البعض شبه الأجواء الخريفية التي عاشتها بغداد بعد 16أكتوبر 2017، وإجراءات العبادي العدائية تجاه إقليم كوردستان، بأجواء ربيع 1975، والعقوبات التي فرضها صدام حسين على الكورد بعد مؤامرة الجزائر السيئة الصيت.
إن كان التشبيه من زاوية المؤامرة ضد الكورد، وتشبيه يوم تعيس مع آخر أكثر تعاسة، ومحاولة جديدة فاشلة لوأد الحلم الكوردستاني مع محاولة فاشلة قديمة أكثر فشلاً، وإن كان من باب المشاركة بين العراق وإيران وبموافقة أمريكا، وأن كان من زاوية الإنتصار الموهوم وإصابة الحاكم في بغداد بالغرور، وإن كان من خلال تطابق تصرفات الحشد الشيعي وبالذات التركماني في طوز خورماتو وكركوك، مع تصرفات الرفاق البعثيين والجيش اللاشعبي، معقول وصحيح .
ولكن الحدثان (الإتفاقان) مختلفان في وجوه عديدة، حيث الأول تم (دون تواطوء أو خيانة كوردية، ودون تدخل عسكري لقوات أجنبية)، تراجع عنه صدام في أول مناسبة، وجلب معه مأساة الحرب التي إستمرت لثمان سنوات عجاف بين بغداد وطهران، وبعدها، جاءت عمليات إحتلال الكويت وتحريرها، والإنتفاضة في كوردستان ووسط وجنوب العراق، والحصار الدولي الظالم على العراقيين، وبالتالي، إسقاط حكم البعث، أما الثاني، فقد كان فيه خيانة وتواطوء وتظليل ولف ودوران مع الكورد والعراقيين والأمريكان والمجتمع الدولي، وبمساندة قوات أجنبية معروفة الهوية.
في حينها تنازل صدام عن (جزء) من سيادة العراق لأيران، ولكن العبادي فتح معركة جديدة ضد الكورد، من جهة، وتنازل عن (كامل) سيادة العراق لأيران، من أجل البقاء في السلطة والعودة إليها في ولاية ثانية، من جهة ثانية.
بعد الإتفاق الأول مارس صدام سياسات التعريب والتبعيث والترحيل والتهجير العنصرية، والإستيلاء على الأراضي الكوردستانية، وحاول فرض سيطرته على الكورد لإضعافهم وتقويض قوتهم. ولكنه لم يستطع إرغامهم على الإبتعاد عن سياسة النأى بالنفس، أو حتى تليين مواقفهم تجاه من تآمروا ضدهم، وبسوادهم الأعظم، لم يقدموا إستقالاتهم من النضال وحمل السلاح، وكذلك لايفعلونها بعد الثاني، الذي يمارس فيه ذات السياسات وبذات الآليات، وطبعاً، لا ينفع معهم سياسة لي الأذرع، والحصار والتجويع. ومعنى إصرارهم على عدم الاستقالة، سيدفع العقلاء في العراق، الموجودين في الوقت الحاضر فقط، للتفكير جيداً في نتائج الإتفاق ويضعوا نصب أعينيهم مصلحة العراق أولا، وبخلاف ذلك سيجعل الاستقرار في البلاد في مهب الريح، والتوتر سيداً للموقف وقابلاً للإنفجار في أي لحظة.
ذهب صدام، رغم أنه كان قوياً ويملك جيشاً جراراً، ورغم أنه لم يكن هناك في بغداد من يهدد عرشه، أو حتى يفكر في التآمر عليه وإزاحته، وكان يسيطر على كل الأمور في العراق من أقصاه الى أقصاه، والكورد مازالوا باقين.
سيذهب العبادي، لأنه ضعيف بكل معنى الكلمة، والفساد في عهده أصبح طاعة وفخر وبطولة، وينخر في كل مفاصل البلاد. ولا يسيطر حتى على مبنى مجلسه ولا يستطيع طرد عمال الخدمة من مكتبه، رغم إنه متيقن من إنهم عبارة عن مراقبين لتحركاته، ويوصلون كل شيء لغيره ويسرّبون بعضاً من محاضر الاجتماعات الرسمية مع المسؤولين والوفود الأجنبية والعربية، ناهيك عن سيطرة (الآخر) على هرم الوزارات والسفارات والسلطات القضائية وغالبية الهيئات التي تسمى بالمستقلة والكتلة البرلمانية الكبيرة في البرلمان، تلك الكتلة التي تستطيع أن تمرر القرارات وتستجوب من تشاء، وتقيل من لا ينسجم سياساته مع سياساتها، وكذلك الحشد الشيعي الذي لاينتمي أي فصيل له، والكورد سيبقون.
سيبقى التفاخر بالسيطرة على الأمور وهم ومبالغة، وسياسة إرضاخ الكورد بالتهديد والقوة والتآمر والخداع وفرض العقوبات، إن كانت سهلة على الورق، صعبة التحقيق على أرض الواقعة وليس بمقدورها إسكات الكورد المعروفين بالحذر البعيد عن المهاترات السياسية، وتغليب حكمة العقل والمصلحة الوطنية على كل شيء آخر، ولكن ربما هذه الصفات الطيبة، لا تجدي في العمل مع أناس غير طيبين، وفي الأوقات الملتهبة. والذي يبعث الأمل هو اليقين الذين توصل اليه الجميع، والقاضي بأنه مع اشتداد الأزمة ستحدث الإنفراجة، وليس من الضروري أن يكون الحل دائماً عبر المواجهة المسلحة، خاصة وأن القضية الكوردية في العراق لم تعد منذ زمن بعيد قضية داخلية، وأية محاولة من السلطة في بغداد التي تخلت عن الدستور ومبدأ الشراكة والغارقة بنشوة نصر مزعوم على الكورد، سواءً لإفراغ الفدرالية من محتواها، أو إلغاء سلطة الإقليم والتصرف حسب الأهواء العدائية، أو التعنت ورفض الحوار العقلاني، تعتبر بمثابة إرجاع عقارب الساعة الى الوراء، ولعب بالنار، وسترفض بشكل قاطع، من قبل العراقيين الخيرين والعقلاء ومراكز القرار في العالم أجمع.