23 ديسمبر، 2024 6:21 ص

ليست من قصص الخيال اللاعلمي

ليست من قصص الخيال اللاعلمي

تحت سماء الجحيم-1
“من يخفي مرضه لا دواء له”
 مثل حبشي
“إذا أكل الملك التفاح من حديقة الرعية فسوف يستأصل وكلاؤه كل أشجار التفاح في الحدائق”
سعدي شيراز
 
اوقفت سيارة تكسي  نوع لوكَان صفراء وكانت بلا ارقام, يقودها شاب في  العقد الثالث حنطي اللون يتكلم بهدوء وتوءدة وجهه وضاح وثغره باسم مع بعض سمرة الجنوب العراقي وطيبته وهو يرتدي ملابس متواضعة, لم تكن العين تخطيء دماثة اخلاقه التي تشي عن تواضع وهدوء قد يكون نادرا في ايامنا هذه وكلام خفيض لم يتضمن أي اساءة لاحد, لم يطلب الشاب ثمنا عاليا للاجرة كما يطالب البعض… لا اولا ولا اخيرا ربما عبرت تلك عن قناعة غريبة عن هذا المحيط.
كانت زجاجة الباب مرتفعة قليلا وبحثت عن زر او عتلة لاخفضها ولم ارها..لاحظ ذلك وانزلها من زر يقع في منتصف الدشبول… وكم تشعر بالتقدير لمن ينتبهون الى من معهم ويقدرون مايريد قبل الكلام… فالعلماء يقولون ان اللغات الانسانية تتضمن تكرارا كبيرا غير مطلوب لايصال المعلومة المفيدة يسمونه (redundancy).
مررنا عبر الخط السريع وهو يسير بسرعة متوسطة لابطء فيها ولاتسارع, قال بعد قليل سيبدا الازدحام على السريع لان هناك دائرة مهمة هنا يقومون امامها بقفل الشارع او امرار السيارات ببطء… قلت له أي سريع هذا الذي يحدث فيه ازدحام …ضحك وقال لانجد هنا شيئا يشبه الاخرين ثم اردف:
ان احد الشيوخ-رجل كبير السن- كان يقود سيارة فاوقفه هنا احد رجال المرور وفتشه تفتيشا كاملا ولم يجد أي نقص لديه من السنوية والهوية وارتداء حزام الامان فظل يلج معه حتى اكتشف ان ليس لديه مطفئة حرائق فساله ” وين مطفئة الحرائق” قال الشيخ ” ماعندي” قال ” لماذا” قال ” اني اريد احتركَـ (احترق)  انت ياهو مالتك” قال ” ميصير حجي” قال “كَول (قل) اريد ارويج (فطور) بويه” قال ” حجي موعيب” … اعطاه الشيخ 5 الاف دينار بدلا عن الغرامة التي تبلغ ربما 30 الف.
ضحكنا على تلك القصة التي تمثل احدى المستويات الدنيا من مستويات الفساد في البلد, نظر الي وقال اعرف رجلا طلب اللجوء في امريكا منذ 8 سنوات وحصل على الجنسية بعد الاقامة وقبل ان يحصل عليها حدثني بقصة وقعت له هناك .. كان لديه جار فوقه كثير الحفلات والعربدة بعد 12 ليلا فلم يطق صبرا, وفي احد الايام اتصل بالشرطة التي هرعت له ووجدت الحال كما قال فقدموا عائلة جاره الى المحكمة واستدعوه فوجد الامر مهيبا وحدث نفسه انني مهاجر وهولاء اهل البلد فلماذا ورطت نفسي بتلك المشكلة .. ولم يتفاجا الا بسؤال القاضي له بعد ان اكد له ان هولاء مذنبين في ازعاجه …هل تريد الصفح عنهم؟ … وبالطبع وافق غير ان المحكمة اصدرت حكما على جاره بغرامة الف دولار  وان يترك المنزل .. في اليوم التالي طرق الباب واذا باحد الاشخاص يحمل باقة ورد من المحكمة مع مبلغ الف دولار مع كلمات شكر لانه صفح عن جاره…
قال انظر في العراق ماذا وقع لي … في عام 2008 في شهر تموز وفي اربعاء دامي فجرت وزارة المالية … واحد المصابين لم ينتظر قدوم الاسعاف فركب سيارته وانطلق للمستشفى من التقاطع الى الشارع الذي يدخل السريع  – رونك سايد وهو مستعمل لليوم (بكفاءة)- ولما دخل السريع فارق الحياة فعبرت السيارة الى الجهة الاخرى المعاكسة ولم اشعر الا وسيارة تصدم بي وكنت مارا باتجاه شمال بغداد وفقدت الوعي, ولم افق الا بالمستشفى وانا مصاب باضرار خطيرة في جسمي… جيء لي وقيل “لقد قتلت احد الاشخاص” !!!… ومن ثم سجنت في الصليخ …. بعد ان شرحوا جثة القتيل تبين انها ملاى بالشظايا … وجيء بمخطط المرور فتبين خطا القتيل 100% ولكني بقيت بالسجن ومكثت فيه شهرين….اذن فالرجل شهيد وانه توفي مما تسبب في عبور السيارة الى الجهة الاخرى المخالفة فعلام ابقى في السجن؟!!!…
قال: بعد شهرين استدعاني القاضي – في محكمة الاعظمية- وقال “تريد تطلع من السجن مو… باوع هذا القتيل ابن عمي واذا اردت الخروج لازم تفصل اهله”… قلت له ان الرجل شهيد وهو عبر علي فلماذا افصل ولماذا ابقى في السجن, رد عليه “انجب ولك”….
بدافع الفضول والاستغراب – من كلام رجل يفترض فيه معرفة القانون والايمان به وبروحه ..  ومن كلام اسمعه لاول مرة من قاضي عراقي – ففي العادة يتصرف بعض القضاة او قلة منهم حسب اهوائهم ولكن قد لاتصدر عنهم اشارة خطيرة بهذا الشكل-…سالته من أي عشيرة هذا القاضي؟!!!  قال “عزاوي” وانت- قال كريشي “قريشي”.
قال: عدت للسجن لامضي فيه شهرين….كان السجان ” عزاويا” فعانيت المر منه.
قال…ذهب اهلي لاخذ عطوة ومن ثم للفصل قالوا لهم ان قطعة النعي تتحدث عن ان ولدكم شهيد فكيف نفصل شهيدا قالوا ” ماعليكم هذا شغل الحكومة” … ثم فصلوهم ب 50 مليون دينار, وعلى الرغم من ذلك فقد اخرجني القاضي بعد اللتي واللتيا بكفالة ومازالت القضية مذاك في المحكمة ولم تنتهي على الرغم من  تنازل اهل الشهيد عن القضية بعد الفصل.
اردف, في السجن بدات اصاباتي تسوء وكانت في قدميً على الاغلب وقد شارفت على الهلاك بسبب عدم وجود الرعاية الصحية ولما ايقنوا اني قد اهلك ارسلوني الى مستشفى مدينة الطب مع شرطي وهناك رفض الطبيب الذي ارسلوني له ان ابقى في المستشفى متعللا بعدم وجود مكان!! حسب زعمه على الرغم من خطورة اصابتي… ولم تنفع معه كل محاولات التوسل … قال رغبت في التحقق من هذا الطبيب فظهر انه “عزاوي”!!….
استغربت جدا من وجود مثل هذا التنسيق العالي المستوى بين اطراف العملية (السياسية) عفوا العملية العشائرية وشدة تاثيرها في المجتمع ومن اطراف على مستوى عالي من التعليم والمسؤولية!! فما عسانا نقول عن الجهلاء وغير المتعلمين!؟….
قال خرجت من باب المستشفى وبكيت على حالي فقال له الشرطي “والله لن اعود بك الى السجن”… اخذني الى اهلي وقال انت هنا وساعلم السجن انك في المستشفى واني معك وليحدث مايحدث!!..
هنا في هذا المقطع المثير اوقفتنا سيطرة على جسر لعدم وجود ارقام في السيارة وامروه بالاستداره والعودة (فقط) فنزلت وقلت له عند باب السيارة وانا متلهف لمعرفة نهاية القصة ورجال الامن يسمعون,” كيف عدت اذن للسجن هل زوت كتابا, قال “نعم”” ومضى.