17 نوفمبر، 2024 5:15 م
Search
Close this search box.

لَيْسَ دِفَاعاً عَنْ طَارِقِ الْهَاشِمِيّ .. وِلَكِنْ إلىَ أينَ يُريدُ المَالكيُّ بالعِرَاق؟

لَيْسَ دِفَاعاً عَنْ طَارِقِ الْهَاشِمِيّ .. وِلَكِنْ إلىَ أينَ يُريدُ المَالكيُّ بالعِرَاق؟

مازالت تتصاعد الأزمة التي إفتعلها نوري المالكي رئيس الوزراء بتوجيهه الإتهام إلى طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية وحماياته، بالضلوع في أعمال إرهابية، تستوجب الإحالة وفق المادة (4) من قانون الإرهاب وعقوبتها الإعدام، وتتكشف حقائق تؤكد أن الإتهام (كيدي) و(سياسي) بقصد التسقيط السياسي، ولإزاحة الهاشمي، بسبب مواقفه الصلبة، ومنها معارضته لقرارات الإعدام الجزافية التي تصدرها المحاكم، وعدم تمريره للعديد من القوانين التي تريد حكومة المالكي تمريرها، ومطالباته بالإفراج عن المعتقلين وإيقاف الإعتقالات العشوائية، وقد تبيّن إفتضاح كثير من الأكاذيب التي أطلقها المالكي منها:

–   قول المالكي أن هيئة من (خمسة) قضاة، حقَّقَت مع المتهمين من حماية الهاشمي الذين أذيعت إعترافاتهم من خلال القناة الحكومية، في حين أعلن مجلس القضاء أن (قاضياً منفرداً) هو الّذي حقق بالقضية، وان التواقيع الخمسة للقضاة على أمر القبض المعلن إعلاميا إنما هي لتأييد صحة صدور القرار عن قاضي التحقيق وأنه مطابق للقانون، ولا صلة لها بفحوى الإعترافات، وليس بصفتهم أعضاء في هيئة تحقيقية أثبت مجلس القضاء أنه لم يقم بتشكيلها.

–   كما كذّبَ القضاء إدعاء نوري المالكي بأنه أخذ الإذن من القاضي لعرض الاعترافات تلفزيونياً، لوجود مانع قانوني من العرض الإعلامي لاعترافات متهمين في قضايا مازالت في مرحلة التحقيق الابتدائي إلا بإذن من القاضي المختص، فكانت لطمة أخرى للمالكي.

–   المالكي إدعى أنه كان يحتفظ بالملفات منذ أكثر من ثلاثة أعوام، مما أثار إنتقادات للمالكي إن صحَّ إدعاؤه فإنه يجب أن يتعرض للمُسائلة القانونية بجريمة التستر وإخفاء معلومات خطيرة عن جرائم إرهابية، والمضحك أن المالكي إدعى أنه أطلَعَ عليها الراحل عبدالعزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى (وهو رجل ميت لا يُمكن أن يُكذّبَ المالكي من قبره؟).
إنه لأمر في غاية الخطورة، أن يجري اتهام شخصية بحجم طارق الهاشمي بتهمة القيام بأعمال إرهابية، والرجل كان أحد أبرز ضحايا الإرهاب، فقد إغتالت الميليشيات الحاكمة ثلاثة من أشقائه 2006، ويبدو كل شيء في العراق الجديد لم يعد قابلا للتصديق بعد أن اختلط حابل الحقائق بنابل الأكاذيب. فالمالكي الذي فاجأ الجميع كشخصية محورية أصبح اكثر ديكتاتورية ينتقده معارضوه بأنّه وراء اشعال التوتر الطائفي، فقد أخرجت الأحزاب الشيعية تظاهرات في محافظاتها تطالب بإعدام الهاشمي، في حين خرجت تظاهرات في المدن السنية تندد بالإتهامات الباطلة الموجهة من قبل المالكي ضد الهاشمي، وهي بلا شك علامات تصدّع في الوضع الأمني وتصعيد للشحن الطائفي وربما عودة للإقتتال الطائفي الذي جرى عام 2006.
إن الأحداث الأخيرة المتعلقة بتصفية نوري المالكي لمعارضيه من القائمة العراقية، تثير القلق لما تحمله من تداعيات خطيرة على المجتمع العراقي ونسيجه المشتت، جراء الاختلاف في الرؤية وتعدد جهات الولاء لزعماء العراق الجديد. ومما يعطي صفة الخطورة لهذه الأحداث هو توقيتها الذي جاء مباشرة بعد عودة المالكي من واشنطن ولقاءه بالرئيس الأمريكي اوباما من جهة، وانسحاب الامريكان، ولأنها تمس قمة هرم المكوّن السني المُمانع للخط الإيراني كطارق الهاشمي وصالح المطلك نائب رئيس الوزراء ورافع العيساوي من جهة أخرى.

