18 ديسمبر، 2024 9:12 م

قبل صعود وتيرة الكلام الكبير والحساس عن داعش، وقبل أن تمطرنا وسائل الاعلام بأخباره ونشاطاته المربكة، وعودته الى ممارسات ما قبل سنة 2014، في المناطق الرخوة التي تعاني من الفراغ الأمني والعسكري والإداري، وإحتمالات إعادة تلك المناطق الى المربع الاول. كنا نعلم أن النصر المزعوم الذي أعلنه حيدر العبادي على داعش كان (كذبة كبرى). وأن سياسات تفويت فرص التقارب والتحريض و العنصرية و الطائفية وتقطيع اوصال النسيج الإجتماعي وحالات سوء الظن و عدم الثقة بين المكونات، تؤدي الى تقويض العلاقات المستقبلية والإبتعاد أميالا عن التعايش المشترك والآمان والإستقرار.

عندما أعد حيدر العبادي العدة للإستمرار في ممارسة الألعاب، وأعلن (وهم ) النصر على داعش الذي لم يكن سحابة صيف عابرة، بل ايديولوجية ترتكز على العنف والتدمير والقتل، وأضافت مآزق كبيرة ومشاهدة مؤلمة على المشهد العراقي، شكك الكثيرون في مصير الدواعش الذين كانوا موجودين في الموصل، وكذلك الحال بالنسبة لتلعفر والحويجة. وسألوا:

هل ذابوا في الصحراء وأصبحوا رمالاً؟

كان طريق انسحاب المقاتلين مفتوحاً، تسهيلاً لمجريات المعركة، أو وفق مهزلة الإتفاقات بين التنظيم وجهات معينة، لذلك توجه قسم منهم نحو عشائرهم وتحولوا بين عشية وضحاها إلى مدنيين يستفيدون من نفوذ وحمايات عشائرهم ومناطقهم. وبعضهم تسللوا الى خارج الحدود ومكثوا هناك لأيام معدودات حلقوا خلالها لحاهم وغيروا ملامحهم، وعادوا الى أهاليهم. أما أكثريتهم فقد إختبوا في المناطق الصحراوية الشاسعة وأطراف الحويجة وبساتينها، ومرتفعات حمرين وقرجوغ وشمال ديالى، أي في المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة الإقليم والتي تسمى بالمتنازع عليها. أما الذي ساعدهم على استئناف حضورهم في تلك المناطق، فهو الفراغ الأمني الذي حصل هناك نتيجة لعمليات خرق الدستور والقانون ضد الكورد وإقليم كوردستان.

قد يكون توقّع مصير أسود وحفلة دماء مماثلة لما حدث في 2014، واثارة الصورة المأساوية المرعبة، استباقاً للاحتمالات وتكبيراً لما يجري على كل المستويات، وغلقاً لنوافذ الأمل، وإضاعة للوقت بفعل الجدل الطويل حول داعش، لكن الحقائق تقول أن :

* التنظيم الذي يعاني في الوقت الحالي من أزمة قيادة، بسبب إختفاء البغدادي أو إصابته بجراح أو موته أو إحتمال سحبه الى جهة آمنة من قبل أجهزة مخابراتية، مازال بانتظار ظروف سياسية وعسكرية تساعده على استئناف حضوره وتجديد نفوذهم والإنقضاض على مدن جديدة. ويهىء نفسه وجمهوره، وبإستطاعته أن يقنعهم بأن الهزيمة ليست في خسارة الأرض التي تركوها ورائهم مليئة بكل الاحتمالات الدموية.

* العراق يعيش أيام وئام غير حقيقية وحالات سوء الظن و عدم الثقة بين قوى مراوغة باحثة عن الإثارة بسبب عوامل وأسباب خفية يخشى الكثيرون التحدث عنها وتنتظر الفرصة للغدر ببعضها، وربما تكون لحظة سيطرة داعش في ليلة ظلماء على مدن أو مناطق لم يسبق لها أن اختبرت داعش، بداية لعمليات جديدة للتضليل ولإبتعاد أميالا عن التعايش.

* عندما يحقق هذا التنظيم المسخ شيئاً جديداً، ويختل ميزان القوى لصالحه في منطقة معينة، وعندما يصبح أقوى عسكرياً ممن يقف في وجهه، سيتدفق عليه الناس وسيعود إلى صلب المشهد محملاً بفتيل إنفجار كبير.

* هناك جهات وأطراف كثيرة تتمنى عودة داعش أو ولادة مسخ جديد، لتستثمره بالدم العراقي في السيطرة على الساحة السياسية والأمنية والإقتصادية في العراق والمنطقة، وفق غيات ومآرب أقل ما يقال عنها ، أنها شيطانية ودنيئة بائسة.