18 ديسمبر، 2024 6:49 م

لينا شيخو .. شاعرة الاغتراب والتيّه الدمشقي

لينا شيخو .. شاعرة الاغتراب والتيّه الدمشقي

امرأة تتفيأ الياسمين، وتلوذ خجلى بين حبات المطر، ك فراشة سكرى تراقص الأقحوان، وتطرّز تويجات الورد، تتوسد موج الفرات عاشقة طغيانه، ك حورية تغطس في أعماقه، تتفقد قاعه، كتومة لأسرار مرجانه.
تطارد قصائدها كأيائل برية بين حقول القمح في سهول الرقة، شاعرة تشع كلمعة التبر، وتبرق ك اللجين، ثملة بالعشق الصوفي ك روحها المتمردة في رحاب الله، تداعب فرشاة اللون حتى ترسم القصيدة قبل ان تكتبها، كأنها تتلّمذت على يد دافنشي في تضاد الحزن والفرح في ابتسامة الموناليزا.
في سرد قصائدها عاشقة ملولة، تتنقل بين حقول الخزامى ثملة بنسائم اللافندر، شفيفة ك روح الطفولة تحمل الياسمين تاجا، وترقص بين حقول التوليب، فراشة ثملة ترتشفت رحيق الازاهير، وتتأنق في سماوات الرب ك قديسة او روح نبي.
تكتب في الغربة والاغتراب حين ترسم المساءات والأزمنة المهزومة، ترتجف من هزيع البرد وتصطلي من وقد الجمر، او تنثني للريح العاتية لحظة الارتحال القسري من ساحات طفولتها وملعب صباها، حين اجتاحها المغول:
“يمـرُّ بي زمني المهزوم حيناً من هزيعِ البردِ ، وتصطلي عيناي جمراً من تغاضي السابلة ..!
وتخدّدُ الآمالَ في اقتضابِ الموجِ و شاخصاتِ الريح .
تنحني أغصان قلبي ، تنهكُ حيلتي تلك الرقوش الراكضات ،
ينثني ثوب رحيلي في هلوسات الريح ،
تنضوي عيناي في غيم الرجاء ، وألمحُ في البرقِ ضوء آجلُ الانثيال .
أُمضي مساءاتي الحزينة في ارتحالٍ ، وأنصبُ صورتي كما لو أنها ” منحوتة الصّبَّار” في عجافِ الرمل .
وأرفو وحدتي بخيوطٍ من سرابِ الذكرياتِ وأستر عورةَ غُرْبتي بلحاف ليلٍ بارد النَّسَمات .
أرتّبُ نسياني المهذّب في شرودِ الحبّ والمطر الحزين.”
مكابرة حتى ترسم اغماضتها في التيه حين تقول:
“أغمضتْ عينيها ،، ففقدَ الأخضـرُ ذاكرته ..
حدّقَ في مـداها ،،
فتنفَّـسَ ورْدٌ في صدره..”
بين الالم والارتحال دمعة في المآقي، وبوح عاشقة للتلاقي، لدار ألفتّها في الطفولة والصبا، ترسم تاريخها منذ كانت “كالينيكوس”، وتتعاشق ذكرياتها مع الرقة عاصمة الرشيد ، الم وفرح وكركرات طفولة بين شجيرات الزيزفون، تكتب للرقة وتقول:
“بيتي في المدينة المنسيّة أيها العالمُ الغافل والمتغافل …
الرّقة ومدينة الرشيد وعبوره إلى ضفاف بدائع الصيف .
رقّةُ مهرجان الشِّـعر والرِّواية …!
رقّةُ الزُّنودِ السُّـمرِ وفلُّ الحكاية ..!
رقّةُ الزيزفون وسِـحرُ السُّكون ..!
رقَّةُ الأوكاليبتوس والصفصاف وقزح الأطياف
نداوة الحبِّ ووشوشة الضفاف ..
رقّةُ أهل الله المتخفّون برداء البساطة ..
رقّةُ الخير ـ أيّها السوريون ـ قمحكم في سنابل السنوات الماضية …
خبزُ البلاد وماؤها …”
تلك هي لينا شيخو حكيمة الطب، وشاعرة تسلب ذَا اللبّ، تؤرخ الذات، ومرود كحل القصيدة وانسام الهوى، لتقول:
“أمويّةُ العينين ، مركَبُها الورق ،
شراعها كنعاني ، وأنسامُ الهوى من ” شـام ” .
والكُحْل نثرٌ وارفٌ يهمي على وَسَنِ القصيدة .”
وتتابع في قصيدة “بحر للبحر”
ستردّ موجكَ ذاكرة التضوّع ..
لبلاد الياسمين وفَهارسِ الوَرْدِ الجميل ،
للمَطَرِ المُقَفّى ، لشمسِ تشرين الحنون..
وَ لنخلتينِ شاهدتين على الفُرات ! “