بالأمس قرأت خبرا مثيرا عن توقع موقع أميركي متخصص بأخبار الطاقة بأن يستمر الطلب على النفط خلال العقود القليلة المقبلة تزامنا مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وأشار الخبر من أن العراق – وخلال العقود القادمة – سيؤمِّن الجزء الأكبر من احتياجات تلك السوق، هذا كما ورأى الموقع المذكور آنفا إمكانية نجاح العراق في زيادة معدلات إنتاجه النفطي لأكثر من ستة ملايين برميل يومياً بحلول العام 2020!!.
كلام جميل ومشجع ذاك الذي أشار إليه الموقع الأمريكي بخصوص إمكانية نجاح العراق من إنتاج ستة ملايين برميل من النفط يوميا، إلا أنه ورغم حالة الانتشاء والسرور التي أحسست بها حال قراءتي ذاك الخبر، وحجم الموازنات المالية المهولة المتوقعة التي ستترتب عن تلك الزيادة من إنتاج النفط العراقي، فأن جملة من المخاوف والوساوس المشروعة تلبستني في ظل هدر غير مسبوق لموازنات العراق المالية نتيجة الفساد الذي نخر جسد الدولة العراقية بمختلف قطاعاتها الاقتصادية والخدمية والتعليمية والعسكرية وغياب تخطيط علمي وشفافية في الأداء طيلة السنوات الثمانية المنصرمة، يضاف لذلك تعسر حكومي وبرلماني في إيجاد مصادر بديلة لتمويل موازنة عام 2015 في ظل هبوط الأسعار العالمي للنفط!!.
لقد آن الأوان لحكومة النهج التصحيحي برئاسة الدكتور حيدر العبادي أن تجعل من عام 2015 نقطة شروع حقيقي لانتشال العراق من محنته وتخليصه من تداعيات ممارسات غير مسؤولة أدت إلى تراجع الأداء الحكومي وإلى فشل ذريع برغم الموازنات السنوية الضخمة التي خصصت للأعوام المنصرمة، وصار لزاما عليها أن تضع خططا علمية رصينة – بنوعيها قصير الأجل والطويل – وأن تتبنى دراسات ناجعة من أجل استثمار الريع النفطي في إقامة مشاريع وطنية جبارة تستهدف بالدرجة الأساس النهوض بالواقع الزراعي والصناعي العراقي المتخلف والمتردي، وبالتالي – وكمرحلة تالية – تسخير تلك الامكانيات والثروات جميعا (النفطية والزراعية والصناعية) بشكل يؤمن استقرار البلد ويحقق الرفاهية والحياة الحرة الكريمة للعراقيين جميعا، واضعة في الوقت ذاته نصب أعينها مرارة وبؤس ما نمره هذه الأيام من أزمة اقتصادية كبيرة خانقة يمر بها العراق جراء جملة عوامل تكالبت عليه وعلى أبنائه أولها الفساد وانتشار الارهاب مرورا بانخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياته وقلة انتاجه وتأثير ذلك السلبي على موازنة 2015 مما ستسبب بتعطل قسري لكثير من المشارع النهضوية الهامة!!.
بتاريخ 7/5/2005، وعشية تشكيل الحكومة الانتقالية العراقية برئاسة الدكتور إياد علاوي وأداء أعضائها يمين الولاء للعراق، كنت قد نشرت مقالة في جريدة الزمان تحت عنوان: (الاقتداء بالتجربة الألمانية واليابانية في بث المواطنة وخلق الإبداع) أعلنت بصريح العبارة أننا بأمس الحاجة – إلى حكومة وطنية عراقية شفافة وصادقة تأخذ على عاتقها رسم خط شروع لتجاوز كوارثنا ومآسينا، ولإعادة الثقة من جديد بمفهوم المواطنة وإعادة اللحمة إلى نسيجنا الاجتماعي ( أولا وقبل كل شيء ) مرورا بزرع الثقة في الأنفس اليائسة وإعادة البسمة إلى شفاهنا التي غادرتها سنوات طوال وصولا نحو بناء صرح العراق المتكامل بكافة جوانبه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في ظل ممارسات ديمقراطية شفافة ومبدأ سيادة القانون ( ثانيا )، ولقد تطرقت في مقالي آنف الذكر إلى كوارث شبيهة بكوارثنا مرت بها أمم حية جعلت من مآسيها منطلقا لتجاز محنها ولتحقيق الازدهار والرقي والتسيد، وها هي اليوم مزهوة بما حققته من نجاح واستقرار وبما تمتلكه من قوة واحترام في المجتمع الدولي، ولقد دعوت في مقالي ذاك – ومازلت أدعو بإصرار وتصميم – إلى ضرورة الاقتداء بالتجربة الرائعة التي مارسها وطبقها شعبا ألمانيا و اليابان ( على سبيل المثال لا الحصر ( لتحديد النهج الذي سارت علـيه حكومتا تلك الدولتين المنكوبتين في بث روح المواطنة وخلق حالة الإبداع والتجدد لإزالة الكوارث والنكبات التي مرّ بهما شعباهما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فأصبح اقتصادا بلديهما خلال عقود قليلة ينافـسان اقتصاد موطن ) الدولار الأمريكي) ذاته الذي احتلهما آنذاك!!.
أجل … لنقتبس بتجرد وشفافية و(صدق نوايا !!) من تلكما التجربتين الرائعتين ما يناسب واقعنا وبيئتنا وثقافتنا للنهوض بالعراق من كبوته وخلق أجواء الاستقرار والعمل على رأب الصدع الذي أصاب بنياننا الاجتماعي والاقتصادي الذي ينذر – إن لم نحتط ونحذر وننتبه سريعا – بعواقب الأمور!!.
كلي أمل ويقين أن حكومة برئاسة الدكتور حيدر العبادي قادرة بمشيئة الله تعالى على تجاوز سلبيات المرحلة السابقة، وتحقيق أمل طال انتظاره يتمثل بإصلاح المسار المختل في إدارة الموارد الاقتصادية، وبالتالي استقرار العراق اقتصاديا وأمنيا وسياسيا مما سينعكس إيجابا على حياة المواطن العراقي الكريم.
ورحلة الف ميل تبدأ بخطوة واحدة.