بعيدا عن التشابه ونفيه في النموذج الافغاني، وقريبا من تضارب المصالح وتوافقها، وانتشار القواعد في غرب البلاد وشمالها، تختلف تفسيرات الانسحاب الامريكي بين فرض الواقع من جهة، والالتزام بالتوقيتات الزمنية، ورسائل تهديدات داعش التي ترسلها بين حين وآخر، انتهاءا بمناوشات ايران في المنطقة.
تواجدان..
تواجدت القوات الامريكية في البلاد ضمن ما تعارف عليه باتفاقية الاطار الستراتيجي المشترك التي تم توقيعها عام 2006 القضية بخروج القوات الامريكية عام 2011 وهو ما تحقق وقتها بصورة جزئية لاعتبارات أمنية، وقدرة القوات العراقية على مسك الارض كاملا، اضافة الى ملف التدريب.
بعد 2014 استطاع تنظيم داعش احتلال ما يقرب من ثلث العراق في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين، وقريبا من حزام بغداد، ما جعل الحكومة تستدعي من جديد القوات الامريكية لمساعدتها في الحرب على التنظيم والقضاء عليه.
القواعد..
القواعد الامريكية موزعة في شمال وغرب البلاد بتداءا من قاعدة قرب قضاء سنجار، وثانية في منطقتي أتروش والحرير، وقاعدتين في حلبجة، والتون كوبري.
وعلى الصعيد الستراتيجي توجد قاعدة عين الأسد والحبانية في الأنبار، اضافة الى تواجد في قاعدة القيارة، واخرى اصغر حجما في سد الموصل.
وفي محافظة صلاح الدين تتواجد قاعدة بلد الجوية واخيرا في معسكر التاجي.
ولعل تواجد هذه القواعد في العراق لمواجهة التحديات (ايران)، والحفاظ على المصالح التي على رأسها تأتي الاقتصادية.
إنسحابات واقعية أم إعلامية..
البداية مع الاستاذ سعود الساعدي الذي أكد انه حتى الان لم تتضح طبيعة الانسحاب الامريكي (المزعوم) وسط تضارب التصريحات ما بين قائد القيادة الوسطى الامريكية الذي اكد بقاء قوات بلاده، والجانب العراقي الذي يتحدث عن الانسحاب الكلي.
وأما في الجانب السياسي فلم يتبلور موقف موحد رغم كل التجاذبات رفضا وقبولا بسبب المصالح والاتفاقات المعلنة وغير المعلنة.
ويرى المحلل السياسي صباح العكيلي بأن سبب تشكيك بعض القوى بانسحاب القوات الأمريكية من العراق يعود إلى عدم رغبة الأخيرة بالانسحاب من خلال اتفاق ضمن الإطار الاستراتيجي وإظهار الحقائق على أرض الواقع، ما يعطي اشاراتٍ بعدم وجود نيةٍ بالإنسحاب، وهو ما يؤثر بالدخول في صراع مع الجانب الأمريكي على حد قوله.
صحيح أن الاستلام والتسليم جرى تحت مرأى اعلى القيادات الامنية، لكن المتبقي من الادوات وحتى ما يتم التعاطي معهم على انهم مستشارون، لا تزال اعدادهم مجهولة، وربما يشكلون قوة قتالية تحت يافطة الاستشارة والمشورة.
اما الباحث في الشأن السياسي خالد الدبوني فيعتقد أن الانسحاب الأمريكي من العراق سيكون له تأثير على الدعم الجوي والمعلومات الإستخبارية في المناطق التي اطلق عليها (الرخوة امنيا)، وأكد بأن البديل يجب أن يكون بالتنسيق بين القوات العراقية و قوات البيشمركة وإلا سيزداد الوضع الأمني سوءا مع تقادم الأيام.
ومثل هذه التحذيرات وجدنا انعكاساتها في حدود محافظات نينوى وكركوك وديالى، اذ لا يزال داعش يستخدم اسلوب العصابات بفترات متباعدة ليثبت وجوده من جهة، ويختبر امكانية مواجهة مع القوات العراقية دون وجود دعم من التحالف الدولي، وقد كلفت هذه العمليات الجيش العراقي كثيرا من ابنائه الذين سقطوا شهداء خلال المواجهات، وحتى المدنيين.
وخلال حديثنا مع الاكاديمي نجم القصاب استبعد حدوث تأثير سلبي في الجانب الامني في العراق نتيجة انسحاب القوات الاميركية من اراضيه، عازيا ذلك الى استقرار العراق ووجود قوات امنية قادرة على تحقيق الاستقرار في عموم البلاد.
ويرى الخبير العسكري اعياد الطوفان ان الدعم الذي ستقدمه القوات الامريكية بعد الانسحاب يتمثل بتبادل المعلومات، والجهد الاستخباري، والدعم الجوي، مبينا ان التنسيق سيستمر مع جهاز مكافحة الارهاب ولن ينقطع.
أخيرا..
اتفاق الانسحاب الأمريكي من العراق لن يحمل جديدا كسقف زمني، والحديث عن التواجد اصبح لا يتعدى شن القوات الأمريكية ضربات جوية أو غارات بطائرات مسيرة.
التغيير الوحيد الذي يمكن ان يحصل في المعادلة تحرك وتحريك الجهات المرتبطة بداعش لخلق بلبلة جديدة تستدعي تدخل قوات امريكية لحسم الموقف وهو ما تعب منه العراقيون.