23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

مؤتمر وارسو مزقت عنهم ورقة التوت!!

مؤتمر وارسو مزقت عنهم ورقة التوت!!

لم يعد للعرب اي خيارات امام التحديات والانهيارات التي تحيط بهم سوى الرضوخ والتسليم لإرادة الكبار أو تناسي خلافاتهم والاجتماع من فورهم ..

فمع هول المصائب التي حلت بهم لم يعد من اولوياتهم الذود عن حياض الوطن العربي الكبير ولا الحفاظ على هويته ولا الدفاع عن القومية والوحدة العربية كلها أصبحت شعارات وكلاما يلقى في المناسبات ..

وما قد تبقى من أواصر هشة وتفاهمات واتحادات ومجالس واتفاقيات دفاع مشترك في طريقها للتفكك وماهي الا مسألة وقت لتكون في مهب الريح ان لم يتداركوا امرهم !!

والقيادات تعي ذلك تماما بل وصل بهم الامر الى حد القناعة والقبول لما وصل اليه الحال من تردي ورفعوا الراية مذعنين دون أي امل بإستعادة حق مسلوب وتناسي بل التنكر لتاريخ مندلس وارث مغصوب !!

وشمروا لمرحلة جديدة تتمثل بالسباق الماراثوني الى صناع القرار في الدول الكبرى مشفوعا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني علنا ودون مواربة كعربون وحسن نية بعد ان رأوا بأم أعينهم ما آلت اليه قيادات ودولا كانت يوما حجر عثرة في مسار المخطط الشرير للشرق الأوسط الكبير!

فغدى كل همهم اليوم هو كيفية التوافق معهم مقابل غض الطرف عنهم ومحاولة مستميتة في الرمق الأخير في تجميد أحد بنود ذلك المخطط في تجزئة المجزأ للدول التي

لم يجتاحها الطوفان مقابل إعطاء الضمانات لهم بعدم العرقلة في تطبيق أي بند وقد يكونوا محقين فيما ذهبوا اليه لأنه لم يعد في اليد حيلة بعد ان فقدوا أي حصانة لهم بعيد انهيار القلاع والحصن التي كانت توفر لهم شيئا من الحماية فاصبحوا في وضع واه وهوان لا يحسدون عليه وبيتهم مخلخل مهلهل وهو اهون من بيت العنكبوت بعد ان مزقوا نسيجه بأيديهم عندما طعن بعظهم ظهر بعض دون بعد نظر وحلم وتدبر!!

من جهة أخرى ومع هذا الانحدار في منظومة الامن العربية برز هنالك ما يقابله من تعاظم ونفوذ وتوسع إيراني بعد انهيار واحتلال العراق ابتلع اربع عواصم عربية وهم اليوم على تخوم الجزيرة العربية وقد اعدوا العدة بعشرات المليشيات المدججة بأعتى الأسلحة ويدهم على الزناد ينتظروا ساعة الصفر ولم يحصل ذلك الا بتوافق غربي امريكي صهيوني فلا يعقل ان تبنى هذه المليشيات وتسلح وتدرب منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما بعيدا عن استخباراتهم واعينهم واقمارهم التجسسية التي تتابع بدقة حتى تحركات الحيتان في أعماق البحار وهيجان باطن الأرض لتغفل عنهم !!

فاصبح العرب حالهم كحال فريسة بين فكي ثعبان عملاق اجهزت عليه, فالتهمته اولا بفكها السفلي المتراخي والذي خطره بعيد المدى متمثلا ذلك بالكيان الصهيوني وسيباشر مهمته بإلتهام الفريسة بعد ان يشل الفك الأعلى المتمثل بالطرف الايراني جسم الامة تماما بغرز انيابه وسريان سمومه في مراكز التحسس ليسهل بعدها ابتلاع الفريسة بالكامل.. والعدو الايراني يضغط بقوة واحكام وقد حقق مالم يحققه الكيان الصهيوني منذ سبعون عاما خلت في سرعة زحفه وآثار دماره على مدى عقدين من الزمان !!

وسط هذه الأجواء الملبدة والتراجع الأمني الخطير نادت أمريكا بعد ان وصل اليأس عند العرب مبلغه لعقد لقاء تحت عنوان (السلام والأمن في ارجاء الشرق الأوسط) لتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب الإيراني والذي عقد في وارسو العاصمة البولندية بعد فشل نظام العقوبات الأمريكي ضدها لتحصنها بخيرات واموال العراق وتدفق الخمس من شيعة العالم وتعثر اقناع الشريك الأوربي بإلغاء او تعديل بنود الاتفاقية النووية!!

والملفت للنظر والذي يدعو للإستغراب والصدمة معا ان يتم دعوة الكيان الصهيوني الخصم الأزلي للمسلمين والعرب للمؤتمر وبأعلى تمثيل (نتنياهو) رئيس الوزراء لمد يد العون للعرب بخطط وافكار لانقاذهم من الغول الايراني!!

