وزير الخارجية السعودي في طهران والكلمات المقتضبة التي القاها الوزيرين بعد انتهاء الاجتماع الثنائي بين وفدي البلدين خلال المؤمر الصحفي الذي لم يسمح للصحفين بتوجيه اسئلتهم للوزيرين كما هو معتاد بسبب التشنج الذي حصل في القاعة نتيجة رفض الوفد السعودي بعقد المؤتمر في قاعة تحمل صور قاسم سليماني بالرغم من حضور اكثر من 150 صحفي، في الوقت الذي ركز الوزير الوزير الايراني في كلمته على تفعيل الشأن الاقتصادي والتجاري، وايضاً اقتصرت كلمة الوزير السعودي على اعادة العلاقات الدبلوماسية والاستعداد على فتح السفارة والقنصلية في مشهد مع الاشارة الى فتح السفارة الايرانية في الرياض والقنصلية في جدة مما يمكن القول ان كلمتي الوزيرين كانت من العموميات التي لا تتعدى حدود المجاملة بالرغم من اشارة الوزير السعودي الى محددات العلاقة فيما يتعلق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية وضمان امن الملاحة في الخليج العربي وخلو المنطقة من اسلحة الدمار الشامل، بينما كان التركز الاعلامي قبل المؤتمر الصحفي على مشكلة تبادل الاسرى في اليمن التي لم يأتي الوزيرين بشيئ يذكر عنها فضلاً عن عدم ذكر اي تفاصيل تتعلق ببنود الاتفاق المبهم فيما يخص معضلة اليمن التي تحدثنا عنها سابقاً في مقال مفصل وكذلك الميليشيات الولائية لايران والتي تحيط بالمملكة العربية السعودية لان هناك ضبابية منذ بداية الاعلان عن الاتفاق حول تلك المشكلتين وخصوصاً موضوع الميليشيات التي تعتبرها ايران السلاح النووي الحقيقي قبل انتاج القنبلة النووية والتي تشكل خطورة على دول المنطقة وخطورة اكبر على مستقبل الاتفاق في حال تصرف تلك الميليشيات بشكل منفلت خارج سيطرة الدول المتواجدة فيها لانها بمثابة اللغم الذي ينسف الاتفاق مالم يتوقف الدعم اللوجستي الايراني وحصر اسلحتها بيد الدول التي تنتشر فيها، بالرغم من تنصل ايران مراراً عن دعمها لتلك الميليشيات من باب التقية، حيث اعتبرت وجودها في دول المنطقة نتيجة البيئة الحاضنة لها وان حلها او ايقاف نشاطها مرتبط بقيادات وشعوب تلك الدول، وقد برر وزير الخارجية الايراني في تصريح سابق بشأن تواجد تلك الميليشيات في دول المنطقة بأنها شأن داخلي ولا دخل لايران بذلك، ومن خلال هذا التصريح يفهم ان ايران لن تتخلى عن دعمها لتلك الميليشيات .. مما يعني استحالة بقاء الاتفاق حي ما دامت ايران تسعى لتقوية نفوذها في المنطقة من خلال خلق بيئة مذهبية تؤدي الى الزيادة في تشكيل ميليشيات ولائية، وهذا ما يؤكد مراوغة ايران واستحالة توقفها عن دعم تلك الميليشيات التي تستخدمها اذرع للعبث في المنطقة لان هدف ايران اضعاف جيوش دول المنطقة وهذا يتناغم مع اجندة الغرب التي ترمي الى اضعاف اي قوة نظامية تحت سيطرة الدولة لتحل بدلاً منها ميليشيات عقائدية مسيرة من قبل احزاب متعددة وولائها لاطراف اجنبية، في الوقت ان السعودية تفتقر الى نفوذ مماثل نتيجة رفضها اقامة ميليشيات مذهبية مماثلة للميليشيات الايرانية في مناطق نفوذ ذات بيئة موالية لها في نفس الدول التي تتواجد فيها تلك الميليشيات العقائدية الموالية لايران، علاوة