرات تشرين حدث أن دعى البعض الى الاخذ بطريق دخول البرلمانات و العملية السياسية لتغيرها من الداخل عبر اصلاح تدريجي للنظام و عبر مؤسسات الدولة يتم محاسبة من قمع المتظاهرين و الناشطين و من قام بأفساد الحياة السياسية وعرقلة عملية بناء نظام دمقراطي بعد 2003.ان هذا القول وان كان صحيحآ من حيث المبداء لكن كما يقال يكمن الشيطان بالتفاصيل فهو يستقضي توافر مناخ من الحرية السياسية واحترام حقوق الانسان وايضآ توافر عقليات وثقافة لدى النخب و الراي العام واستعداد لتقبل النتاج المترتبة على عملية الاصلاح التدريجي والقبول بالنتائج والتضحيات المترتبة على هذا العمل سواء من القائمين المنادين بالاصلاحات التدريجية ام من الاشخاص الذين تشملهم الاصلاحات .هذا الموضوع غير متوفر بالعراق الان بالمرة والمناخ السياسي لا يساعد على ذالك بالمرة فلا احد يرغب بالنتاج التي يمكن ان تترتب على اصلاح جذري للعملية السياسية عندما تصل اجراءاتها العملية الى مناطق نفوذة و امتيازات السلطة التي يتمتع بها ..
وقد افرزت الانتخابات الاخيرة من رفع شعار التظاهرات لكن ادائهم اللاحق اشر بكل وضوح انهم (انهم لايعرفون كيف يعملون لقلة ماحذقوا فية من فنون السياسة و اللاعيبها وتكتيكاتها ) كما ان الانسان عندما يفتقر الى التمسك بالمبدائية الصادقة والاخلاص فأن دواعي وبواعث الانسانية و القيم النضالية لدية تتراجع لتفسح المجال للحاجات الاجتماعية و المطامع السياسية و المالية والرغبة بالاحتفاظ بالنفوذ وتعزيزة ولايمكن ان يقارن بما كانت او كان علية دعاة التغير السلمي والتدرج المحترم كما قرأنا تاريخهم في برطانيا لايمكن ان نقارن ماعندنا بنضال برناردشو او سدني ويب او زعماء العمال من حيث المبدائية الصادقة و الثقافة العالية و الهمة والنشاط و المثابرة والاصرار لابل لايمكن ان يقارنوا بدعاة هذا التفكير في العراق في القرن الماضي من جعفر ابو التمن وكامل الجادرجي ومحمد حديد وما عانوة من اذى وما صبروا علية من عواقب عبر اختيار هذا الطريق .انة على اية حال اختيار شخصي لكل فرد او حزب وصدق الشاعر معروف الرصافي حين كتب
لا يَخدعَنكَ هُتاف القومِ بالوَطَنِ

فالقومُ في السرِّ غير القومِ في العَلَن

أحْبُولة الدِّين ركَّت من تقادمها

فاعتاض عنها الورى أحبولة الوطن

فما لهم غير صيد المال من غرضٍ

في اليوم والغد والماضي من الزمن