يمكن توقع أن يتحالف الإخوان مع أي جهة إرهابية تعمل على إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في مصر، وصولا إلى إلحاقها بالدول العربية التي سلمت إلى اليأس الشامل.
ضرب الإرهاب كنيستين للأقباط في مصر. الجريمة متوقعة. لا لموقف ديني مبيّت ضد المسيحيين كما تشيعه أطراف عديدة، بل لأنها مناسبة لإشعال فتنة، هي الرد الانتقامي على الضربة القاضية التي وجهت إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأدت إلى ضياع سلطانهم.
الزج بتنظيم داعش في مسألة مصرية ليست جديدة هو محاولة لإبعاد النظر عن الحكاية الأصلية. من خلال تلك المحاولة سعت الحكومة المصرية إلى استبعاد أن يكون دافع الجريمة جزءًا من الصراع على السلطة.
إعلان داعش عن مسؤوليته عن الحادث الإجرامي لا يقدم ولا يؤخر في هذا المجال. فالتنظيم الإرهابي صار بمثابة مكبّ للنفايات، تلقي فيه قوى إقليمية ودولية أعمالها القذرة براحة ضمير مخادع.
ما يحتاج إليه المصريون في مواجهة مأساتهم هو ألّا يدفنوا رؤوسهم في الرمال، وأن يعترفوا أن خللاً أمنيا كان هو السبب في وقوع تلك المأساة التي تعد استمراراً لما سبقها من مآس، كان المصريون المسيحيون ضحيتها. لقد سبق لجماعات إرهابية مصرية أن وجدت في كنائس مسيحية أهدافا لجرائمها قبل أن يُعلن عن ولادة داعش بزمن طويل. فهل كان منفذو تلك الجرائم أعضاء في تنظيم إرهابي لم يكن قد رأى النور بعد؟ غير أن ما لا ينبغي إنكاره أن الجريمة مختلفة الدوافع هذه المرة.
فإذا كانت الجرائم السابقة قد وقعت بذرائع دينية متشددة يغلب عليها الطابع العنصري بالمفهوم المعاصر، فإن التفجيرين اللذين شهدتهما كنيستان في طنطا والإسكندرية لم يكن المسيحيون فيهما مقصودين كمسيحيين، بل كمواطنين مصريين عجزت السلطة عن حمايتهم.
كانت السلطة الأمنية هي المقصودة هذه المرة. ولو عدنا إلى مسلسل الانهيارات التي تعرضت لها حركة الإخوان المسلمين لأدركنا حجم الخسارة التي تعرضت لها الحركة، لا بسبب فقدانها السلطة فحسب، بل وأيضا بسبب انحسار شعبيتها. الأسباب سياسية وليست دينية كما كان يجري من قبل.
من وجهة نظري إن الحكومة المصرية تصرفت خطأً حين اعتمدت رواية داعش. وهي رواية ضعيفة. كانت الضربة في حقيقتها موجهة إلى المجتمع المصري الذي رفض استمرار حكم الإخوان. ولكن ليست صدفة أن يعثر إرهابيو الإخوان في الكنيستين على ضالتهم، فالثغرة الأمنية مناسبة لأهدافهم. لم يكن بإمكانهم استهداف المساجد لأن ذلك سيضعف من مصداقيتهم.
الحرب على الأقباط المسيحيين هي في حقيقتها واجهة للحرب على المجتمع المصري. لو لم تكن هناك كنائس في مصر لاستهدف الإخوان المساجد. ولكن أليست هناك مشكلة دينية في مصر؟
أعتقد أن الإخوان هم الأكثر خبرة من سواهم في تلك المشكلة، لذلك سخروها لأغراضهم السياسية. وهو أمر إن عجز المجتمع المصري عن معالجته فإنه سيكون سببا في تمزيق نسيجه. لقد تعددت وجوه حرب الإخوان على المجتمع الذي طردهم، ولم يكن غريبا أن يلجأوا إلى الحرب الدينية، وهي التي تشكل أقصر دروب الهلاك.
ما يفكر فيه الإخوان لا يمتّ بصلة إلى حلم عودتهم إلى السلطة. فهو حلم مستحيل كما صار معروفا. لذلك فإنهم صاروا يفكرون في طريقة تيسر لهم نسف المجتمع من الداخل. في سياق تلك الحرب المفتوحة يمكن توقع أن يتحالف الإخوان مع أيّ جهة إرهابية تعمل على إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في مصر، وصولا إلى إلحاقها بالدول العربية التي سُلمت إلى اليأس الشامل.
ولكن هل تحتاج الحركة التي عُرفت بميلها إلى العنف إلى مَن يمارس العنف في حق الشعب المصري نيابة عنها؟ هذا ما يجب أن تتعرف عليه الأجهزة المصرية المختصة بشرط أن لا تستبعد خيار الإخوان الانتحاري من تفكيرها.
نقلا عن العرب