الطقوس الدينية والخوض فيها قد يفتح الباب للعديد من الاختلافات في التفسير والمناهج، لكونها ترتبط بالعديد من العادات والتقاليد التي أدرجت عليها “عامة الناس” منذ مئات السنين، لكن توفير المناخ الملائم لآداء تلك الطقوس قد يرسم صورة تدفع الكثير من المعارضين او الرافضين لها، لتغيير مواقفهم فاستمرار الطقوس الدينية وخاصة الزيارات المليونية التي تشهدها بلادنا بحاجة للعديد من النقاط التي يجب التوقف عندها، اهمها غياب التنظيم الحكومي لتلك المحافل واعتمادها كليا على “عُبَّاد الله”، وهو مايخلق ردة فعل عكسية على نفسية المشاركين في اداء تلك الطقوس واقصد بهم الزائرون وليس القائمين عليها.
فمثلا زيارة أربعينية الامام الحسين (عليه السلام) التي انتهت قبل ايام سجلت “فوضى وارباكا” كبيرا لا يمكن تجاهله، بداية من الخطة الامنية مرورا بالخطة الخدمية وحتى اعادة الزائرين الى مناطقهم، على الرغم من تجربة الزيارات المليونية التي تمتد لنحو 15 عاما، لكنها في كل عام تسجل انخفاضا واضحا وتراجعا في حجم الانضباط والسيطرة على الاوضاع، كان اشده خلال العام الحالي، فالخطة الامنية شهدت إرباكا واضحا من خلال غلق العديد من الطرق الرئيسة من دون توفير اية بدائل وهو ماخلق زخما مروريا في غالبية المناطق التي تقع على الطرق المؤدية الى مدينة كربلاء وخاصة في العاصمة بغداد.
صحيح ان القوات الامنية استنفرت كافة جهودها وشاركت في تقديم الخدمات للزائرين وتوفير الحماية لهم لكنها لم تنجح في ايجاد طرق بديلة يسلكها المواطنون وهي بذلك جعلت خطتها الامنية غير مكتملة وبحاجة للمراجعة، تلك الإخفاقات في الخدمات والخطط تتصاعد كلما اقتربت من محافظة كربلاء، فالزائر الذي يقطع مسافات كبيرة سيرا على الأقدام حينما يدخل المدينة ينتظر وصول باصات حكومية تحمل لوحات كتب عليها (نقل الزائرين مجانا) لنقله الى داخلها، لكن في هذا العام تلك الباصات لم توجد في أماكنها المعتادة، لتضاف معاناة اخرى للزائرين سببها “الاخفاق الحكومي”، وبعد مسير لأكثر من كيلومترين عثر على الباصات تقف في مكان يقال انه “مرآب” لكنه في الحقيقة ساحة متروكة تفننت مياه الامطار برسم المستنقعات فيها، المفاجأة لم تنتهي هنا فالباصات المجانية لم تعد مجانية وأصبح على كل زائر دفع 500 دينار كمساعدة لميزانية الدولة.
قد ينتقدني البعض ويحاول اخرون اتهامي بعدم الانصاف، لكن ياسادة ماشاهدته خلال زيارة الأربعين من “غياب النظام” وعدم اتخاذ اي اجراءات حكومية تضمن انسيابية “الزيارة المليونية” يتطلب موقفا جديا “لوضع النقاط على الحروف”، فعدد الزوار الأجانب لهذا العام تجاوز الأعوام السابقة وخاصة من ايران وباكستان ودول شرق اسيا، في حين كانت الأزمة والعقوبات الاقتصادية وانخفاض مستوى التومان امام الدولار واضحة على الزوار الإيرانيين، وهو ما جعلهم يفترشون الارض ويتخذون من المواكب أماكن للنوم، لتضاف بذلك “مشكلة” اخرى، حتى ان منتسبي القوات الامنية المسؤولين عن تفتيش الزائرين اصبحوا لا يميزون بين الزوار الأجانب والعراقيين بسبب كثرة الأجانب وعدم انتضامهم.
لكن اكثر تلك المشاكل والتي تتجدد في كل عام هي “عودة الزائرين” الى مناطقهم، فمنطق العقل يقول ان “الزائر الذي يصل كربلاء سيرا على الأقدام” ينهي الزيارة ويعود بوسيلة نقل، لكن هذا الامر اصبح “حلما لا يمكن تحقيقه”، وخاصة حينما نعلم ان الزائرين العائدين لهذا العام قطعوا مسافة 30 كيلومترا قبل ان يصلوا الى اقرب وسيلة نقل، ورغم جميع تلك “المصائب” خرجت علينا وزارة النقل لتخبرنا ان خطتها بنقل الزائرين كانت ناجحة.
الخلاصة… ان حل جميع المشاكل والإرباك الذي تشهده الزيارات المليونية لا يتطلب سوى اجراءات بسيطة تتعلق بإصدار تعليمات تحدد نسبة معينة للدولة التي ترغب بمشاركة مواطنيها في الزيارة، على ان يتم وضع شرط يمنع المشاركة في الزيارة لعامين متتاليين للمواطن ذاته، وهو اجراء تفعله البلدان التي تضم الاماكن المقدسة والسعودية ليست ببعيدة، وإيجاد طرق بديلة تسلكها الباصات او الزائرون سيرا على الأقدام، تجمع كلفتها من الاموال التي تنفق خلال تلك المناسبات… اخيرا… السؤال الذي لابد منه.. 15 مليون شخص شاركوا بزيارة أربعينية الامام الحسين (ع)، اقل من نصفهم اجانب.. اين ستذهب العائدات المالية المستحصلة منهم؟…