22 ديسمبر، 2024 11:18 م

لو نسيَ البذّار مكان البذور التي بذرها يوما ًسيدله المطر الى مكانها

لو نسيَ البذّار مكان البذور التي بذرها يوما ًسيدله المطر الى مكانها

وإذ حديث مقالنا حول حاجة مجتمعاتنا الى الاصلاح,ليس من سبب او تفسير لتلكؤ ثقافة المعالجه سوى أن الإبداع يشكل مصدرخوف وإحراج لدى الكسول الذي اعتاد الرتابة والروتين في زمن نحن فيه شهودعيان على شعوب تجاوزت عوامل تخلفها فتطورت وبنت ذاتها ,بينما المسماة بالثوابت المبجلّه جعلت منا حملانا وديعه بل نعاجا طائعه لمن يود حلبها,لافكر نهضوي يحرّك الإرث الراكد ولا إراده تعطّل تناسل الاختلافات تاركين الحبل على غارب من يفكر بدلامنا ويعمل بإسمنا ,فيصبح شحذ المجد من سالبيه نهجا للشاطب على نفسه بعد شطبه على نهضات الغير.
“من خلال دراسه قام بها الباحث جوردان غرافمان من جامعة نورث ويست الامريكيه, ظهرأن زيادة نسبة الأصوليه والتعصب الديني سببها خلل عضوي في المنطقه الدماغيه التي تتحكم بزيادة ونقصان نسبة المرونه المعرفيه لدى الانسان , لذا نجد ان البعض غير قادرعلى تحديث وتطوير وضعه الايماني في ضوء معطيات وأدله جديده,أي تقل عنده نسبة الانفتاح و تقبل الرأي الأخر”.
بغض النظر سواء كان المنادي بنهضة شعبه,علمانيّا ام متدينا ,فهو ملزم منطقيا في تسوية خلافاته من اجل بقاء ٍيتسق مع متطلبات العصرمراعيا في ذلك مقولة رضا البشرغاية لا تدرك,تسويه منطقيه من هذا القبيل قلّما يتقبلها العقل المدمن على التكابر والاستخفاف بتجارب شعوب نجحت في إسدال الستارمثلاعلى أعتى قرون أغرقت أوربا المسيحيه بظلام دامس بسطته أحكام رجالات الكنيسة (الفتره المظلمه) يوم كان المؤمن يقاسي الجهل والفقربينما السماسره يفترشون موائدهم داخل الكنيسه في ظل حكمها الثيوقراطي (حكم الله) المفروض على الشعب .
بحكم تشّعب أجندات المؤسسات الدينيه,لم تتوانى الكنيسه في مباركة ورعايةالمناسبات التي تجد فيها تعزيزا لثيوقراطيتها وترسيخا لشعوذة توهيم البسطاء بإمكانية مغفرة ذنوبهم لقاءمبلغ يدفعه المذنب للكنيسه ولسان حال الكاهن الواعظ يقول “حالَما ترنّ النقود في الصندوق تتحررالروح من العذاب وتطيرالى الجنة”,أزاءهذا اللغو والإيغال المفرط في حياة الناس ,لم تقف النخبه مكتوفة,بل راحت تنادي بكسرالمُسَـلـّمات والبدع الباليه التي ارسيت بإسم الله فكانت النتيجه ولادة مشروع إصلاحي أضفى الى مسار بُنيت في اقتفائه أنظمة حياتيه متطوره يحلم المسلم والملحد قبل المسيحي للعيش فيها هرباً من تخلّف أنظمة وثقافة بلدانهم.
بعد معاناة قرون من الظلم والاستغلال, صحا النائمون الاوربيون من سباتهم على تحذيرات عقلائهم من مخاطركاترلات رجال الكنيسة بإسم المقدس الديني, مُطالبين بإنهاء ما مؤداه هتك الناموس الديني وتخريب المجتمع بأكمله, ليس لجما ً لحق المتعبد ,انما فعلوا ذلك كبحاً لفساد كارتلات الكنيسه والنبلاء التي بلغت سطوتها حدود الأمر والنهي في اختيار الملوك وتتويجهم ,بالمناسبه مشاكل السيد المسيح لم تكن مع عامة المؤمنين,انما مع اللاهوتيين, في النهايه أثبتت العقول الحره بأنها الاصدق في احترام حرية الانسان والأقدر على تجريد المسيئ لمفاهيم الدين من حصانته ,هكذا انقلب سحر المُحصَّن لاهوتيا دون وجه حق , الى رضوخ صاغر لمشيئة العامه .
