18 ديسمبر، 2024 7:58 م

مؤشرات ومعطيات لحقائق الموقف

مؤشرات ومعطيات لحقائق الموقف

حدثني صديق، عمل في الستينات وزيراً في أكثر من حكومة عراقية واحدة، أنه ذهب للولايات المتحدة للدراسة بعد حل الوزارة التي كان عضواً فيها، ولإجادته الإنكليزية بشكل تام، كان قد أقام علاقة صداقة شخصية / عائلية مع السفير الأمريكي ببغداد وزوجته. وحين وصل واشنطن للدراسة، التقى صديقه القديم الذي كان قد حل في إحدى الدوائر المهمة القريبة من مراكز القرار، وأسر صديقنا العراقي بين الجد والمزاح، بما يلي: لدي صناع القرار الأمريكي 3 هموم لا حل لها (حتى ذلك الوقت أواسط السينات) :

أن يجدوا صديقا عربيا لا يريد تصفية إسرائيل.
أن تصنع أميركا سيارة تضاهي الفولكس فاغن.
كل ما يرسلون مبشرين لأفريقيا، يتزايد عدد المسلمين في القارة السمراء.

في أواخر الثمانينات صرح المرحوم الملك حسين بن طلال بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة، أنه لا يستطيع أن يفهم لماذا لا تريد الولايات المتحدة أن تتفهم المصالح العربية.
عام 2004، صرح الملك الأردني عبد الله بن الحسين، أن هناك هلالاً شيعياً سيظهر في الشرق الأوسط وسيعمل على تغير حقائق سياسية وجغرافية.
عام 2005 التقيت في برلين بصديق قريب من مواقع القرار في إحدى الدول العربية، فجاءه نداء هاتفي، وكان من وزير خارجية بلاده، وانتحى عني ليتحادث معه، وبعد أن أنهى المكالمة، وعاد ليجلس رأيته متغير الوجه مرتبكاً، فتمتم بأسى ” الأمريكان أعطوا العراق للشيعة “. ولم يكن بوسعه أن يتحدث بأكثر من ذلك، كما لم يكن الظرف مناسباً أن أسأله المزيد.
كولن باول لم يكن دبلوماسياً، بل هو ضابط محترف (عمل كرئيس لأركان الجيش)، أدلى بتصريح لا يدل على احتراف دبلوماسي بقوله ” أن المؤسسة الدينية ستحكم العراق ” وهذا قبل نهاية ولاية السيد أياد علاوي للحكومة العراقية.
صرح السيد أياد علاوي لمقربين منه، أنه أخبر السفير الأمريكي بسرور، أن قائمته العلمانية تصدرت نتائج الانتخابات، وفوجئ عندما أجابه السفير الأمريكي بجفاء.. ” ومن قال لك أننا نريد علمانيين في الحكم ..؟ “.
بتاريخ 25 / 10 / 2016، نشر موقع أورينت نت، ” كشف بروفيسور إسرائيلي خفايا المخطط القذر الذي تنفذه الولايات المتحدة الأمريكية وشريكتها روسيا وبالتعاون والتنسيق مع إيران في كلاً من سوريا والعراق، عبر تطبيق مشرع طائفي ممنهج يهدف إلى “اقتلاع السُنة” من المنطقة، وتوطين المكون الشيعي، وذلك في غفلة وتخاذل وعجز من العالم الإسلامي والعربي “.
علمت من صحفي عربي مطلع، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبهدف تحويل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة دون توقف، إلى منطقة آمنة وضمن مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، من خللا خطة طويلة الأمد، بتحويل العرب السنة إلى أقلية تحت القمع والسيطرة، بتقديم الدول العربية : العراق، سوريا، لبنان، واليمن، للهيمنة الإيرانية، ولما كانت هذه أشبه بعملية جراحية معقدة للتاريخ والجغرافية، عليه ستغض الولايات المتحدة والغرب النظر عن الأساليب اللاإنسانية وجرائم الحرب من خلال إطلاق يد إيران وأذنابها، وبعض الفصائل الكردية، ولكل من هب ودب ليأكل مجاناً من المائدة السياسية والاقتصادية والديمغرافية.
تم إنقاذ البحرين فقط من هذه القائمة، بناء على إصرار سعودي رضخت له الولايات المتحدة. والمدهش حتى إيران لم تعد تتكلم بحرف واحد عن إيران .. والأمر إشارة من المايسترو … الشيطان الأكبر …!
اعتراف امريكي بدعم الحوثي ففي أحدث وأخطر تصريح أمريكي اعترفت أمريكا رسميا بدعم الحوثيين في اليمن حيث صرح جنرال أمريكي رفيع المستوى لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن أمريكا تدعم الحوثيين في اليمن لمحاربة الإرهاب الإسلامي وأن أمريكا هي من سلمت اليمن للحوثيين وهي من تدخلت لإنقاذهم وحالت دون سقوطهم بوضع الخطوط الحمراء حول صنعاء والحديدة وصعدة ومنعت الجيش اليمني من التقدم وفتحت ميناء الحديدة لدعم الحوثيين بمختلف أنواع الإسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وفي المقابل ساهمت في إفشال عمل الحكومة الشرعية وتفكيك الجيش اليمني ومنع تزويده بالأسلحة الثقيلة المتطورة !!! وحول شعار الحوثيين “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل” قال الجنرال الأمريكي أن هذا مجرد شعار لا حقيقة في أرض الواقع ونحن نتواصل مع الحوثيين عبر القنوات الخلفية وهم شركاء وحلفاء لنا في محاربة الإرهاب الإسلامي وأشار الجنرال الأمريكي إلى وجود اتفاقية مع الحوثيين ، حيث نص أول بند من الاتفاقية، على تمكين الحوثي من اليمن مقابل قيامهم بضرب الإسلاميين في جزيرة العرب، كما نص البند الثاني على أن يقوم الطيران الأمريكي بدون طيار «الدرونز» بإسناد جوي لدعم الحوثيين، أما البند الثالث فينص على أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تكاليف الحرب ودفع رواتب المقاتلين الحوثيين ورعاية أسر القتلى الحوثيين وعلاج جرحاهم ، وذكر أن الحوثيين اشترطوا على أمريكا سرية هذا الاتفاق !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه أعلاه هي المعطيات الستة بشكل تجريدي، دون إضافات أو تعديلات. وإليك التحليل لها:

