ينظر المراقبون والمتابعون لتصدع المشهد السياسي في العراق، ينظرون بتفاؤل في غير محله لما قد يتمخض عنه المؤتمر الوطني، هذا اذا انعقد أصلا، مثلما يتوهمون بامتلاك رئيس الجمهورية جلال الطالباني أو غيره لعصا حل سحرية، هي في الأساس ضائعة بين متاهات الخلافات على كل الصعد، ما يبقي الحلول مؤجلة ويفتح الأبواب على مشاكل خطيرة حذر منها رئيس الوزراء نوري الملكي في أكثر من مناسبة.
وما يدعو الى القلق أن المسؤولين في العراق لم يتعلموا من اخطاءهم، بعد أن وزعوا ” دم الفشل على قبائلهم السياسية”، ما يثير تساؤلا جديا حول رغبة هؤلاء في الخروج من عنق زجاجة انشغالهم بعيدا عن هموم العراق، الذي تحول ، لسوء طالع شعبه، الى حقل تجارب الفشل والمغالاة في استحالة الحل المنطقي، رغم أن الأخير ليس ضربا من الخيال ولا هو قضية مستعصية الى هذا الحد لو توفرت النوايا الوطنية الصحيحة، فيما الابقاء على المسيرة الحالية يعني الاصرار على عدم خروج العراق من نكباته.
ولا نجد سببا يبرر الدوران في نفس المربع منذ 10 سنوات، والقبول بتوصيفات لا تناسب الجسد العراقي أصلا، مثل الحكومات المحلية أو العراق الاتحادي أو الحكومة المركزية، والمناطق المتنازع عنها والرئاسيات وغيرها، علما أن السطلتين التنفيذية والتشيعية تائهتان تائهة في رمال التوافقات السياسية التي نزلت على البلاد بمنطاد أمريكي متعدد الأشكال و الأهداف ، لتمرير ما هو أخطر التحديات الا وهو تجزأة العراق في داخل عمليته السياسية، من محاصصات وخطوط حلول ملتوية، فيما الصحيح الاستفادة من تجارب غير العراق، تلك الدول التي أسسست لنفسها نظاما سياسيا يوافق تركيبتها السياسية والاجتماعية قبل غيرها، علما أن ليس كل حل أمريكي هو دقيق وليس كل أجندة غير عراقية فيها صلحة وطنية.
وضمن فجوة التناحر والخصومات المملة فانه بات من الضروري، بل الملح جدا التفكير بطريقة تقلب بوصلة الاتجاهات الحالية، وتؤسس لمرحلة جديدة تكون فيها حكومة عراقية ومعارضة وطنية، بعد الفشل الذريع لمفهوم الشراكة على الورق فقط، والتي هي أم المشاكل في العراق، حيث يتوزع الفشل على الجميع ويختفي عنصر النجاح، لأن هناك من يصر على ابقاء الخلل سيدا للموقف ، بزعم أن المشكلة في رأس الحكومة، فيما الصحيح أن الجميع متورط في اضعاف العراق، على غرار ما يقول أهلنا في الجنوب ” مصية وطاحت على رؤوسنا”.
نعم انها مصية تجاوزت كل الخطوط الحمراء بعد سنوات عجاف لم يتم اصلاح أي خلل فيها، لأنه لا يوجد مصدر واحد للقرار مقابل ألسنة ” طويلة جدا” عندما تتضرر مصالحها، و ” حمل وديع” عندما تستعيد امتيازاتها، لذلك فان الحل الحقيقي يكمن في حكومة قوية ومعارضة برلمانية لا أكثر ولا أقل، وهو طريق النجاح عكس ما يتوهم ” المستفيدون من الأزمات”.
ان المراهنة على حلول المؤتمر الوطني بالوضع الحالي لأمزجة السياسيين هو الوهم الأكبر والأخطر ايضا، لأن شيئا لم يتغير في النفوس أو العقول، فالعكس هو الصحيح، وستكون المصيبة أشد ايلاما اذا راهن آخرون على الانتخابات المقبلة، لأنها ستأتي بنفس التوجهات، بعد أن تعلمنا من التجارب السابقة ما يكفي، ولأن سياسية ” دفيني و أدفيك” هي المسمار الأكبر في نعش الحلول المؤجلة، ما يستدعي الخروج من كل التوصيفات الأمريكية وغيرها، والعودة الى الجذور العراقية والتجارب الدولية الناجحة في خياراتها الداخلية، بحيث يكون هناك عراق سيادي في مواقفه وحازم في حلوله، لأن الشعب انهكه انتظار المجهول مثلما فاض به كيل تخندق السياسيين وراء امتيازاتهم فقط.
ولا نعرف سببا مقنعا لقبول السياسيين بواقع مرير كالذي يمر به العراق، مثلما نجهل الى حد ما تمسكهم بالتوافقات، فاذا كان السبب هو التغطية على الفشل فتلك مصيبة، أما اذا كان الخوف من غياب قاعدتم الجماهيرية ما يدفعهم الى هذا التراخي فالمصيبة أعظم، لا سيما وأن السكوت على الخلل جريمة عندما تتعلق بمصير عشرات الملايين من العراقيين، الذين يريدون لوطنهم الخير بالطريقة الصحيحة ، وهي حكومة مركزية ومعارضة وطنية تصل الى الحكم عبر صناديق الانتخابات عندما تقنع هذه الملايين بمشروعها الوطني، لأن الوقوف على تل انتظار خطأ الأخر للتشهير به وعدم التفكير بتقديم النصيحة المخلصة، هو الفشل الحقيقي، لذلك ليس أمام العراق من حل صحيح الا بحكومة رشيدة من أي لون كانت شرط أن تكون عراقية الهوى والتوجه، تنظر الى شعبها بعين واحدة خالية من أية غشاوة عرقية أو طائفية، مقابل معارضة لتصحيح الخلل لا تعميق الجروح كما هو حاصل حاليا، رغم قناعتنا بأن المعارضين” في الهواء الطلق فقط” مرتاحون جدا، لأنهم ” يكنزون الذهب والفضة” دون أن يقدموا جهدا لخدمة شعبهم، وعليه فان التفكير بحكومة عراقية أهم من انتظار رماد جديد من مؤتمر ولد ميتا منذ أشهر ولن يكون غير ذلك في هذه المرحلة !!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]