        المالكي يحاول ترسيخ حكم دكتاتوري جديد، يقوم على النفس الطائفي وهيمنة الحزب الواحد، وتصفية الخصوم بأخس الوسائل والأساليب. وإذا كان المالكي يتهم خصمه الهاشمي بتهمة الإرهاب وقتل الأبرياء، فإن تاريخ المالكي ملطخ بالدماء ويكفي أن موقع ويكيليكس نشر وثائق سرية حول الحرب في العراق، كشفت عن علم الجيش الاميركي بانتهاكات لحقوق الانسان كانت تجري في العراق، وأن نوري المالكي كان يتولى مسؤولية الإشراف على ادارة  فرق “للقتل والتعذيب” والتصفيات الطائفية. كما إن معظم الساسة ممن قدموا إلى العراق مع دبابات الغزو الأمريكي ضالعون في أعمال إرهابية على أيدي الميليشيات التابعة لهم ومنهم أحمد الجلبي عرّاب الإحتلال، والمجلس الأعلى ممثلا بفيلق بدر، ومقتدى الصدر وميليشياته المسماة “جيش المهدي”، وميليشيات حزب الدعوة للمالكي والجعفري، وحزب الله العراقي، كلها ميليشيات تغلغلت في الأجهزة الأمنية وقتلت وعذبت العراقيين منذ 2003 وحتى اليوم. ثم لماذا تغافل المالكي عن عدة أوامر قبض قضائية بحق وزراء من حزبه مثل وزراء التجارة، والصحة، والتعليم، وغيرهم في قضايا إرهاب وقضايا فساد وتستر عليهم المالكي في وقائع معلومة لدى العراقيين. فمَن مِنَ السياسييّن الحاليين ليس مُتهمًا بارتكاب أعمال جنائية لكي يقوم المالكي باتهام الهاشمي بتلك التهم وبهذه الطريقة؟. القصد الأول للمالكي هو تحطيم سمعة الهاشمي وتسقيطه سياسياً وبالتأكيد تصفيته. ولايمكن استبعاد صفقة إيرانية مع المالكي لتلفيق التهم ضد الهاشمي وتياره القريب سياسياً من إتجاه الإخوان المسلمين في سورية، في محاولة من إيران للضغط على دول الجوار وبالأخص المملكة العربية السعودية ودول الخليج لتخفيف الضغط عن النظام السوري الذي يعتبر الحليف الاستراتيجي للنظام الإيراني. وفي نفس الوقت ليست إيران بعيدة عن كل ما يحدث لأنها في النهاية الجهة الوحيدة المستفيدة من إبعاد المكون السنّي المعادي لها. لقد استفادت إيران من الوجود الأمريكي في العراق، وستستفيد حتما من انسحاب الأمريكان عن طريق الضغط على حلفائها لخدمة مصالحها لتثبيت مواضعها تحسبا للمخاطر القادمة التي ستهدد مصالحها في سورية وجنوب لبنان.
ليس دفاعاً عن طارق الهاشمي الذي أعرفه شخصيا منذ ثلاثين عاماً، إنسانا في منتهى الخلق والأدب والوداعة، تقي يخاف الله، إسلامي معتدل غير متطرف، كان ضابطا لامعا في كلية الأركان العراقية لكنه فصل برتبة رائد عام 1976 بسبب عدم إنتماءه لحزب البعث، ينتمي طارق إلى أبرز العائلات التي لعبت دوراً في تكوين وإنشاء الدولة العراقية الحديثة، فجدّه (خال والده) هو ياسين الهاشمي، وجَدّه الآخر هو طه الهاشمي، شقيق ياسين، وكليهما لعب دوراً وطنياً بارزاً في العهد الملكي. وبعد فصله من الجيش، تحول إلى رجل أعمال ناجح، بفضل نزاهته وذكائه، وبعد مشاركة الحزب الإسلامي في مجلس الحكم ومن ثم في العملية السياسية بعد 2003 (رغم التحفظ على هذه المشاركة) وبعد استقالة الدكتور محسن عبدالحميد من أمانة الحزب تم انتخاب الهاشمي أمينا عاماً، وبعدها صار نائبا لرئيس الجمهورية على مدى دورتين، لم يُسجَّل على طارق أي اتهام أو إدانة أو تقصير أو تقاعس طيلة مسيرته في الحزب، وإن كان قد استقال من الحزب في مرحلة لاحقة لرؤيته في التفرغ للعمل السياسي، مع استمرار وفاءه للإخوان قاعدة الحزب الإسلامي ومرجعيته، صرح الهاشمي قائلا: (علاقتي بالحزب الإسلامي كانت وستبقى طيبة، والاختلافات في وجهات النظر مسالة طبيعية بل هي مطلوبة ومرغوبة جداً في العمل السياسي وسأبقى على علاقة طيبة مع القيادة الجديدة لا أبخل عليهم بنصيحة أو تذكرة أو مشورة لشعوري بحاجتهم لذلك).  الهاشمي حَصَّنَ نفسه بحصانة راسخة ومتينة من نظافة القلب واليد واللسان والسلوك، إضافة إلى علميته وثقافته. فالرجل ليس بحاجة لدفاع مني، لكنه يستحق أن تقال فيه كلمة حق في هذا الزمان الردئ!!.

أحدث المقالات