مشاركة الرئاسات الثلاث لإقليم كوردستان، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، ورؤساء وقادة غالبية أحزاب إقليم كوردستان وعدد من الباحثين والأكاديميين وقناصل 29 دولة في الإقليم. في مؤتمر (الوحدة والدستور)، للحديث بلغةٍ واضحةٍ وصريحةٍ عن مسألتي الوحدة في كوردستان ودستور يجسد واقع الإقليم بكل مكوناته، رسالة واضحة وعلامة بارزة تدل على الإستعداد لمنح الضمانات والذهاب نحو إعادة بناء الثقة، وتقديم كل طرف تنازلات للآخرين، للوصول إلى تصوّرات مشتركة، وأرضية صلبة للقواسم المشتركة.
أما ترسيم الطريق من خلال جلسات حوارٍ مكثفة فقد وضعت هواجس ومخاوف وقلق القوى المختلفة على الطاولة. وكشفت الأهداف الإيجابية المرجوة من كتابة الدستور كوثيقة تاريخية مهمة تضمن إستمرار حماية القيم التي طالما نفتخر بها ضمن إطار وحدة تصون وتعزز جمال التنوع، والإتفاق على صياغة الهوية الجامعة للجميع وعلى مواجهة التحديات المصيرية والمهمات الصعبة. لكن للأسف، لاحظ المراقبون لوقائع الجلسات أن تأثيرالانتخابات المقبلة وإنهماك البعض في المزايدات وإعادة تنظيم الصفوف الحزبية استعداداً لتلك المرحلة، كان حاضراً في خطاب المعارضة التي لم تفلح في كوردستان إلّا في ترديد الأقوال المسمومة وإنتاج شخصية هلامية تدور حول نفسها وتتكيّف مع لعبة الجلوس على مقاعد المتفرجين، وتتهيأ لتعليب مشاعر مؤيديها وتوجيهها نحو صيغة قابلة لحمل الشيء ونقيضه معاً، ليصبح بإمكانها ان تذرف الدموع وتبكي وتصرخ عندما تجد نفسها في موقفٍ يحتاج التباكي، وتعلن التعاطف وتطرب لأمر آخر عندما تدعو الحاجة لتكريس وجودها أو للتطبيل ونشر حالة الإحباط وخيبة الأمل وتقزيم المطلوب سياسياً وتغييب التوافقات الوطنية التي تسهم في تشخيص الواقع وتقديم البدائل المقنعة.
أحد الأطراف المشاركة في حكومة الإقليم والمعارضة لها، وهذه مفارقة، إستوقف الكثيرين حينما أعد خطابين متعاكسين من المشاعر لحدثٍ واحد أولهما، (مع) برزه عند المشاركة في الحكومة والتي كان ينتظرها بشوق عارم، وما سيترتب عنها من الغبطة والهيجان الفائق المزدان بعناوين الإحتفال بالفوز بالمناصب والمواقع . والثانية (ضد) يبرزه في حالة بحثه عن أصوات الناخبين، لذلك حاول خلال كلمته إستصغار بعض الأمور وتكبير غيرها، دون التجوّل في متجره الحزبي وإنتقاء الكلمات المناسبة للحدث. وبدلا عن تجنب المسّ بالمشاعر التي جذرها سلوك نواب حزبه في البرلمان العراقي ونصف نوابه في برلمان كوردستان، ومن خلال شبكة أعصاب ضربها العطب أثار موضوعاً لا علاقة له بالدستور والوحدة. وتصرّف ضمن الواقع السياسي المضلّل في كوردستان والعراق، الذي أصبح فيه بعض الخطاب السياسي حاملاً لرزمتين من المشاعر، أولها ذرف الدموع، وثانيها، فوران البركان حسب إشارات الزمان والمكان، وإذا إقتضى الأمر تبديل الجلود وفق التضاريس والألوان.
أما المعارض الآخر، والذي لم يغادر دهاليز السلطة بإرادته، رغم إنه سلك طرقاً ملتوية مختلفة ولعبا شبه بارعة للمشاركة في الحكومة الحالية فما زال يعاني من مأزقه وشعوره بالهزيمة النكراء التي تحمل بين طياتها كل الأبجديات الكئيبة. فقد حاول، بمواقفه المستترة التي كان قد إتخذها في أوقات سابقة، زرع الشكوك وترويجها لدى القوى السياسية والشارع الكوردستاني تجاه الديمقراطية الكوردستانية، طبعاً غير الخالية من العيوب والنواقص، وتجاه حالة التعايش السلمي والتسامح الديني والتعددية، وتجاه جدّية البحث عن دستور مدني ينسجم مع الواقع الجديد ويتأسس على ثوابت معتمدة عالميأ، ويقره الدستور العراقي والقانون الدولي.
ختاما يمكن القول، أن المعارضة المخفقة في الخروج من متاهة الافكار غير الناضجة، والفاشلة في الولوج إلى النقاش المعمّق لتشخيص الأوضاع الراهنة، وترسيم طريق تحقيق الوحدة وكتابة الدستور، وإحداث قفزة نوعية في اللعبة السياسية هى معارضة فائضة يمكن الإستغناء عنها.