18 ديسمبر، 2024 9:32 م

مئوية أستروفسكي الثانية

مئوية أستروفسكي الثانية

تحتفل روسيا هذا العام (2023) بالذكرى المئوية الثانية لميلاد كاتبها المسرحي الكبير ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي ( 1823 – 1886) , شكسبير روسيا كما يطلق عليه الكثير من النقاد والباحثين في تاريخ المسرح الروسي . ومثلما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات المرتبطة بكل الاسماء البارزة في مسيرة الفكر الروسي , صدر أمر رئاسي بتوقيع الرئيس الروسي عن الاستعداد لهذه الاحتفالات عام 1920 ( اي قبل ذلك الاحتفال بثلاث سنوات !) حول تفاصيل الاحتفالات والتهيئة لها في عموم روسيا , كي تكون تلك الاحتفالات لائقة بالمئوية الثانية لميلاد هذا الكاتب المسرحي , ومن جملة فقرات تلك الاحتفالات سيكون افتتاح البيت الذي ولد فيه استروفسكي بموسكو , ومن حسن الحظ , ان هذا البيت لازال موجودا , الا انه – طبعا – بوضع يتطلب تصليحات جذرية لاعادته الى سابق عهده ( اي كما كان قبل قرنين من الزمان !), وقد بدأت عملية التصليحات والترميمات فعلا , ومن المفروض ان يتم افتتاح ذلك البيت في بداية الاحتفالات , وبهذا ستكسب موسكو موقعا سياحيّا جديدا وطريفا يضاف الى معالمها السياحيّة العديدة جدا , المرتبطة بأسماء أعلامها عبر التاريخ ,علما , ان البيت الذي سكنه أستروفسكي بعد ذلك , والذي كتب فيه الكثير من نتاجاته المسرحية لا زال موجودا , وقد تم نشر صورا عديدة لهذا البيت في هذه المناسبة, وهو بيت خشبي روسي جميل وواسع , وقد تمّ التقاط تلك الصور في الشتاء الروسي , حيث تحيط البيت ثلوج هائلة , الا ان البيت الحقيقي الاول والاخير لأستروفسكي هو مسرح ( ماللي تياتر ) اي ( المسرح الصغير) المقابل لمسرح ( بولشوي تياتر ) اي ( المسرح الكبير) ,والذي يقع في مركز مدينة موسكو , وليس من باب الصدفة ابدا , ذلك التمثال الضخم لأستروفسكي وهو يجلس على كرسي وثير امام مسرح ( ماللي تياتر) , اذ ان هذا المسرح كان بيته الفني قبل كل شئ وبعد كل شئ , ففيه تم عرض كل مسرحيات أستروفسكي اثناء حياته, حيث كان يشارك شخصيا بالاعداد لتلك العروض , ولهذا , فقد أعدّ هذا المسرح برامج خاصة واسعة للمساهمة في احتفالات الذكرى المئوية الثانية لأستروفسكي , وسيتم عرض الكثير من مسرحياته او مقاطع مهمة منها , وفي فروع ( ماللي تياتر) في العديد من المدن الروسية , وسيكون هناك في ختام تلك البرامج حفل موسيقي كبير في ساحة المسرح , وقد صرّح مدير مسرح ( ماللي تياتر) للصحفيين , انهم يريدون ان يحوّلوا يوبيل أستروفسكي الى مهرجان احتفالي مهيب للمسرح الروسي بشكل عام .
تمثال أستروفسكي , الذي يقف أمام مسرح ( ماللي تياتر ) يرتبط في ذاكرتي ارتباطا روحيّا وثيقا , لدرجة , انني لازلت وبعد أكثر من ستين عاما , عندما أمرّ بالقرب منه , أتأمّله بحب وابتسم بيني وبين نفسي , وأقول له في أعماقي – سامحنا يا ألكساندر نيقولايفتش , اذ انني ( مع مجموعة من الطلبة العراقيين ) وقفنا امامه منبهرين عام 1959 , وقررنا (وبكل ثقة وسذاجة مضحكة!) , انه للكاتب السوفيتي نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي , مؤلف الرواية الشهيرة ( كيف سقينا الفولاذ ) , وكل ذلك لأننا كنّا في يفاعتنا لا نعرف عن الادب الروسي سوى تلك النتف البسيطة من ألكلمات الطنانة والرنانة التي سمعناها في عراق الخمسينيات عن هذا الادب العظيم واعلامه , ولم يكن الكاتب المسرحي استروفسكي من ضمنهم طبعا , لانه لم يكن (ملائما !!!) لتلك الكلمات المعلّبة الطنانة عندئذ , أما الان , فان أستروفسكي يرتبط في وعيّ و ذاكرتي باسم الفنان المسرحي العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد , الذي قدّم للمسرح العراقي مسرحيّة ( الحب والربح ) , والتي أعدّها وصاغها بنكهة وروحيّة عراقية ذكية عن مسرحية أستروفسكي الشهيرة ( مكان للربح) , والتي نالت لدى الجمهور العراقي نجاحا باهرا آنذاك , ويرتبط أستروفسكي بذاكرتي باسم المترجم العراقي المعروف عبد الله حبه , الذي قدّم لنا ترجمة لمسرحيات أستروفسكي , والتي كتب حول تلك الترجمة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية طالب الدراسات العليا آنذاك ميثاق محمد ( الدكتور والاستاذ المساعد الان في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ) باقتراحي واشرافي العلمي , ويرتبط أستروفسكي ايضا باسم مجموعة من الزملاء المصرين الاعزاء , الذين ترجموا الى العربية الكثير من مسرحيات أستروفسكي , و تم نشر أغلبها في سلسلة المسرح العالمي التي تصدر في الكويت , وهؤلاء الزملاء هم كل من – فوزي عطية وسميّة محمد عفيفي وهاشم حمادي ومكارم الغمري وعطية عبد الرحمن السيد , ومن المؤكد , انه توجد اسماء عربية أخرى لا أعرفها , قد ساهمت ايضا في تعريف القراء العرب بمسرح أستروفسكي وأهميته في تاريخ الادب الروسي .
تحية للذكرى المئوية الثانية لميلاد أستروفسكي ,الذي كان ولا يزال لحد الان ( ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) الاسم الاول في مسيرة الادب المسرحي الروسي …