19 ديسمبر، 2024 5:20 ص

مأساة السنة وخطاب أدوات الجزيرة..!

مأساة السنة وخطاب أدوات الجزيرة..!

ينبغي أن نتفق، كشعب، على توصيف غياب سلطة الدولة عن المناطق التي تستولي عليها التنظيمات الإرهابية؛ فهل هي إرهاب مرفوض من قبل الشعب العراقي بجميع توجهاته، أم إنها تمثّل شيئاً آخراً لبعض الأطراف المذهبية والسياسية؟!..وقبل الإجابة التي تفرضها الأحداث على هذا السؤال، علينا الإطلاع على طبيعة الحياة التي يعيشها أهالي المناطق المحتلة في ظل سطوة الإرهاب، فهؤلاء وحدهم من يقرر جزء الحقيقية الذي يختص بمطالبهم الناتجة عن وضعهم. ربما المصدر الرسمي الوحيد المتوفر، هو مقاطع الفيديو التي تنتشر لتلك العوائل بعد تحريرها من “داعش”؛ جميع تلك الأسر تبدي ترحيباً حماسياً بالقوات المحررة ورفضاً قاطعاً لداعش ولأغلب الساسة الذين (يمثِّلون) ذلك الجمهور الواقع تحت سندان الإرهاب ومطرقة الأجندات السياسية!..بيد أنّ تلك الأمانة -مطالب جمهور المناطق المحتلة- لم يتم التعامل معها على ضوء معاناتهم أوأي منطق إنساني أو إجتماعي، وظلَّ ذات السياق المحرّك لخطاب بعض القيادات السنية متحكماً ومسيطراً على عقولهم منذ سيطرة داعش على مساحات شاسعة من البلد وقبلها في مرحلة ما بعد التغيير ولكن بوسائل مختلفة. يمكن إكتشاف القصة الكاملة من خلال متابعة قنوات التأجيج الطائفي (الجزيرة والعربية) وتوابعها (بعض القنوات المحلية). لا شك إنّ تلك القنوات تمثل أجندات لا علاقة لها بطائفة أو إنسانية، بدليل ما عانته مصر بسبب قناة “الجزيرة”

 لدرجة أصبحت القناة المذكورة تمثل السياسية الصهيونية بالنسبة للشعب المصري ونخبه الثقافية. فالتعصب الذي تعانيه الجزيرة وتوابعها، لا يعكس تبنياً لرؤية أو فكر سياسي، وليس ضمن أهدافها مصلحة دين أو طائفة؛ فالنظر بعين واحدة يراد منه توجيه الأحداث بما ينسجم مع مشروع قادة تلك المؤسسات وقد إختاروا وسيلة الدم لتنفيذ ذلك المشروع، وحققوا طموحاً صهيونياً كبيراً؛ عندما تم تقسيم الأمة الناطقة بلسانٍ واحد إلى مجموعات متصارعة، والأمة الحاملة لهمٍ مشترك وقضية واحدة؛ إلى أجناس منشغلة بهموم مستحدثة فاقت القضية الأم. إنّ المشروع ليس إنتصاراً مذهبياً، بل ركوباً لمذهب؛ فالسنة لا يمكن إختزالهم بدولة عبارة عن قاعدة عسكرية أمريكية وقناة فضائية، أو مجموعة عوائل تتحكم ببلدانها وبشرعية قبلية!..غير أنّ تلك القبائل، وعلينا الإعتراف، نجحت في مشروعها وأستطاعت إستجلاب الدنيا كلها لإضعاف القوى التقدمية، وعلى رأسها المقاومة. فهي، الحكومات القبلية، بدأت عداءها مع التوجهات القومية وعندما أضعفتها، برزت قوى تحالف تقدمي مقاوم جديد لم ينحصر بالقوى القومية، وبالتالي توجهت آلة الخراب والتشويه القبلية إلى المقاومة، سيما بعد كسر أسطورة (الجيش الذي لا يقهر). فالموقف الخليجي القائم كلياً على المال، يعد أبرز قوى هدم الحضارة وتقديم الصورة الحالية للعالم عن العرب والمسلمين. وبالتالي فأن الخراب الذي يعم المنطقة هو الهدف الرئيسي لذلك التوجه الصانع للإرهاب والمحرك له، والذي يواجه اليوم القوى التي تقاتل الإرهاب بغية تقوية وسيلته (الإرهاب) وأي نصر يعني خسارة مادية وبشرية لهم. دخلت خطة عرقلة النصر على الإرهاب، بأساليب جديدة ربما تتماشى مع حملات الخداع والتزييف التي تعيشها الأمة.      

