بعث وزير خارجية بريطانيا العظمى (بالمر ستون) رسالة، الى الملك العثماني في أستانبول عام (1840) برسالة خطية، مفادها:(من الواضح أنه سيكون للسلطان التركي مصلحة كبيرة، في أن يشجع اليهود على الهجرة الى فلسطين والإستقرار فيها، إحمل هذه الفكرة سراً الى الحاكم التركي، وأطلب منه بصراحة تامة، على تشجيع يهود أوربا للعودة الى فلسطين)، إنه أمر بالنزوح الى فلسطين وجمع شمل بني إسرائيل المشردين، فبدأ الدم الأحمر يسيل فوق الطرقات، ونامت أسواء مدينة القدس وأكلها الصدأ.
أوهام مشلولة عاجزة عن التكلم بجرأة، ولا تستطيع قطع مسافة من العقل، ليطلق زعماء العرب كما يسمون أنفسهما، صرختهم بوجه يهود العالم وشيطانهم الأكبر أمريكا، وكأن الفروسية ترتجف في داخلهم ولكن ليسوا بفرسان، وما يفعلونه أمام شعوبهم، هو أن يكتبوا للأجيال تأريخاً مزيفاً ليمرروا أكاذيبهم، فما تعيشه فلسطين أو القدس بمعنى أدق، هو كالآتي:(خوف وقتل، وحدة وعزلة، خلافات مستمرة، إنهاء تدريجي للحياة، جيل متعدد المشاكل، تاخر متعمد لحل المشكلة)وكل هذه حقيقة ما يجري على الأرض.
المرشد الإسلامي الأعلى الإمام الخميني(قدس)، أول من إقترح آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، يوماً عالمياً للقدس، عقب إنتصار الثورة الإسلامية في إيران(7/آب/1979)، بإعتبارها حدثاً سنوياً مناهضاً للحركة الصهيونية، وهي بمثابة إعلان للتضامن الدولي، لدعم حقوق الشعب الفلسطيني المسلم، الذي سُلبت أرضه منه عنوة وعلى يد يهود العرب قبل غيرهم، فتعطلت الفتاوى وطويت الكتب، وباتت آخر جمعة في رمضان نداءاً قدسياً يتجدد، ليكون ثورة على الطغيان، بعد أن أُريد للقدس أن تكون في طي النسيان.
لا يعد يوم القدس مناسبة خاصة بالعرب والمسلمين، بل إنه حدث عالمي ليعرف الجميع، بأنه يوم للمواجهة بين المستضعفين، وبين المستكبرين ممَنْ داهنوا على تسليم قلب المنطقة العربية، لأسيادهم من اليهود، والغرب، وأمريكا، بزرع هذا المرض العضال، إنه تذكير بالمنافقين الذين يدعون لمحاربة الإرهاب والإحتلال من جهة، ويقومون بتطبيع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني من جهة أخرى، أمام الكواليس أو خلفها فلم يعد ذلك سراً، لذا يمنعون شعوبهم من إقامة تظاهرات يوم القدس في بلدانهم.
آخر جمعة من رمضان إستذكار حي لقضية وطن، وكأنه جمعة وداع لحدث سياسي مفتوح، أمام كل من المسلمين وغير المسلمين، لرفض إحتلال القدس والدعوة لتحريرها من الظلم والجور، فيومها رمز لتحرير المظلومين من كل أنواع الإستعمار في العالم، كما أنه صرخة حق إزاء الصمت العربي والإسلامي، تجاه محاولات قوى الإستكبار العالمي لتهويد القدس، وتغيير معالمها الدينية والثقافية، وتقسيم فلسطين، فليس هناك مستقبل لوطن ممزق، عليه كان يوم القدس وسيكون، نبراساً إسلامياً مضيئاً يتجدد كل عام.