وعلى الرغم من خضوع العراق الحبيب ، لأكثر من إحتلال أجنبي خلال قرن من الزمن ، إلا إن الشعب الولود لم يستسلم لآفات الجهل ورغبات المستعمرين وأذنابهم ، بل حث خطى التنظيم والنمو في كل المجالات والميادين ، مستلهما مما إحتواه تـأريخ تشريعاته منذ زمن مسلته الحمورابية ، أصالة المنبع في توجيه وتكييف النصوص القانونية إلى مقاصد معانيها ، فكانت بداية عهد الدولة الحديثة في ظل الإحتلال البريطاني ، أكثر نضجا ودقة في التشريع الوضعي ، وأكثر حرصا ونزاهة وإستقامة وأمانة في التنفيذ ، قياسا بما جرى في ظل الإحتلال الأمريكي البغيض للعراق بعد قرن من الزمان ، بسبب السعي إلى تخريب كل شيء بشتى الوسائل والأساليب ، فتعددت منابع وأصول ومواصفات ضعفنا المؤقت ، القاتل لروح المواطنة بالإضطهاد والتنكيل والقهر والحرمان ، والتمييز المخل في منح الحقوق للمواطنين ، وشيوع سياسات التهميش والإقصاء والإجتثاث على أسس الإنتماء السياسي أو الطائفي أو العرقي أو المذهبي الديني ، ليتدافع الناس نحو سيول وتيارات جني المنافع وتحقيق المصالح الشخصية ، والإنزلاق في متاهات طرق ومناهج إستغلال فرصة غياب الدولة والقانون ، بتوجيه من سياسات خارجية دخيلة هجينة ، وأنامل داخلية داعمة للإنشغال بما لا يمت بصلة إلى إستمرار وديمومة العمل المهني في البناء والتطور والنمو الوطني .
لقد كان لفقدان الثقة بين الحاكم الدخيل والمحكوم الأصيل ، وإتكاء الأحزاب والسياسيين على قاعدة ( كلما جاءت أمة لعنة أختها ) ، الأثر البالغ في إستمرار وزيادة حدة دوران رحى طواحن سحق الحقوق والإمكانات المادية والطاقات البشرية من غير خجل أو حياء ، وبدوافع التجرد من الحس الوطني والشعور العال بالمسؤولية التضامنية ، بسبب قصور الرؤية الوطنية إن لم يكن إنعدام المنظور الفكري المهني لدى السياسيين ، وعدم إمتداد آفاق التطلع الواقعي للمستقبل الواعد ، إلى أبعد من حدود حافات مواضع كراسي السلطة ومواقعها ، وما تحققه من مكاسب ومغانم وإمتيازات شخصية آنية زائلة بذاتها وبأصحابها ، إلى حد بلوغ إعتبار الإهتمام بالمردودات المالية من كل شيء وعلى حساب كل شيء ، أولى وأغلى من تحقيق مصالح الشعب ، الذي لم يكن ممثليه ( ديمقراطيا ) بمستوى ثقة ناخبيهم بعد أداء اليمين ، حين تأكد المهتمين والمتابعين لشؤون إدارة السلطات المختلفة ، خواء البعد الإستراتيجي لدى أغلب عناصرها ، وحاجتهم الشديدة إلى معرفة أبجدية الإدارة العامة للدولة وأولويات التشريع فيها ، التي كان من المفروض إستكمالها من حيث توقفت ، برؤى التغيير والإصلاح المثمر على يد متخصصين مهنيين فكرا وممارسة ، وليس على أيدي سياسيين ورجال دين لا يجيدون غير الثرثرة من على منابر أرض الرافدين ، كما غاب عن دعاة التدين السياسي ، المتعطشين لمسك مقاليد السلطات والحكم من غير تأهيل ، وجوب النظر بعين اليقين بأن ( الإمارة أمانة ، وإنها خزي وندامة يوم القيامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) . ومع إن المسؤولية هي كذلك في الدنيا قبل حساب الآخرة ، لعدم وجود من جمع بين أخذها بحقها