الملك الأردني هو الوحيد من صرح علناً عن هواجسه، وأغلب الظن أن العديد من الملوك والرؤساء العرب أحيطوا علما بالمشروع الأمريكي بعد احتلال العراق، ولكني أرجح أن روسيا تعلم بالخطة تفصيلاً وبوقت مبكر وكذلك بعض الزعماء الأوربيين.
الدول العربية التي أحيطت علماً، بعد الاحتلال هي من الدول المقربة للسياسة الأمريكية، ولكن طلب منها عدم إبداء الممانعة، أو تشجيع القوى العراقية المقاومة للمشروع، ونفذت هذه الدول كل ما طلب منها، وإن بغير حماس.
سربت جهات معينة بالمخطط إلى القيادة السورية، التي لم تجد أن بوسعها مقاومة المشروع أو عرقلته، ولكنها احتاطت بالاسراع بمغادرة المعسكر العربي، والالتحاق بإيران التي أوكل إليها تنفيذ الفصول الرئيسية (الأكثر قذارة) من المشروع بعد احتلال العراق.
الولايات المتحدة، وبتأييد متحمس أو متردد من بعض الأوربيين، ولكن بحماس من الإسرائيليين، على تطبيق المخطط، والمشروع على الورق ينص بتحويل العرب السنة إلى أقلية، أو قوة تحت القمع الدموي بحسب ظروف كل بلد، فظروف العراق هي غير ظروف سوريا، وغير ظروف لبنان. كما أن سعار القتل عند الإيرانيين المبالغ به، ربما اعتبرته أميركا أكثر من المطلوب، ولكنها جوهريا لم تكن تمانع الهدف النهائي للتغيير. والمخاوف الأمريكية والإسرائيلية من أن ابتلاع دول لصالح إيران سيحولها بالإضافة للقدرات النووية، سيحولها إلى لاعب مهم في الشرق الأوسط، وقد تحاول الخروج عن نص الاتفاقات أو تحاول تحويرها، وهم (أطراف التحالف) سيحاولون إعادة (وليس أكثر) إيران إلى رشدها بالعقوبات والتهديد، فهدف المخطط هو إزالة خطر محتمل، وليس خلق قوى جديدة، تنظم للتحالفات الدولية التي في أفق الرؤية الاستراتيجية الأمريكية.
الولايات المتحدة تريد ذلك لأسباب مختلفة. هناك توجه يميني حاد في بعض الدوائر الأمريكية، وهناك قوى خفية (اليمين المتطرف) المعادي للإسلام والسود، والأجانب وترى فيهم الخطر المقبل على أميركا عبر عنها الكتاب: صمؤيل هينتغتون، وفرانسيس فوكوياما، وآخرون. وأميركا هي قاعدة للعمل الكنسي للبيوريتان (Puritanismus) وهم فئة بروتستانتية متطرفة. ينتمي لها الرئيس بوش وديك شيني ورامسفيلد. وإضافة لذلك، الغرب كله يريد أن يتخلص من اليهود، بدليل ما يزالون حتى اليوم يضطهدونهم في أوربا، لذلك أتخذوا من فلسطين مكب نفايات … وتخلصوا منهم، ثم مآرب أخرى صغيرة، وهي اتخاذهم من إسرائيل قاعدة عمل ونشاط آمن في منطقة تعج بالأعداء.
كل هذه المعطيات هي سياسية، والسياسة تعني السعي لتحقيق المصالح، وبالتالي فإن الأمور عرضة للتغير بتغير المصالح. هذه قاعدة سياسية عامة، وعلى القارئ / الباحث وضعها نصب عينيه لدى حل الإشكالات السياسية.
أتخذ صناع القرار قرارهم بالاعتماد على قواهم وتفوقهم السياسي والاقتصادي والعسكري، وبأستفرادهم لوحدهم بقيادة العالم، بأستخدام مفرط للقوة المسلحة، وهذه جميعها ليست قدرات نهائية، وهذه المعطيات خاضعة للتغيير ولا سيما السياسية.
الدول الأوربية الرئيسية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) ليست بدرجة واحدة من التأييد للخطة الأمريكية ولكنها ليست في موقف معارضته.
بتقديرنا : أن الولايات المتحدة سوف تتدخل فعلياً في حالة واحدة ” إذا داهم خطر حقيقي النظام الإيراني ” ونقصد بالخطر هو عندما تتغير تركيبة النظام وليس هوية الحاكمين. فالوضع الإيراني بشكله الحالي ضرورة سياسية / استراتيجية أمريكية سواء بنظام الشاه أو الملالي، أو أي جهة أخرى لا تغير من خريطة إيران وطبيعة نظام الحكم وفق التوليفة الحالية. (الفرس / الشيعة يحكمون إيران). وبغير هذا النظام فستكون هناك قوى كبيرة وستنشأ خارطة ليست وفق المصالح الامريكية، على الأقل من الآن وحتى أمد قصير .. ربما قصير جداً .!. وسوف تتعامل معها الولايات المتحدة واقعياً، أما البشر ومصائرهم فهذا آخر ما تفكر به الولايات المتحدة .. حتى لبضع ثوان …
الأمريكيون قبل عقدين وأكثر، لم يكونوا ليعتقدوا أنهم سيفقدون القدرة على السيطرة على الشرق الأوسط، وحين بدأت ملامح المقبل تلوح لهم، اعتقدوا أن مراكزهم الرئيسية في الشرق الأوسط : إسرائيل ــ إيران تكون. الضامن القوي للمصالح الغربية.

ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ومبكراً، وإدارة جوقة موسيقية ضخمة تنطوي دائماً أن يكون أحد العازفين أقل مقدرة من زملاؤه، فالمعطيات في العالم وفي الشرق الأوسط بدأت تمنح مؤشرات جديدة للمخططين الأمريكيين ومن تلك :
ـــ السجال الاستراتيجي الحاد مع التحالف الصيني / الروسي وتراجع مستوى الأداء الأمريكي، والهيمنة الأمريكية.
ـــ خروج تركيا من دائرة القوى المضمونة.
ـــ لم تنجح إيران في أن تكون قوة سياسية واقتصادية وعسكرية مؤثرة، وواصلت أسلوبها (الإرهاب والتخريب) وأعتمادها المفرط على سياسة صانع المشاكل (Troublemaker).
ـــ لم تنجح الولايات المتحدة في تكتيل مجموعة دول حليفة في الشرق الأوسط بسبب إصرارها على جمع المتناقضات، وفشلت عسكرياً في أفغانستان، وفشلت بسبب تراجع قوتها الاقتصادية، ووجود حالة عداء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.
ـــ فشل إسرائيل في أن تكون قوة قادرة على بسط السيطرة، بسبب تنامي القوى المحلية (مصر/ السعودية / فلسطين). برغم الحشد الهائل الغير مسبوق تاريخياً، فشل الجهد الأمريكي وحلفاءه، بسبب لا تريد الولايات المتحدة الاعتراف به. لأن الحليف الأول (إسرائيل) قوة توسع فاشلة فشل سياسيا وعسكرياً في تحقيق مشروعه، لأنها كوكتيل دولة غريبة / شرقية، ولا تمتلك قدرات التوسع، وفشل الحليف الثاني الرئيسي (إيران) لم تنجح في مشروعها الغيبي الغبي في التوسع وأفتقارها التام للقدرات السياسية والاقتصادية والثقافية.
ربما أدركت الولايات المتحدة، أو أنها في سبيلها للإدراك أن:

” حسابات الحقل لا تنطبق على حسابات البيدر “