4 نوفمبر، 2024 9:36 م
Search
Close this search box.

ليلة سقوط الجادرية…!

ليلة سقوط الجادرية…!

ليلة متربة؛ ورياح صفراء مخيفة، تضرب تخوم جسر الجادرية ذو الطابقين ببغداد، القلق يساور الداعين في إيران…! ويضع مرجعية النجف في صورة ذلك الحدث، الناس ما بين متوجس خائف، ومتفرج شامت، ومراقب عن كثب، الجميع بمأمن من تلك العاصفة إلا أصحاب القضية..! هل الرياح ستشتت شملهم للضياع وتسقط دولتهم الصفراء..؟ أم ستكون دولة عصرية جديدة تبنى على أنقاض سابقتها، التي أضرت بها معاول سيل التهم بالفساد والفشل..؟

قلقا أقلب الطرف ليلتها، حتى تزاحمت أعقاب السكائر أمامي..! كان الواقع مبهم جداً لا يمكن قراءته بالشكل الصحيح، العاصفة لم تسقط الجسر لتنهي حياة من تحته…! بل ان هنالك ريع وأمل أبقى “المجلس الأعلى” على حاله..! بالرغم من إعلان رئيسه السابق عن دولة أُخرى سيقودها هو بنفسه…! إذن العاصفة لم تبعثر شمل المجلس الأعلى…! بقدر ما صنعت منه دولتان أو مقران على أرض الواقع..! سيتحمل الشعب العراقي وزرهما..! وتبعات وجودهما بالسلب أو الإيجاب..!

لست ميالاً للتكهن، ولست ممن يعتمد ما يعتقده الهوى لأشهر قلمي ساحة الحدث، كنت انتظر الساعة “الثامنة” من تلك الليلة، وما تلاها من خطاب “الحكيم” فلقد فكك الكثير من المعادلات التي عجزت علب السكائر عن تفكيكها في مخيلتي.! “الحكيم” يترجل عن صهوة جواده..! ويضحي بمسمى جهادي وتياري كان يحمل أرث وتاريخ آباءه وأجداده..! ويترك كرسي الخدم والترف، الذي كثيرا ما أُتهم بأنه متمسك به..! فهل الحكيم يحاول أن يصنع نفسه بنفسه بعيدا عن أرث آباءه…؟! أم أراد يثبت للناس حسن نيته وزهده بالأحزاب والتيارات والرئاسة قبال وطنيته ومصلحة بلاده..؟!

جلست لساعات متأخرة تلك الليلة، مع صديق لي يدعى (رية)، وكان الرجل جاداَ جدا..! للوقوف على ما يحصل، كونه لا يصدق فكرة ان يتخلى قادة أحد الأحزاب عن حزبه…! فكيف للحكيم ان يتخلى عن عرشه وإرثه…!
من خلال متابعتي لتبعات ما يحصل في الأروقة، والأسباب التي أبعدت “الحكيم” عن رئاسة المجلس الأعلى، وجدتها تنصب في ثلاث محاور رئيسية و هي:-

• يرى الجانب المتمثل بـ”قيادات المجلس الأعلى” إن من ضمن الثوابت التي أعتمدها “تيار شهيد المحراب” وأقرها من ضمن النظام الداخلي سابقاً، بأن يكون رئيس المجلس فقيها..! وهذا ما يؤمن به الجميع بأنه من الضروريات والمسلمات في ذلك الوقت..! كون مرجعية النجف الأشرف كانت تعيش حالة من الإنعزال والإبتعاد عن قواعد التيار، بسبب الأقامة الجبرية التي يمارسها البعث الصدامي ضدها، أما اليوم يرى “الحكيم” أن الرئاسة بحاجة الى فقه سياسي أكثر مما هو فقه ديني..! ولم يعد من الضروري..! في ضل تطور المرحلة والتحديات، خاصة مع وجود المرجعية العليا وتخصصها بذلك، مع إنفتاحها على الوضع السياسي..!

• يرى الجانب المتمثل بـ”قيادات المجلس الأعلى” بأن تكون هنالك “ولاية فقيه” تمكن تلك التيارات والأحزاب والكتل من العمل تحت ظلها، تجنباً لإنجراف وإنحراف تلك المسميات التيارية عن جادة الطريق، وتلافياً للاختلاف فيما بينها بالهدف وإن اختلف الطريق لذلك، “ولاية الفقيه” بنظرهم تعطي الجادة والأطر الموحدة التي تعمل ضمنها وتحتها، وهذا ما يراه “الحكيم” غير مبرر في الوقت الحاضر، ولا يعبر عن استراتيجية لاستقرار البلد، خصوصا وان “ولاية الفقيه” ارتبطت بمسمى الجمهورية الاسلامية في إيران، وهذا ما لا يتقبله الشركاء من خارج البيت الشيعي، مع الأخذ بالاعتبار وجود مرجعية عراقية في النجف ،يدعو لها “الحكيم” يمكن ان تكون هي جادة الطريق الافضل والأصلح للبلد، مع الاعتراف بأن ايران رجل مرحلة ولا يمكن الاستغناء عن المصالح المشتركة معها.
.
• يرى الجانب المتمثل بـ”قيادات المجلس الأعلى” بأن إنفتاح “رئاسة المجلس” مؤخراً على طبقات المجتمع..! بما ذلك الدور الشبابي الجديد المؤثر في قرارات الهيئة السياسية للتيار، وهذا ما سلب تيار شهيد المحراب قدسيته من حيث المجتمع والدين، مما أدى الى اتساع الهوة والفجوة بين القيادات والجماهير من جهة، والقيادات فيما بينها من جهة أخرى, وهذا ما يراه “الحكيم” بأن يكون من الضروريات تطعيم القيادة وإشراك الشباب لصناعة القرار في الوقت الحاضر..! خاصة بعدما شملت دائرة الفشل جميع التيارات والأحزاب، وبما في ذلك “المجلس الأعلى” ولابد من احداث ثورة، تعطي لتيار شهيد المحراب الحياة من جديد، ويرى “الحكيم” بأن صناعة الشباب هي الفكرة الانسب والأفضل من إعادة تأهيل قياداته المخضرمة ..! للنهوض بواقع تيار شهيد المحراب..!

في تلك الليلة ومع إنتهاء خطاب “الحكيم”، أدركت بأن مدينة الجادرية لم تسقط..! وإنما سقطت تصورات صديقي الجاد (رية)…! وما حصل كان مجرد ريح عاصف، كشفت الستار عن بعض كواليس ما يحصل خلف اروقة الجادرية، رفعت الحكيم بين أكف مؤيديه، بفقاهة سياسية مع الأخذ بما دونها، وبمرجعية عراقية مع احترام ما دونها، والإنفتاح على الدور الشبابي مع التمسك بما دونه، وبذلك يكون “الحكيم” اول رجل يتخلى عن حزبه وتياره، ولطالما اتهمت تلك القيادات بأنها غير مستعدة للتخلي عن أحزابها فالحكيم هنا قاد ثورة جريئة.! نتمنى من كل القيادات ان تحذوا حذوه وان تتخلى عن تلك الوجوه التي اتعبت المجتمع وأفقدت الثقة ما بين الشعب والحكومة..

أحدث المقالات