وأداء الذي عليه فيها ، أو ندرة من تحقق عنده أحد الشرطين من أجل النهوض بالبناء ، وإستكمال العمران إلى حيث التقدم والإزدهار ، إلا إننا لم نجد في معظم صور مسؤولي الأخذ والعطاء المؤطر بأمانة التصدي الإداري ، غير اللاهثين حول مواقع ومغانم السلطة ، وهم يحملون معاول وفؤوس ومطارق الهدم والتخريب العام ، لأنهم لا يظنون بأن جرأة غير المختصين علميا أو غير الممارسين فعليا ، على تولي مسؤولية إدارة التشكيلات الإدارية أو المالية أو الفنية للدولة ، قبل إمتلاكهم الحد الأدنى لما ينبغي توفره فيهم ولديهم من الكفاءة والخبرة العملية التطبيقية ، وإن كان بدعم ودوافع جهات غير مهنية وغير نزيهة ، هلاك لمقومات الدول وأعمدة بنائها ، وهدر وتفريط بصحة وسلامة إدارة أعمال التشريع والمراقبة ، كما إن الإتكاء على الشهادات الدراسية الأكاديمية الحقيقية أو المزورة ، الخالية إختصاصاتها من بذور التطبيقات العملية الأولية لكل ما له علاقة بمهام وواجبات وإختصاصات دوائر الدولة التي يتولون شؤونها ، بدعوى إمكانية التعلم وتسيير الأعمال بالإستناد إلى ما سيقدمه صغار الموظفين من المعلومات ، وبدون إدراك لما سيؤدي ذلك من ضياع فرص التطوير الذاتي والجمعي معا ، وإبعاد لطاقات تحديد وتشخيص نشاطات الإمتدادات المعرقلة لأداء العملية الإدارية ، ومنع تبسيط الإجراءات التنفيذية وآليات تطبيقاتها العملية بأقل جهد ووقت وكلفة ، وإبطال فاعلية النصوص القانونية بإخراجها عن مسارها الصحيح والسليم في التشريع أو التنفيذ ، سعيا لإطالة أمد تمتع الطارئين من المتطفلين على إدارة شؤون الدولة بإمتيازاتها المادية والمعنوية ، من خلال إحتفاظهم بإشغال مراكز ومواقع وظيفية رئيسة إلى أبعد فترة ممكنة ، دون مراعاة المحافظة على هيبة الدولة ومصالح الشعب ، بتبوء تلك المواضع وإعتلاء صهوات مناصبها بإستحقاقات مؤثرة وفعالة نحو الأفضل والأتم ، عند تطبيق بعض التشريعات السابقة ، دون تركها وإهمالها ، ومنها على سبيل المثال :-
1- نص القرار المرقم (190) لسنة 1994، على ما يأتي :- (1)
أولا – على كل مسؤول في الدولة أو موظف أو مكلف بخدمة عامة ، تلقى هدية من جهة أجنبية أو جهة غير عراقية وبأي كيفية كانت ، الإخبار عن هذه الهدية بغض النظر عن قيمتها ، وذلك خلال مدة (15) خمسة عشر يوما من تأريخ تسلمه إياها إذا كان داخل العراق ، و (30) ثلاثين يوما إذا كان خارج العراق ، وتسجل الهدية إيرادا للخزينة .
ثانيا – تعاد الهدية إلى متلقيها إذا تبين بعد أن سلمها أن قيمتها تقل عن (200) مئتي دينار .
ثالثا- يعاقب بالحبس أو بغرامة تعادل أربعة أضعاف قيمة الهدية أو بكليهما ، كل من أخفاها أو لم يخبر عنها أو تصرف بها بأي وجـه من الوجوه مع مصادرتها عينا ، وإن تعذر ذلك فيستحصل منه مبلغ يعادل قيمتها السائدة .
رابعا- لا تسري أحكام البندين (أولا) و (ثانيا) في أعلاه ، على الهدايا الممنوحة كمكافأة تقديرية للممنوحين بها من مصدر أجنبي أو غير عراقي ، عن مساهمة أو مسابقة أو مباراة علمية كانت أم أدبية أم فنية أم رياضية ، أم لأي غرض مماثل لها .