كنتيجة للتوجه الطائفي، المستتر بالدِّين، للإرهاب؛ تحاول القوى الصانعة إثبات إن “داعش” وأخواتها عبارة عن ردة فعل لنصرة السنة، في محاولة للقول بأن الإرادات التي تواجه الإرهاب ما هي الإ مستهدفة لتلك الطائفة، وهذه المعاني واضحة جداً في سياسات تلك القنوات الممثلة لحكومات قبليَّة.   ولا شكّ إن تلك السياسية المعبرة عن مشروع هدم الحضارة، الإرهاب جزء منه، لا بدّ لها من خطاب يوفّر المادة الخام لحملاتهم الإعلامية والسياسية الموازية للحملة الإرهابية، وقد إنسجمت تماماً مع قوى خسرت نفوذها، كما في العراق وبلدان أخرى، أو مع قوى منحرفة عن جادة الإنسانية.      

برزت في الجانب العراقي السني أصوات تقاطعت مع أي عملية تهدأة وتناسق بين مكونات البلد، وغالباً جيّرت تلك الأصوات لصالح المشروع الكبير الذي تموّله مشيخات الخليج؛ بمعنى إنها جزء بسيط من ذلك المشروع وليست جزءاً من الإرهاب، لذا تجد نفسها بمواجهة الإرهاب -إذ يواجه المجتمع السني الفناء- بينما يضعها المشروع الكبير، في مواجهة الدولة وجميع القوى التي تقاتل الإرهاب، وهنا تقف بصف الإرهاب تحت أوصاف باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الإنسان في تلك المناطق. أي إن تلك الأصوات التي توصف على إنها (ممثلة للسنة) ليست مدعومة من قبل الجزيرة أو القنوات الأخرى؛ إنما هي مسيّرة ومجبرة وتتلقى الأمر من هناك، ولعل الصمت في بداية كل معركة أو حدث، هو عبارة عن إنتظار الأوامر، وما أن تعلن (الجزيرة) موقفها المعادي، حتى ينبري هؤلاء لتبني ذلك الموقف. ويبدو واضحاً ذلك من القضية السورية بصورة عامة، فعندما كانت قطر وقناتها، منسجمة مع النظام السوري كان هؤلاء “بعض ساسة العراق” من أشرس المدافعين عن النظام السوري ويمثل بمنظورهم آخر قلاع (القومية والعزة العربية)، بمجرد أن شنت الجزيرة حملتها على النظام في دمشق، وقفوا على طرف نقيض من موقفهم السابق؛ وإكتشفوا فجأة إن سورية ليست دولة (ديمقراطية)..!    

على المستوى السني أيضاً، تصدح كثير من الأصوات السياسية والشعبية مطالبة بتحرير المناطق وداعمة للقوات الأمنية بجميع صنوفها، ومنها الحشد الشعبي، ولكن تلك الأصوات تكبت ولا يتم التعامل معها على إنها وجهة نظر سنية منطلقة من الميدان، وتمثل هموم الجمهور. ولإنها مواقف حقيقية، فلن يتعامل معها الإعلام القبلي بل يحاول طمسها وبالتالي فهم، وبمساعدة أصوات الفتنة في الداخل؛ يتستّرون على جريمة إبادة الناس وتدمير تلك المناطق على يد الإرهاب. إنّ الدوافع والغايات التي تقف وراء ذلك التستر على الجرائم، لا تمت للمطالب السنية الواقعية بأية صلة، فجميع شخوص ذلك المشروع، هم أدوات خارجية تعيش بعيداً عن المناطق المحتلة من قبل الإرهاب مرفهة في جو من الإمتيازات. ذات الإسطوانة تعاد في كل مرة، والنتيجة واحدة؛ فك الخناق الإرهابي المحاصر للمواطن السني بقوة وإرادة القوات الأمنية العراقية، رغم ضجيج أدوات الخارج الذين يدعون تمثلياً لسنة العراق، وما هم سوى طفيليات تعتاش على دماء الناس ومآسيهم، غير أنّ لكل مواجهة ثمن ولكل مؤامرة خسائر؛ والمواطن البسيط في مناطق غرب العراق هو ضحية تلك المؤامرات وهو الخاسر الأكبر!..

أحدث المقالات

أحدث المقالات