الانفتاح الديمقراطي لابد وأن يصاحبه قلق اجتماعي وأمني، لأن عملية التحول الديمقراطي تبدو في التجربة العراقية مجرد استجابة للمطالب الدولية دون أن تفرض شروطاً تقتضي تطبيقها على أرض الواقع.
أن عدم التوصل إلى اتفاق بين ممثلي مكونات الشعب العراقي بكل أطيافهم ومذاهبهم يمكن أن يحول الديمقراطية إلى حالة غير مستقرة، إذ يكفي أن تعلن الحكومة المنتخبة في أية دولة عن استعدادها لإرساء الديمقراطية حتى يُعاد ادراجها في المجتمع الدولي، في حين أن الديمقراطية في العراق لا تعتبر في واقع الأمر ضرورة داخلية خاصة وأن عملية الانتقال تنبع من الرغبة الداخلية للأنظمة السياسية أو تكون مفروضة من الخارج، وفي كلتا الحالتين لن يجد النموذج الديمقراطي، حافزاً أو أساساً قوياً يمكنه من القيام بإصلاحات.
فالثابت أن هناك اختلافاً نسبياً بين كل من هذه النظم السياسية من حيث درجة تماسكها وتسلطها وسيطرتها والأسس التي تستند إليها ممارسة سلطتها في المجتمع الذي تحكمه ومن ثم يمكن القول أن بناء النظام السياسي وعملية التحول الديمقراطي في العراق والمراحل التي تمر بها تختلف من حالة إلى أخرى من حيث المدى الزمني ومن حيث محتوى كل مرحلة من مراحلها المختلفة وما يتم فيها من تطورات وتصرفات، وأن كان هذا لا يعني ضرورة توافر خصائص معينة في هذه النظم فيؤدي غيابها أو ضعفها إلى عدم وصفها بأنها نظم ديمقراطية وهذه الخصائص هي :
1. انتخابات حرة ونزيهة كأساس لتولي المناصب وللرقابة الشعبية على الحكومة.
2. مجتمع ديمقراطي وثقافة قائمة على التسامح والثقة والمشاركة ونبذ العنف.
3. حكومة مسؤولة ومنفتحة وضمانات للمساءلة العامة والمستمرة لأصحاب المناصب العليا والدنيا.
4. حريات وحقوق سياسية ومدنية بما يكفي لتمكين المواطن لبناء رأي عام حر.
أن تجربة التحول الديمقراطي في العراق وفي مقدمتها العملية الانتخابية ما تزال تفتقر إلى وجود القوانين الخاصة بإدارتها وتفعيل دورها بمراقبة مصادر تمويل الأحزاب داخلياً وخارجياً والقوانين الضابطة لأساليب إدارة الحملات الانتخابية والدعاية ومستوى الإنفاق بين الأطراف المتنافسة فيها إذ لا حدود واضحة لمستوى إنفاق الأحزاب على هذه الحملات مما ينعكس بأثاره السلبية على مستوى مشاركة الأحزاب الأخرى وقدرتها في أن تنفق على حملاتها بإسراف كبير وواضح مقابل أحزاب أخرى لا تملك أبسط متطلبات الدعاية الانتخابية، وهناك من جانب آخر استغلال واضح للأموال العامة والمؤسسات الحكومية لأغراض الدعاية الانتخابية وهذا خلل وقصور كبير يترك آثاره السلبية على الساحة السياسية فهذه الأموال والمنشآت الحكومية ملكية عامة لا يحق لأي جهة استخدامها والاستئثار بها.
فالمرشحون السياسيون يهيئون الرأي العام لتقبل آرائهم والإقناع ببرامجهم الانتخابية قبل مباشرة الحدث السياسي، وهو التصويت في هذه الانتخابات وهذا الأمر تفسرهُ العلاقة بين البيئة الانتخابية والنظام السياسي، فعالم السياسة صعب أن يوجد دون وسائل الاتصال لأنه حلقة الوصل بين الجماهير والنخبة المرشحة للانتخابات.