23 ديسمبر، 2024 3:15 م

ليس غريبا حين يقترب داعش من بغداد

ليس غريبا حين يقترب داعش من بغداد

هناك فرق كبير بين الإشاعة والتوقعات , فحين نستبعد التوقع المحتمل الحدوث أو حين نستبعد الخطر المؤكد عن الوقوع فانه من اكبر الكذبات على النفس , وحين نهمل أحلام الدواعش في دخول بغداد ونقول إنهم لا يستطيعوا ذلك ولا نتخذ إجراءات حازمة للحؤول دون وقوع هذا الاحتمال فانه من أفدح الأخطاء , فشعار ( قادمون يا بغداد ) تم طرحه من قبل البعض أثناء الاعتصامات , وبقي هذا الشعار كأمنية لداعش رغم انه تحول لمحل سخرية للبعض منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم , وحين يدور الحديث عن مدى قدرة الكيان الداعشي على دخول بغداد على وفق الإمكانيات التي بات يمتلكها لأغراض الاستعراض أو دخولها من باب الاحتلال , فانك تسمع العديد من الأصوات التي تدعي باستحالة ذلك وان البعض يطمئنك بأنها مجرد إشاعات , ويأتيك البعض الآخر برأي غريب مفاده بان أمريكا لا تسمح بالدواعش بدخول بغداد , وحين تسأله عن السبب يدعون بان أمريكا من صنعته وتتحكم به وهي لا تسمح بذلك قط .

وبمناسبة الحديث عن الاحتمالات ووقوعها في الحروب , فان نسبة كبيرة من الآراء تصل إلى احتمال أكثر من 90% كانت تعتقد بان أمريكا سوف لا تضرب العراق بسبب دخوله الكويت سنة 1990 , واغلب الأعذار كانت ترجح بإن دخول الكويت قد تم باتفاق الإدارة الأمريكية مع النظام السابق , ورغم إن حقيقة وتفاصيل هذا الموضوع لم تتضح بعد , إلا أن النتيجة إن أمريكا شكلت تحالفا مع أكثر من 30 دولة لضرب العراق في عاصفة الصحراء , وبذلك لم تربح نظرية الاحتمالات حيث تغلبت نسبة اقل من 10% على النسبة الأخرى من الاحتمالات , وقبل 2003 عاش الكثيرون بحلم إن أمريكا لا تضرب العراق مرة أخرى , وقد تم بناء هذا الرأي على الاحتمال , لدرجة إن البعض ممن كانوا يعملون بما يسمى في القيادة , صرح بان نسبة ضرب أو عدم ضرب العراق هي 50% , وقد استطاعت أمريكا من دخول واحتلال العراق لان الجماعة اعتمدوا على الاحتمالات .

ولكي لا تتكرر الأخطاء ويعيش البعض في أحلام الاحتمالات , فان القضية اليوم لا تتحمل أي احتمال فهدف الدواعش هو دخول بغداد بأية طريقة ممكنة , وهذه الحقيقة يجب أخذها على محمل الجد والاهتمام بها وجعل العيون المحبة لبغداد والعراق ساهرة ليلا ونهار , ويجب أيضا عدم التعويل على الآراء والتوقعات الأمريكية لان البلد بلدنا والأمريكان لديهم الأعذار في تبرير أية خسارة للعراقيين , وفي هذه المرة قد أحضروا عذرهم فهم يرددون إن أي خروج عن النصائح و(الاستشارات ) الأمريكية هي التي تحدث الخسائر بالعراق , ونصائح الأمريكان ما هي إلا ( مجرد كلام ) فبعد التحالف الدولي الذي ضم أكثر من 62 دولة لم يقبض العراق سوى تقييدا في استخدام قواه الذاتية والتنصل عن تنفيذ اتفاقيات التسليح الموقعة معها والمدفوعة جزءا من أثمانها مقدما , وباجتماع عوامل الانقسام الداخلي والتنصل العربي عن تنفيذ أية التزامات , وتنوع التبريرات الأمريكية المليئة بالتنظير , تفتح مزيدا من الثغرات والابواب التي يمكن أن يستغلها الدواعش لإيقاع اكبر الخسائر بالعراق والعراقيين من خلال السعي لدخول بغداد .

ودون أن يكون الغرض هو إثارة القلق للبغداديين , فان من المفترض أن يستثمر القلق بهدف إيجاد السبل الكفيلة لأية محاولة تعرض صغيرة كانت أو كبيرة , لبث اليأس والخوف في قلوب المعتدين وليس السكان , والخوف عندهم يتم من خلال الضرب بكل قوة وبيد من حديد , ويتطلب ذلك أن تكرس جزءا مهما من الإمكانيات لحماية بغداد من هجمات الدواعش حتى وان كان الموقف( جيدا جدا ) من وجهة نظر المعنيين , كما ويجب الاعتماد على مصادرنا المحلية في المعلومات وليس انتظار الإشارات من المصادر الأخرى , فالعيون والقلوب والصدور يجب أن تكون مفتوحة على احتمال تقرب العدو ورصد تحركاته وليس على افتراضات مطمأنة أخرى وخارج الواقع , فالقضية لا تتحمل احتمالات ومجازفات , لان الانبار لا تشبه الموصل في الجغرافية والقرب عن بغداد , وفي أخطار بهذا المستوى في القرب من العدو فان القائد العام للقوات المسلحة بات يمتلك كامل التخويل الرسمي والشعبي في حماية بغداد , بما في ذلك تكليف الجيش والشرطة والحشد الشعبي وعموم المواطنين للقتال دفاعا عن بغداد , لان لبغداد معاني عميقة في الحفاظ على الوطن من السقوط , ومن المهم أيضا ضبط الإشاعة والاستخدام الوطني لوسائل الإعلام لكي تكون بغداد هي بداية النهاية أو النهاية الفعلية للدواعش , لا بالشعارات والأمنيات وإنما من خلال إثبات الوطنية بالقتال والتضحية والتوحد والترفع عن كل الخلافات .