على الضغط الامريكي في منع توجهات محمد بن سلمان بنقل الصراع الى الداخل الايراني لان امريكا تعمل على تقوية ايران على حساب دول المنطقة وفق الدور المرسوم لها الذي يرمي الى زرع الانقسام في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وهذا جزء من اللعبة الدولية في جعل إيران تتحكم بملفات المنطقة وادخالها في صراعات مفتوحة غير قابلة للإغلاق مهما قدم العرب من تنازلات. وعلى سبيل المثال سوريا الذي يمثل المكون السني اكثر من ثلاثة اضعاف المكونات الاخرى مجتمعة ولكن ترك هذا المكون فريسة للميلشيات المدعومة من ايران، وكذلك تركت الميليشيات المحيطة بالسعودية والمتواجدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن كأذرع ايرانية لتهديد دول المنطقة والتي لم ترد تفاصيل عن تحجيم نشاطها في هذا الاتفاق، الا ان ايران من باب التكتيك اوعزت لتلك الميليشيات بإضفاء نوع من التهدئة خصوصاً الحوثيين بتوقف اطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية اعتباراً من بدء المفاوضات التي حصلت في بغداد ومسقط، وكذلك التوقيع على وثيقة التعاون الامني بين ايران والعراق لضبط ايقاع سلوك الميليشيات بما يتناغم ومصلحة ايران في مرحلة سريان نفاذ الاتفاق وذلك لغرض الاستمرار في التقارب مع السعودية من اجل تعبيد الطريق بين طهران والرياض ليتسنى توسيع نطاق الاتفاق ليشمل دول الخليج العربي ودول عربية اخرى مثل مصر والاردن ودول شمال افريقيا لما للسعودية من تأثير في المنطقة ليكون هذه المرة طريق القدس يمر عبر الرياض .. مما يعني بقاء ايران صاحبة الكلمة العليا في تحركات تلك الميليشيات والايعاز لها بالتهدئة حسب ما تقتضي الظروف وفق استراتيجية التهدئة ونظرية الانتظار او التحرك متى ما تستجد الحاجة لغرض الابتزاز او خلط الاوراق، واكيد هذا الامر لا يخفى على قادة السعودية فهل بموجب الاتفاق تكون السعودية قادرة على تحجيم دور الميليشيات مثلما قام وفدها باجبار الخارجية الايرانية على رفع صور رمز ومؤسس تلك الميليشيات من قاعة الموتمر الصحفي .. ومع ذلك اغلب المراقبين لا يعولون على مصداقية ايران ويشككون في نواياها ويعتقدون ان قبولها الاتفاق ليس الا تكتيك مرحلي من اجل كسب الوقت لتسويف الضغوط عليها للخروج من ازمتها الخانقة، حيث قال أحد وزراء الخارجية العرب : الإيرانيون يكذبون ونحن نعلم أنهم يكذبون، وهم يعلمون أننا نعلم أنهم يكذبون ولكنهم مستمرين في استخدام طرق ملتوية للخداع ويعتبرون ذلك تكتيك وفق منهجهم السياسي .. لذلك وسط زخم هذة المخاوف يصعب التكهن باستمرار الاتفاق والبناء علية بما يخدم استقرار المنطقة لان كثير من المراقبين اشاروا الى ان الاتفاق مجرد مرحلة تهدئة من جانب ايران من اجل كسب الوقت ليتسنى فك عزلتها الدولية من جهة، ومن جهة اخرى البناء للمرحلة القادمة وهي الاخطر وفق اساليبها الملتوية في إدارة ملفات علاقاتها الإقليمية لتحقيق مزيداً من الاختراق في دول المنطقة لما لايران خبرة متراكمة في المراوغة والخداع خصوصاً مع العرب نتيجة الكراهية العميقة التي يضمرها الفرس لهم عبر التاريخ.