23 ديسمبر، 2024 9:03 ص

النفس البشرية هي انعكاس لما في داخل الانسان من خير أو شر فهي الصورة الداخلية الحقيقية للروح تتأرجح بين الحدين وان كانت على الاغلب أمارة بالسوء أكثر من الخير كما ورد في الاثر (أن النفس لأمارة بالسوء ألا ما رحم ربي).فالمؤمن الحق قادر على تطويعها فتنساق له على السجية والفطرة التي جبل الله الناس عليها، من هنا فأن الشرط الاساسي في المعادلة هو الايمان الحقيقي الراسخ والذي ينعكس على شكل سلوك ومشاعر واخلاق وهذا النوع من البشر في العموم قلة كالانبياء والأولياء والصالحين ومن صلحت سريرته وسما باخلاقه عن الرذائل والسقوط في شراك الفحش والبغي والحرام .فالامر ليس بالسهولة التي نعتقدها بل يحتاج الى شجاعة ومجالدة وصبرعلى الشهوات والملذات والغرائز الضاغطة على الجسد الانساني وبالتالي لا يوجد شكل محدد لمثل هذا النوع من البشر فهم ناس عاديون فقراء كانوا او اغنياء الذي يميزهم السلوك القويم النابع من الجوهر الداخلي للانسان وهذا ما اجمع عليه كل الفلاسفة العرب وغيرهم .

والغريب ان الواقع الحالي الذي نعيشه يعكس سقوط الكثير ممن يقفون وراء عناوين دينية وعلمية وادبية وفنية تخصصية كبيرة في مستنقع الفساد والحرام وحب الدنيا على حساب قيمتهم العلمية وعلى حساب ظلم الاخرين وكأن الاتساع في الدين والعلم والادب لم يكن مدعاة لتحصين النفس وهذا ما تفرضه القاعدة العامة (ان السلوك انعكاس لمستوى الوعي ).

حسناً لندع هؤلاء الذين يحسبون علية المجتمع (الواقع انهم في الشكل والمظهر فقط) ولنلتفت الى الناس العاديين من البسطاء والفقراء ممن يتجرع مرارة الحياة وبؤسها وشقاؤها وصعوبة الثبات على القيم والمبادئ أمام ضغط المتطلبات الدنيوية المغرية كما قلنا وبالوقت الذي يامر الله عزوجل في قرأنه وأحاديث رسوله الكريم بالعدل والانصاف والمحبة والتعاون وايتاء ذي القربى والكثير من الصور السلوكية التي تشكل بمجموعها مجتمعاً فاضلاً يسمو على الرذائل والدونيات تجدهم في واقع الامر عدوانيين يتصارعون على ماديات الحياة وتوافهها يقفون على ابواب اصحاب الجاه والمال والسلطة يريقون ماء وجوههم وينزلون بانفسهم الى الدرك الاسفل من أجل منح وأمتيازات على حساب حقوق الاخرين وهم في ذلك فرق ومجاميع وأحزاب متصارعة واكثرهم ضراوة في هذا الصراع الفقراء على العكس تماماً عن ما ورد في الحكمة التي تقول (أن أفتقرت فلا تحدث الناس كيلا ينقصوك قدرك ولكن اسال الله تعالى من فضله) .ومن الطريف أن ننقل عن العباس (رض) عم الرسول (ص)مقولة قريبة لسياق الموضوع حيث يقول : (الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس وهو عندهم أعذب من الماء وارفع من السماء واحلى من الشهد وازكى من الورد ،خطئه صواب وسيئاته حسنات وقوله مقبول يرفع مجلسه ولا يمل حديثه والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب واثقل من الرصاص لايسلم عليه ان قدم ولا يسال عليه أن غاب أن حضر أردوه وأن غاب شتموه وأن غضب صفعوه مصافحته تنقض الوضوء وقراءته تقطع الصلاة ) …ترى ما السبب في كل ذلك ؟ الجواب لدى أصحاب القلوب والعقول النظيفة.