2– نص القرار المرقم (10) لسنة 1996(2) ، على أن ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات ، كل من ظهر في الأماكن العامة ، متخذا حرسا لحمايته لم يتقرر له من جهة مخولة بذلك ، ويعاقب أفراد الحرس بالعقوبة ذاتها ، ولا يحول ذلك دون فرض عقوبة أشد ، إذا كون الفعل المرتكب جريمة أخرى )
3- نص القرار المرقم (24) لسنة 1997(3) ، على أن ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ، كل من ادعى بمطالبة عشائرية ضد من قام بفعل ، تنفيذا لقانون أو لأمر صادر اليه من جهة أعلى ) .
4- القرار المرقم (18) لسنة 1998، المتضمن :- (4)
أولا- يعتبر سارقا ، كل موظف حاز مركبة عائدة لشركة أجنبية تركت العمل في العراق ، ولم يبلغ دائرته بذلك ، خلال مدة ثلاثين يوما من تأريخ نفاذ هذا القرار .
ثانيا- يعاقب كل من خالف أحكام البند (أولا) من هذا القرار ، بالحبس مدة لا تقل عن سنتين.
5- نص القرار المرقم (206) في 27/11/2000(5) ، على ما يأتي :-
أولا- يعاقب بالسجن أو الحبس ، مدة لا تزيد على (7) سبع سنوات ولا تقل عن (3) ثلاث سنوات ، كل من نسب نفسه زورا إلى نسب السادة ، من سلالة الإمام علي بن أبي طالب وذريته عليهم السلام ، أو دخل في شجرتهم ، أو إلتحق بعشيرة من عشائرهم ، أو إنتحل ألقابهم أو أنسابهم وهو ليس منهم ، وتصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة .
ثانيا- يمهل المشمول بأحكام البند (أولا) من هذا القرار ، مدة (6) ستة أشهر من تأريخ نفاذه ، لتصحيح نسبه أو عشيرته أو لقبه إلى نسبه الحقيقي في دائرة الجنسية والأحوال المدنية ، وفي جميع الوثائق والمستندات الرسمية .
ثالثا- مع مراعاة أحكام البند (ثانيا) من هذا القرار ، يمنح كل من أخبر عن إحدى الحالات المنصوص عليها في البند (أولا) من هذا القرار ، مكافأة بنسبة (50%) خمسين في المئة من قيمة الأموال المصادرة .
رابعا-1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (3) ثلاث سنوات ولا تقل عن سنة واحدة ، كل من إنتسب زورا إلى عائلة محددة أو حمل إسمها أو لقبها من غير رضاها ، ولا يشمل ذلك الإنتساب إلى المدن أو المهن .
2- عند حصول النزاع على الإنتساب إلى عائلة محددة بين طرفيين ، فعلى المحكمة أن تتحقق أولا ، من أي منهما أسبق في الإنتساب إلى تلك العائلة ، وتقرر ما يأتي :-
أ- الحكم على المنتحل- بسوء نية بإخفائه إسم عائلته الأصلية- بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذا البند .
ب- إعطاء الحق بالنسب أو اللقب إلى العائلة السابقة فيه .
– ان تفعيل أحكام القرار المذكور ضرورة واجبة ، بعد تزايد أعداد المدعين بالانتماء الى النسب الشريف بعد الاحتلال ، مستغلين تعطيل تنفيذ القوانين ، لتحقيق مكاسب دنيوية لا يقبلها ولم ولن يمارسها أصحاب النسب أنفسهم على مر التأريخ والأحداث ، ولا يوجد على الأرض من يستطع وصف أخلاقهم وسلوكهم وزهدهم ، أو أن يكون على قدر عشر معشار بعض سجاياهم النبيلة والكريمة الحميدة بالتقليد أو بالاتباع ، اضافة الى أن رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال : (( من يبطء به عمله لا يسرع به نسبه)) ، إلا إن الذي حصل هو إلغاء القرار موضوع البحث ، بحجة إخضاع الأفعال الجرمية المتشابهة إلى أحكام متقاربة في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 ، حسب الأسباب الموجبة للتشريع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3535) في 3/11/1994 ، مع ملاحظة تغير قيمة الهدية ؟
2- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3602) في 29/1/1996 .
3- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3664) في 7/4/1997 .
4- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3713) في 16/3/1998 .
5- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية عدد(3856) في 11/12/2000 ، وألغي بالقانون رقم (40) لسنة 2012- المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4241) في 4/6/2012