مع انتهاء أعمال مؤتمر إعادة الإعمار في الكويت , اصيب الكثير من العراقيين وفي مقدمتهم الحكومة العراقية بخيبة أمل بالنتائج الهزيلة لهذا المؤتمر والذي فهم خطأ من قبل الكثير من المواطنين بانه مؤتمر لتقديم المنح المالية لاعادة اعمار البنى التحتية المدمرة من مشاريع الكهرباء والماء والمؤسسات التعليمية و الصحية والمؤسسات الخدمية في المحافظات المحررة التي شهدت مدنها وقراها قتالا عنيفا لطرد تنظيم “داعش” الارهابي الذي فرض سيطرته على ثلث مساحة البلاد في حينها.
المسؤولون العراقيون كانوا قد رسموا في توقعاتهم بان المؤتمر سيكون بمثابة فرصة ذهبية للعراق للحصول على المنح والمساعدات الدولية لاعادة اعماره من قبل جميع دول العالم وفي مقدمتهم دول الجوار الاقليمي والعربي,عرفانا منهم للتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب العراقي وحكومته نيابة عن العالم في طرد اخطر التنظيمات الارهابية وبالتالي ساهم ذلك في الحفاظ على امن واستقرار المنطقة وعدم امتداد الارهاب الى دول العالم.
وعلى الرغم من مشاركة (2300) شركة من (70) دولة عربية واوربية واسيوية بالاضافة الى المنظمات الدولية الرصينة وصندوق النقد الدولي والصندوق الكويتي للتنمية العربية في أعمال المؤتمر للحصول على عشرات الفرص الاستثمارية التي طرحها العراق, الا ان المؤتمر خرج بتخصيصات مالية لم تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار، وهذا يشكل نحو 34% من مبلغ 88.2 مليار دولار الذي قدرته الحكومة العراقية لاعادة اعمار البلاد على مدى 10 سنوات ,ومعظم هذه المبالغ هي قروض مالية ملزمة السداد بفوائد والباقي اليسير منها تبرعات مالية لاتسد الحاجة. بمعنى اخر ان بوصلة المؤتمر تحولت من مؤتمر مانح لاعادة اعمار العراق الى مؤتمر استثماري من قبل شركات تقوم بتنفيذ استثمارات مدرة للدخل وتعيد عليها عائدا ماليا.
الحكومة العراقية على لسان رئيس وزارءها حيدر العبادي عبرت عن تفاءلها بنتائج المؤتمر واعتبرته خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لاعادة إعمار المدن المدمرة وتنشيط الاقتصاد الذي انهكته الحرب على تنظيم «داعش الارهابي »,لكن بالمقابل هذا التفاؤل الحكومي لم يقلل من شكوك وتحفظات المواطن العراقي في اليات اعادة الاعمار وطريقة صرف الاموال الطائلة المخصصة لها, اضافة الى ذلك ما مرت به المحافظات المحررة من مشاريع وهمية سابقة عززت من شكوك المواطن وخشيته من تكرار سيناريو الفساد المالي, وهذه الشكوك التي تراكمت عبر تجربة السنوات الماضية لا تعني بطبيعة الحال أن المواطن يقف معارضا لحملة الإعمار، بقدر حرصه على سلامة الاموال وعدم دخولها إلى جيوب الفاسدين.
الاخفاق في الحصول على النتائج المرجوه من مؤتمر اعادة اعمار العراق وقفت ورائه اسباب عديدة منها على سبيل المثال اعدادَ الوفدِ العراقي الكبيرة التي حضرت مؤتمرِ الدول المانحة مما ولد انطباعا لدى الدول والمنظمات والشركات العالمية بعدم وجود رؤية مشتركة موحدة لادارة ملف اعادة اعمار المناطق المحررة , بالاضافة إلى تنامي الخلافات السياسية بشان اليات توزيع مبالغ المنح على المحافظات, والاهم من ذلك فشل السياسات الحكومية في الحد من الفساد الاداري والمالي و تربع العراق لسنين طويلة وفقا للمنظمات الدولية قائمة الدول الاكثر فسادا.
في النهاية مؤتمر اعادة الاعمار لم تكن مخرجاته ضمن الطموح ولم تتعدى حتى الوعود التي لم تفِ بها جميع الدول مسبقا, لذلك الحكومة العراقية امام مسؤولية كبيرة بالابتعاد عن القروض والمنح التي تكبل العراق بالديون, وتعرضه للابتزاز مما يكبل القرار السياسي العراقي في الكثير من القضايا المصيرية , والسعي الى إيجاد استراتيجيات وخطط جديدة لمشاريع إعادة الإعمار في المناطق المدمرة من خلال الاستفادة من الزيادات المالية المتحققة من ارتفاع اسعار النفط , الحد من الفساد السياسي وتفعيل المؤسسات الرقابية, حل الخلافات بين الكتل السياسية والاسراع في التصويت على الموازنة من اجل انجاز المشاريع الحكومية ومواصلة اعادة الاعمار والخدمات في المحافظات المحررة من اجل عودة سريعة للنازحين.