22 ديسمبر، 2024 7:07 م

مؤتمر حوار بغداد …. تكرار لما هو معاد

مؤتمر حوار بغداد …. تكرار لما هو معاد

(الحلقة الأولى)
في يومي 14 و 15 كانون الثاني 2017، أَقامَ المعهد العراقي لحوار الفكر، في بغداد، مؤتمراً يحمل عنوان (مؤتمر حوار بغداد)، تحت شعار (خيارات ما بعد الانتصار). و هذا المؤتمر كان برعاية الشيخ همام حمودي، عضو هيأة رئاسة مجلس النواب، و بالتعاون مع مجلس النواب و جامعة بغداد.
هذا المؤتمر بالرغم من عنوانه الكبير، و الامكانيات العلمية التي توفرت له، و الشخصيات السياسية، التي شاركت فيه، من داخل العراق و خارجه، إِلاّ أَنَّه مع الأسف الشديد، كانت نتائجة غير موفّقة.
القصد من المؤتمر (كما هو واضح من شعاره)، غير واضح الأَهداف، و كأنَّ شعاره، يستفسر بسؤال تائه، في أجواء الأزمة العراقية:
ما هي خياراتنا بعد الانتصار على داعش؟.
أو ماذا سنفعل بعد الانتصار على داعش؟.
و هذا الابهام بحدّ ذاته، يعتبر اخفاقاً اعلامياً، في إيصال القصد من عقد المؤتمر الى المتلقي. و لكي نعرف الغاية من عقد مؤتمرٍ مّا، لا بد من تعريف ماهيّة المؤتمر:
هو نشاط حواري يقوم به اشخاص، سواءً كانوا من طرف واحد، أو من اطراف متعددة، بطرح أفكارهم و رؤآهم، و وجهات نظرهم، للتوصل الى حلول للمشاكل و العقبات، التي تقف عائقاً، يحول دون انسجام الاعضاء، للتوصل الى مواقف مشتركة، تخدم الجميع من خلال رسم سياسات، لحل
مشاكل مُختلف عليها. سواء كانت هذه المشاكل سياسية، أو أمنية، أو اقتصادية، او اجتماعية، أو دينية، أو مهنيّة …. الخ.
اليوم الأول من المؤتمر، كان من حصة السياسيين العراقيين، كلٌّ حسب أهمّيته الوظيفية في الدولة العراقية. حيث انقضت خمس ساعات، و السياسيون العراقيون، الذين صنعوا الأزمات بأنفسهم، وجدناهم يتحدثون عن تلك الأزمات، و يريدون أن يجدوا بأنفسهم حلاً لها، عن طريق الخطابات و الشعارات. فكانوا يعيدون و يكررون باصرار، ما قد قالوه سابقاً، و على مدار عدّة سنوات متعاقبة. لقد كرروا نفس الكلام المسؤوم، الذي لم يَعُد أَحد من العراقيين، يطيق سماعه.
و الأَنكى من ذلك، ان المسؤول الذي يبحث عن خيارات لحل الأزمة، لم يستمع الى اطروحات الاخصائيين المدعويين الى المؤتمر، سواءً كانوا اكاديميين او باحثين عراقيين او غير عراقيين. و هذا السبب، أفشل المؤتمر بكل تفاصيله. (ذكرت الدكتورة منال فنجان، في لقاء اجرته معها فضائية دجلة، ما مضمونه: ان خطابات السياسيين استغرقت خمس ساعات متواصلة، وفي آخر خمس دقائق من وقت المؤتمر، سُمحَ لخمس مداخلات، للاكاديميين والمختصين، كان نصيب كل واحد منهم، دقيقة واحدة فقط).
في عام (1800م)، عكف الفيلسوف الألماني (هيغل)(1770 – 1831 م)، على تأليف كتابه (دستور المانيا)، و الذي انتهى من كتابته في عام (1802 م). فدرس (هيغل) بكل موضوعية علمية، اسباب تفكك الدولة الالمانية، و انهيارها اقتصاديا و عسكرياً و اجتماعياً، في فترة حربها الأَهلية، التي استغرقت ثلاثين عاماً (1618-1648 م)، و كان سببها نعرة الانتماء المحلّي، و المذهبي و الصراع بين مكونات المجتمع الالماني؛ (كاثوليكي، لوثري، كالفيني).
لقد توصل (هيغل) من خلال دراسته، لحقبة حساسة من تاريخ بلده، الى عدة مفاهيم، شخّصَ من خلالها، اسباب تدهور المانيا، و انهيارها و هزائمها العسكرية، امام الجيش الفرنسي، في الحروب التي حصلت بين الدولتين، خلال فترة الحرب الاهلية الالمانية. لقد أطلق (هيغل) مصطلح (صحّة الدّولة) فقال:
(تظهر سلامة وصحة الدولة، بصفة عامة، لا في فترات السلم الهادئة، بل في أَزمة الحرب. حيث انه، في الحالة الأولى، لا تشكّل الحكومة سوى إدارة عاقلة و هادئة لا تتطلب سوى معرفة و اعتياد المحكومين تجاهها. بالمقابل، تظهر خلال الحرب قوة الرابط الذي يربط الفرد بالمجتمع. … لا يستحق شعب معيّن أَن يحصل على تسمية دولة، إِلاّ إِذا كان موحداً في الدفاع الجماعي عن مجمل خيراته)(انتهى).
كما خَلُصَ (هيغل)، من خلال دراسته لتاريخ بلده، الى طرح ثلاثة اسئلة. و اعتبر أَنَّ الحلّ، يكمن في الاجابة على تلك الأسئلة، للتغلب على مشكلة ضعف الامبراطورية الالمانية. و كانت اسئلة (هيغل) هي:
1. كيف توصّل بنا الانحدار الى هذا المستوى المنخفض من الوطنية؟.
2. كيف خسرت الدولة الالمانية الامبراطورية مقوماتها في انتاج اللحمة الوطنية؟.
3. كيف نصنّف الدولة الالمانية الحالية على ضوء المخلفات البنيوية التي تركتها حرب الثلاثين سنة في الدستور؟.
سأستكمل باقي الموضوع، في الحلقة الثانية منه، ان شاء الله تعالى.