هذا الاصلاح الذي نتحدث عنه ونتمناه لمجتمعاتنا ذات التنوّع الديني والعرقي ,لم يتحقق بالصلاة والزكاة , ولا بالسفسطه والعناد,انما تباينات طرائق تفكيرالمهتمين بأزمات شعبهم أنضجت إتفاقاً بينهم على التوقف عند كل ظاهره سلبية ليتدارسوا طريقة ردمها تحت صخرة التحررمن التفاسير التي رسخت الفوارق الطبقيه وزادت من حدة صراعاتها.اي لولا الاستجابة لدعوات ترك التصورالديني التقليدي والتوجه نحو فصله عن تفاصيل فعاليات الدوله,لَما تحقق التجدد الحياتي في بلدان اوربا ولاسُنت قوانين تحفظ للمؤمن ولغير المؤمن حقه و تنظم علاقاته,جلّ الحكماء نادوا بمخاطبة العقل,فالمصلح مارتن لوثرعلى سبيل المثال رغم ايمانه وورعه وقف ضد تدخلات رجال الكنيسه الهوجاء,ومثله فعل الفيلسوف الانكليزي برتراند رسل وآخرون نذروا حياتهم لمجابهة ظلم دعاة التدين على عامة الناس, ورغم شراسةالهجمات السفسطائيه ,واصل الحكماء بزق شذرات معرفتهم حيثما حلّوا كي تنعم الأجيال بزرعهم وإلاما فازبرتراند رسل بلقب شيخ الفلاسفه.
اماالقول باننا ورثناالمعتقد الديني كتقليد بيتي او بحد السيف,فتلك حقيقه تقال ليس نيلاً من المعتقد فحسب ,ولاهي إدعاء باكتشاف جديد لعلّةٍ هي اصلا موجوده تناقلها الآباء وورثناها منهم على علاتها بفطره اقرب الى العفويه الطارده للعقلنه بل أكثرها شَبهاً برجفات الراكعين خوفامن عقاب الله وضياع الفردوس المفقود. يقول الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا “إذا كنت تريد من حاضرك ان يكون أفضل من ماضيك عليك بدراسة الماضي جيدا “إذ نادراماتجرء مؤمن وتحدث حول إثم الإنتفاع باسم الدين والمبالغه في تقديس خطابات دون تمحيصها او مقارنتها بصدق إلتزام الخطيب نفسه بها,في هذا الصدد يقول الفيلسوف الفرنسي البير كامو: “من تنقصهم الشجاعه يجدون دائما فلسفه لتبريرها “وهل هناك أتعس من ان يكون الخوف سببا لابداء الاحترام والطمطمه على ماهوغيرمنطقي وغير انساني في عصرساوت قوانينه بين حق المؤمن وغيرالمؤمن في المطالبه بتطبيق مقولة ما لقيصر لقيصر وما لله لله,أومناقشة نتائج الالتزام الأعمى بمقولة “أسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم” في زمن ليس من شيئ يقين من دون التشكيك بكل شئ, ولو فعل أحدهم وخاضهذا المضمار , فهو ملحد وهرطيقي,اي ممنوع حتى على المؤمن الورع انتقاد افعالهم على اعتبار أن درجاتهم الروحيه التي يوزعوها فيما بينهم قدأعطتهم توكيلا إلهيا جعل من الانسان والارض والجنة والكلمه مقاطعاتا مملوكه حكرا لهم يوزعون منها لمن يشاؤوا وكيفما شاؤوا.
بالنسبة لقارئنا الذي لا يهمه شأن الذم والمديح بقدرإهتمامه بقراءة المفيد لتطلعاته ازاء نفسه ومجتمعه ,يعود القهقري خائبا بعد كل فينة ٍ يقرأ فيها دفاعات عشوائيه متخبطه منشؤها عُقد يحاول البعض الافلات منها تحت يافطات الدفاع عماهو أعقد وأسمى من ان تتناوله عقلية متأزمه.نحن معشـرالمنتسبين للمعتقد بالوراثه كما أسلفت,مهما كانت ديانتنا ,علّمتنا بيئتنا رغم بساطتها,علمتنا كيف لرجل الدين ان يتحصن في مجتمع متعدد الطبقات والمعتقدات,فعندما أدرك الانسان الاوربي بان المنطق والعقل لا يعولان على فلسفة الحصانه الطاؤوسيه في احقاق المساوات بين البشر,خرج المؤمن قبل اللامؤمن ليقول بملئ فمه بان حصانة رجل الدين ليست وصايه مفروضه إلهياً ,انما مشروطه طرديابمقداراحترامه لدرجته الروحيه و إلتزامه في تطبيق التعاليم التي تستحرم تدخلّه في امورتظطره الى التحايل على رسالة الدين باعتماد القوه والغنى والاثنيه والمحسوبيات الأخركمعايير لتقييس درجة الولاء والايمان .
اختم بعد الاعتذارعن الاطاله بالتساؤل حول منطقية ولاهوتية التبريرات التي يتشبث بها البعض لإستثناء رجل الدين من النقد عندما يتعمد ظلم الذين حواليه في شذّه عما نذر له نفسه ,وهو يقينا يدرك بأنه في تشعب تدخلاته خارج مهامه الدينيه ,إنما يشطب بنفسه على ما يحصّنه دينيا واجتماعيا. أما المؤمن الذي يصنع من إيمانه حائلا أمام زلزلة الثوابت الباليه التي تتضارب مع تعاليم ديانته,فهو يضحك على نفسه ولا اقول على معتقده .
الوطن والشعب من وراء القصد