وحتى لا يحدث تحسس وتنافر بين الاطراف وخلط في المواقف أغفلت بل اسقطت عمدا من جدول اعمال المؤتمر قضية العرب الأولى المركزية (القضية الفلسطينية) مما اغاظ الجانب الفلسطيني بجميع فصائله ومناصريه واعتبروه خيانة وتخلي عن قضيتهم!!

وانتهت اعمال المؤتمر دون ان يتم توجيه أي بيان ادانة او الزام طهران باي شروط للكف عن نهجها الإرهابي التوسعي في المنطقة ودون أي مخرجات واضحة ملزمة للأطراف وكانت اغلب الكلمات لرؤساء الوفود وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس و وزير خارجيته مايك بومبيو تلمح باشارات مخجلة عن السلوك الإيراني في المنطقة وانها تمثل التهديد الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط ولم يأتوا بجديد سوى الاتفاق المبدئي في تشكيل تحالف قد لا يصمد كثيرا امام إغراءآت وتغول السوق والنفط والغاز الإيراني ومواقف الصين وروسيا وتركيا والكثير من الدول الأوربية المؤيدة للسلوك الإيراني والمناهضة للتوجه الأمريكي والتي لم تعد تأبه كثيرا بطيشه!!

واكتفى المجتمعون بوضعها في خانة التحدي للامن والسلم العالمي وحتى هذا التوصيف اتى بعد جهود مضنية أمريكية لإقناع شركائهم في الاتحاد الأوربي الذي جاء تمثيلهم فيه بالحد الأدنى وجلهم كان معارضا لانعقاد المؤتمر وبعضهم كان مقاطعا له كما فعلت المانيا!!

ودخل العرب بعدها في سجال ممن هو مع المؤتمر معتبرا إياه بصيص امل وتحولا جذريا في الموقف الأمريكي واضعا آمالا عريضة بقرب سحق المليشيات الايرانية وشن حملة كبرى على طهران لجعلها تنكفئ خارج حدودها مع قرب انهيار منظومة الحكم الموالية لها في العراق لأنها تمثل رأس الحربة في المشروع الإيراني وأنه لا يجب التفريط في هذا التحول الامريكي لغياب البديل ولا حل في الأفق سوى السير خلف الامريكان وتناسي غدرهم وخروجهم عن الشرعية في كل قضايا العرب واخص بالذكر منهم المهتمين بالشأن العراقي والسوري واليمني الذين يفتشوا عن أي منقذ لحالهم مما دفعهم للاصطفاف وتأييد المؤتمر والدفاع عنه كخطوة أولى نحو الخلاص كغريق يتمسك بقشة وحتى ان جاءت نتائجه مخجلة وخطواته متباطئة !!

ومنهم من يعتبر ان ذلك المؤتمر هو فرية أمريكية أخرى وباب مبطن ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ولن تفرط أمريكا بنظام الملالي الذي رعته أربعون عاما وهو علف سحري للبقر الحلوب الذي يدر من ضرعها ذهبا!!

وقد استطاعت ببراعة تمزيق الامة العربية وحققت مالم تحققه كل الحروب والمؤامرات على الامة منذ الإطاحة بالخلافة العثمانية والحروب العالمية ولولا الدعم الأمريكي اللامتناهي لما تجرأت ايران من الزحف وبسط نفوذها بأريحية تامة لتتربع هنا وهناك..

ولم تكن الغاية من انعقاد المؤتمر حسب وجهة نظرهم سوى سوق العرب مذعنين والقبول بمشروع السلام الزائف مع الكيان الصهيوني والجلوس ولأول مرة معه وجها لوجه بعد جمود وعقد اللقاءآت الودية مع نتنياهو دون أي قيد و شرط واسدال الستار على التطبيع في الاروقة الخلفية المظلمة والسعي للتطبيع العلني كعقد زواج شرعي بإشهار وشهود لا زواج بعد اليوم بعقد مسيار ولا متعة ولا عرفي مع صاحب العصمة الكيان الصهيوني بعد إتمام التفرغ من دفن القضية الفلسطينية والصلاة اربعا وقراءة الفاتحة تعجلا,, وبعكسه فمليشيات إيران وخلاياها النائمة قادرة على إجتياحكم خلال ساعات و ولات حين مندم!!

وواهم جدا من يذهب حد التفاؤل بحلها وملاحقة قادتها فهي الورقة الرابحة الضاغطة التي جاء دورها اليوم!!!

ولكل فريق مرئياته ومبرراته في التفاؤل والتشائم والأيام المقبلة حبلى بالمفاجئآت لنرى أي الفريقين بعد سبات احصى لما لبثوا امدا…