8 أبريل، 2024 7:56 م
Search
Close this search box.

ليلة العاشر من محرم

Facebook
Twitter
LinkedIn

هذه الليلة كانت تسمى ( الحجة)، لان اغلب الناس لاينامون الى الفجر، وهي ليلة متميزة لما فيها من اطلاق للحريات، لا احد يسأل عن احد، الفتيات يجتمعن في بيوت محددة، ومن ثم يخرجن الى الشارع للدوران في الازقة مع شعر مدهون ومفتوح وثياب بيضاء، واغلبهن تصطحب آلة صغيرة لضبط وزن الحركات التي غالبا ماتكون اشبه بالرقص الهستيري، هذه الآلة الصغيرة تسمى ( دراغ)، كانت ترتدي ثوبا ابيض كعادتها في كل عام، دهنت شعرها ووضعت العطور وتهيأت كالعروس في ليلة زفافها، هي قائدة المجموعة، منذ عشرة ايام وهي تسعى جاهدة لهذه الليلة، هو ايضا هيّأ نفسه، البيت فارغ لا احد فيه، الوالد والوالدة ذهبا الى كربلاء، الاطفال الصغار في الشارع يعودون صباحا وقد صبغ سواد دخان الاطارات المستعملة وجوههم، ارتدى دشداشته البيضاء ووقف في الباب، مر به احد اصدقائه وحاول ان يصطحبه الى مجلس عزاء في المسجد القريب، رفض باصرار واعتذر انه سيذهب الى بيت عمه في ( الاولة)، فهناك يقيمون مجلسا للعزاء، دخل الى داخل البيت كي لايتعرض الى موقف مشابه، الصغار يجوبون الازقة، الضوضاء في كل مكان، انها ليلة احتفالات حقيقية، الاصوات تنبعث من مكبرات الصوت، فقط الرواديد والشيوخ يبكون اضافة الى بعض كبار السن من الذين لم يعد لهم امل في الحياة.الشباب يرتدون اجمل ثيابهم حتى وان كانت سوداء فهي معدة لهذا اليوم، معلومات بسيطة يمتلكونها عن ثورة الحسين اكتسبوها من المجالس الحسينية، الحسين اسم مقدس لدى الجميع، ولايمكن لاحد ان يمس قدسيته مهما يكن من امر، ا وان يخدش اهداف ثورته، لفترة بسيطة كنا نؤمن بان الحسين لو اراد النصر لانتصر، ولكنه فضل انتصار الدين على انتصار آني لايدوم الا لعدة سنوات، مفهوم الثورة لم يكن ناضجا بشكل عميق وواعٍ فهو يتأرجح بين الدين والسلطة والحياة، الثورة تنبثق عندما تكون هناك اعدادات واستعدادات بشرية واجتماعية واقتصادية، وحتى سياسية، بقي يتأرجح بين هذه المفاهيم ويحاول ان يجد له عذرا في مقابلة فوزية، تذكر ابياتا  من الشعر يحفظها حيث يقول الشاعر:
فوالله لولا الله والناس والحيا… لقبلتها بين الحطيم وزمزمِ
كان مترددا يذرع البيت جيئة وذهابا، كيف لي ان اكسر قدسية هذه المناسبة في ذاتي على الاقل، صديقي الشيوعي يردد دائما: ان الثورات جميعها تحتوي على نسب من الفشل الا ثورة الحسين، واكد لي ان هذه الثورة تستحق الاحتفال على الرغم مما صاحبها من مآسٍ كبيرة وصلت الى الابادة الجماعية، واستنتج ان الاحتفال يجوز ان يكون مع صديقتي في بيتنا، ونحن كأناس متحضرين علينا ان نفكر بروح الاشياء ومدى استمراريتها، ولايشغلنا ماتنطوي عليه من مراسيم وشعائر، ربما كان حديثه مقنعا لي وانا على موعد مع فوزية ودقائق وستأتي، عليّ ان ادع الباب مفتوحا وان اقرر جيدا، عزفت بدراغها قرب اذنيه فاستيقظ مذعورا، وهي تردد : (احّاه يدكة كربله وهمها وبواجيها)، مسكها وغاص الاثنان في جو من المتعة والنسيان، فليكن رماد الاطارات المستعملة تنفسنا الوحيد، ولتحترق الازقة بمكبرات الصوت، فثوب فوزية الابيض ربما يشبه الجنة، وعطرها كان عطرا ملائكيا، انتشيا معا، وحاولت الافلات من بين يديه وهو يسمع قرع اخواته على الباب، خبأها وفتح الباب وكانت شعورهن منثورة مثل فوزية تماما ووجناتهن متوردة كتورد وجنتي فوزية، فصمت على لوعة عاشق آخر ينتظر سنة كاملة من اجل ليلة ما.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب