23 ديسمبر، 2024 2:37 ص

ليبيا … بوابة داعش على أفريقيا و أوربا..

ليبيا … بوابة داعش على أفريقيا و أوربا..

فيما لازال قادة التحالف الغربي يخفون رؤوسهم مثل النعامة في الرمال ، و يكتفون بتصدير مزيدا من الأكاذيب إلى الرأي العام العالمي عن انتصارات وهمية في حربهم ( الجوية ) ضد داعش ، يواصل داعش التمدد ، مثل حمم بركانية ، في كل الفجوات التي سببتها حماقاتهم !

في ليبيا ، تمدد تنظيم داعش اثر الفوضى التي سببها التحالف الأمريكي – الأوربي- العربي – الاخواني ضد نظام معمر القذافي . ومع كل يوم يمر ، يلتهم تنين داعش منطقة أخرى في ليبيا . وهي بالنسبة لإستراتيجية التنظيم في التمدد ، تعتبر الخاصرة الرخوة و الجبهة الأسهل لعدة أسباب منها ضعف المقاومة التي تواجهه و لعدم وجود حاضنة شعبية ترفضه ولا نظام قوي يقف بوجهه . فلا يوجد في جوار ليبيا دولة قوية بمستوى إيران مستعدة أن تتدخل بكامل ثقلها لمواجهته و ظلت كل المحاولات التي بذلتها مصر ردا على عمليات ذبح مصريين أقباط بعمليات قصف جوي محدودة التأثير ، فيما اكتفت الجزائر بإعلان حالة الإنذار القصوى أما تونس ، فبقيت مثل ملاكم متقاعد تتلقى على أرضها ضربات الإرهابيين المتدربين ليبيا !

لا يوجد في ليبيا مقاتلين عقائديين ( مثل الحشد الشعبي) يمكن أن يواجهوأ التنظيم حتى الطلقة الأخيرة ، ولا أقليات دينية يمكن ان يتعاطف معها العالم نتيجة جرائم داعش ، ولا نظام قوي مثل نظام بشار الأسد بعد أن حطم الناتو وثواره ومفتيه القرضاوي نظام القذافي. ليبيا اليوم هي البيئة المثالية لسرطان داعش الذي ينتشر فيها انتشار النار في الهشيم ، بعد أن خربها التحالف العربي- الغربي ..!

بايعت بعض المليشيات الليبية خليفة داعش طوعا ، وهي كلا من أنصار الشريعة و شباب شورى الإسلام ومجلس مجاهدي درنة ، أما المليشيات الليبية الأخرى ، فستكون مخيرة بين الموت بحد السكين المزخرف بالفتاوى أو البيعة كرها على خطى صحوات العراق و معارضات سوريا.

وتنظيم أنصار الشريعة هو تنظيم إسلامي تابع لتنظيم القاعدة فكريًا ومتهم بعملية إحراق السفارة الأمريكية في طرابلس و قتل السفير. وهو لا يؤيد المؤتمر الوطني العام ولا الحكومة التابعة لمجلس نواب طبرق، لكنه يقاتل ضد قوات اللواء حفتر .

استطاع تنظيم داعش وبسرعة لافتة للنظر من السيطرة على عدد من المدن والمناطق الليبية. فقد سيطر في البداية على مدينة درنة ( يقارب عدد سكانها 100 ألف نسمة ) تقع في شرق ليبيا قريبة من الحدود المصرية التي يعتنق اغلب سكانها الفكر السلفي ، على اثر بيعة مجلس شورى مجاهدي درنة لخليفة داعش في يوم 19/ 10/ 2014 و أعلن خلالها عن إنشاء محكمة شرعية ونصب عليها واليا عراقيا و شرطة إسلامية وهيئة حسبة و بدا بتنفيذ الإعدامات في الساحات و الملاعب الرياضية .

في يوم 11/2/2015 سيطرت داعش على أجزاء كبيرة من مدينة سرت وأصدرت بيانا من إذاعتها طالبت فيه سكان المدينة بمبايعة البغدادي ، وسيطر على مطار القرضابية الاستراتيجي ، فيما فرت من أمامها مليشيات فجر ليبيا بسرعة البرق.

كما ترزح مدينة صبراتة الواقعة غرب طرابلس تحت نار داعش و كذلك هو الحال في مدينة صرمان. و بالأمس سقطت مدينة هراوة بدون قتال بيد داعش وتم ذبح عدد من أبناء المدينة

وسط صمت لاهلها مشبع بنكهة الخوف .. وفي منطقة النوفلية المحاذية شرقا لمصراته طالب داعش السكان بإعلان البيعة للبغدادي …

وهو بذلك يستفيد من ليبيا بصورة فريدة أكثر من استفادته في العراق لعدة أسباب :

1. الطبيعة البدوية لسكان ليبيا وانتشار الوهابية بينهم على حساب المذهب المالكي الذي بدا ينحسر هناك ويتلاشى ، تشجع على سرعة انتشار الظاهرة الداعشية بسرعة البرق.

2. المساحات الصحراوية الشاسعة التي تضمها ليبيا توفر لداعش اكبر معسكرات التدريب في العالم و أكثرها أمنا وبعدا عن الخطر ، فلا شيعة يهددون داعش و لا جيش نظامي و لا قوات دولية لديها الاستعداد للتورط في رمال ليبيا . هذه المعسكرات تمثل المكان الأنسب لتدريب القوات الخاصة الاحتياطية لداعش ، مثلا هناك أربعين ألف مراهق عراقي من الموصل و سوري من الرقة و أجانب من كل دول العالم يتدربون الآن في ليبيا بعد آن تم نقلهم من خلال مطارات السيد اردوغان إلى طرابلس. تقع أهم معسكرات التدريب في مدينة درنة حاليا ، لكن هناك سعي حثيث لإنشاء معسكرات في مناطق الصحراء الجنوبية المهجورة و تجنيد متطوعين مراهقين وأطفال على غرار تجربة تنظيم فتيان الجنة في العراق و سوريا

3. قربها من سواحل أوربا يفتح شهية الخليفة الداعشي لفتح أبواب الجحيم على أوربا سواء من خلال المهاجرين عبر البحر أو من خلال العمليات الإرهابية ، و يستطيع المناورة في هذه الورقة لتهديد أوربا أو على الأقل مساومتها على أمنها مقابل مستعمرته الليبية ، فمدينة درنة مثلا تبعد ا تبعد فقط نحو 200 ميل عن الشواطئ الجنوبية لأوروبا. و مخاطر قرب داعش من اوربا عديدة، منها مثلا القرصنة ، او ارسال زوارق شحن مفخخة، او فتح موجات كبيرة من قوافل المهاجرين الافارقة غير الشرعيين باتجاه اوربا ، وزج عناصر التنظيم من انتحاريين وانغماسيين وامنيين واعلاميين و مناصرين للتنظيم بينهم.

4. وفرة النفط في ليبيا تجعله يحافظ على ثراء تنظيمه بصورة فريدة ، فيستطيع التواصل مع كل مافيات تهريب النفط ليحصل على التمويل و السلاح بأريحية مطلقة. وقد تجلت تلك الرغبة بمحاولات حثيثة للسيطرة على حقول النفط ومنشاته، ففي يوم 13/2/2015 دارت اشتباكات عنيفة بين قوات حرس المنشآت النفطية و داعش جنوب غرب ميناء السدرة، الذي حاول السيطرة على حقل الباهي النفطي. واقترب من ميناء السدرة النفطي، حيث وصل إلى منطقة النوفلية التي تبعد 60 كيلومترا عن الميناء.

حتى اللحظة استولى داعش على حقل المبروك النفطي جنوب مدينة سرت فيما لا تزال منطقة الهلال النفطي هدفا له ، حيث تحوي المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى احتوائها على مرافئ السدرة ورأس لانوف والبريقة …

5. الروح القبلية السائدة في ليبيا و حالة الثارات بين القبائل اثر الحرب الأخيرة ، و وجود حالة من النقمة لدى القبائل المحسوبة على نظام القذافي التي كانت تهمين على البلد سابقا ستوفر لداعش نفس البيئة المتذمرة التي نشأت بعد سقوط نظام صدام حسين. ومن خلال متابعتنا وجدنا ان اغلب قبائل أولاد سليمان انضموا لداعش ثأرا لما حدث للقذافي و أتباعه ، بالإضافة إلى السخط العام من الوضع السياسي و الأمني المنهار في البلاد.

6. حالة الانهيار الأمني و عدم وجود مؤسسات دولة تؤدي إلى توسع نفوذ داعش المعروفة بإدارياتها الحازمة و خدماتها العامة ، ففي ليبيا توجد أكثر من 30 مليشيا مسلحة تتقاتل على النفوذ .

7. إمكانية التمدد من ليبيا إلى الصحراء الأفريقية و الالتقاء ببوكو حرام في نيجيريا وكتيبة المرابطون و التوحيد والجهاد في مالي ، و الموقعون بالدم و تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في الجزائر و التنظيمات الأخرى في بقية دول أفريقيا المسلمة ، و تأثيرات ذلك على كل من تونس و الجزائر و مصر .

أن انتشار داعش في ليبيا جاء كنتاج للتحالف الأمريكي – الأوربي – العربي … و هو مصير معظم الدول و المجتمعات العربية إذا لم تنتبه إلى خطر داعش و فكره الوهابي .. ليبيا هي مصير كل من يعتمد على ثنائية الناتو – الخليج ! يهدد داعش مصر من جبهتين ، من الشرق حيث ينشط في ولاية سيناء اغلب التنظيمات الإرهابية مثل أكناف بيت المقدس التي بايعت التنظيم ، و أنصارها في غزة الذين يشكلون أيضا تهديدا على حركة حماس ولو بعد حين ، بينما يهددها من جهة الغرب عن طريق درنة الليبية واحتمال تمدده إلى الحدود المصرية. كما توجد في داخل مصر خلايا داعشية نائمة تنتظر ساعة الصفر لإحراق البلاد ، لكن ما يؤخر ذلك قوة الجيش المصري و مهنية الجهاز الأمني المصري وتراكم خبرته في التعامل مع الحركات المتطرفة .

تشكل ليبيا حاليا اكبر معسكر عالمي لتدريب المتطرفين وجذبهم ، تأثيرات الوضع الليبي تؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في كلا من مصر و تونس والجزائر ، و تلتقي مع انفتاح الصحراء الليبية على أفريقيا لتتحد داعش ليبيا مع بوكو حرام نيجيريا في موقف مشابه لإلغاء الحدود بين العراق وسوريا. تمتلك كلا من مصر والجزائر خبرة فريدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية و أجهزة الأمنية محترفة، ستكون تونس هي الخاصرة العربية الأضعف في مواجهة داعش. كما ستظل داعش ليبيا تهديدا مستمرا على الأمن الوطني العراقي حيث تقوم برفد التنظيم بأموال النفط و التسليح و التدريب و التهيئة ، ليبيا تمثل خلفيات القوى الداعشية و لازال التنقل مستمرا بينها وبين مناطق الخلافة الداعشية في العراق وسوريا عن طريق مطارات الخليفة اردوغان. لذلك يجب علينا جميعا ، كعرب ومسلمين و غيرهم ، التحرك معا لوقف تمدد داعش ، فكما أن هناك حسنات لتحول العالم الى قرية معلوماتية صغيرة ، فان هناك سيئات قاتلة ، تتمثل في تأثرنا باي حدث امني في أي دولة من دول المنطقة .