23 ديسمبر، 2024 10:14 ص

لو كنت مكان الرئيس مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، او مكان السيد كوسرت رسول، القائم مقام زعيم الإتحاد الوطني الكوردستاني ، لما خضت ذلك السباق المحموم الى منصب رئاسة الجمهورية، وهو كما لا يخفى منصب فخري، ذو صلاحيات بروتوكولية وتنفيذية شكلية متممة مثل التصديق على القوانين التي يصدرها مجلس النواب او التصديق على احكام الإعدام، او القيام بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة للأغراض التشريفية والاحتفالية او الحلول محل رئيس الوزراء عند خلو المنصب لمدة خمسة عشرة يوما مخصصة لتسمية مرشح جديد، وهي صلاحيات، مع شكليتها الفخرية التشريفية البروتوكولية، ليست باتة وقاطعة لا يمكن الإستغناء عنها، حيث سبق وان تم التجاوز عليها في عدة مناسبات، مثل اعدام الرئيس الاسبق صدام حسين عندما امتنع الرئيس الراحل جلال طالباني عن التصديق فتصدى المالكي، رئيس الوزراء في حينه، للتوقيع، ونفذه في صبيحة العيد، متجاوزا صلاحياته الدستورية، أو عندما نفذ قانون الموازنة العامة للسنة الحالية رغم رفض رئيس الجمهورية بسبب ما قيل عن وجود عدد مهم من المخالفات الواضحة والصريحة فيها والقصد كان تخفيض حصة الإقليم من ١٧% المعمول بها بعد ٢٠٠٣، الى ١٢،٥% فقط، او عندما تم انفاذ قانون تعديل قانون الإنتخابات الأخير بالتصويت النيابي فقط.

اي كلام اخر حول امكانيات الرئيس وقدرته على حل الإشكالات القائمة بين بغداد واربيل، ادعاء يفتقر الى المصداقية والواقعية ويخفي وراءه مآرب أخرى سياسية او شخصية. على الاقل، اذا صرفنا النظر عن الصلاحيات والسلطات الخالية من النفوذ تماما للرئيس فإن المرشِّحَيْن الرئاسيين ليسا من صناع القرار في حزبيهما، بل انهما لا يأتيان حتى في المستوى الثالث والرابع. مسؤول بهذه المواصفات الشحيحة سواءاً في بغداد او اربيل سيكون عاجزا امام الملفات العالقة بين الطرفين. بل أنني، اكثر من ذلك، لو كنت محل السيد برهم صالح، رئيس الجمهورية، لما قبلت بالمنصب الذي يسبب المزيد من الخلاف والشقاق بين اطراف المكون الذي انتمي اليه، الداء المزمن الذي يسهل مهمة خصومهم، ولا يضمن الإتفاق والتوافق داخل البيت الكوردي، إذد في النهاية تقول الحكمة الشعبية: ماذا ينفع لو ربحت العالم وخسرت ذوي قرباي، ولا نقول بني قومي؟. المشكلة ان المناصب اللعينة محفوفة بالكثير من المغريات ولا يستطيع دفعها وقهرها الا من له همة عالية ونكران ذات جبار، وتلك معادن يندر الحصول عليها في هذا الزمان.

لا ينتبه الكثير من الناس الى المشكلة الحقيقية التي تقف خلف الإشكالات العميقة بين بغداد واربيل، ابتداءاً من المادة ١٤٠ الدستورية، الى استفتاء الإستقلال مرورا بحجب حصة الإقليم من الموازنة العامة منذ شباط ٢٠١٣ من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والقاء عبء ثقيل، بالدرجة الأساس، على كاهل المواطنين، حيث عجزت حكومة الإقليم عن دفع رواتبهم، واخيرا عملية كركوك التي أدت الى تهجير عشرات الآلاف من العوائل ولا يزال النزيف مستمرا. هذه الأمور، رغم وصفها بالإشكالات العميقة كما مر آنفاً، ليست سوى مظاهر سطحية لمشكلة واحدة اسمها النفط.

فتش عن النفط. الكل، في داخل العراق وخارجه، خصوصا خارجه الإقليمي، على بينة تامة من تطلعات الكورد وسعيهم الى اقامة دولة خاصة بهم، لن يكون العراق الا طليعتها، قبل ان يمتد الشرر الى دول الجوار الثلاث، ايران وتركيا وسوريا. كوردستان هي حلم الرئيس العراقي برهم صالح قبل اي مواطن اخر مهما ادعى وتغنى بالفضاء الوطني وتفاخر ببغداد والعراق وقدم نفسه راعيا لدستور البلد وحارسا على وحدته. يمكن لمن يرغب في كشف هذه الحقيقة ان يدخل اسمه في نافذة بحث غوغل ليتعرف على حقيقة مواقف الرجل. غير ان الكورد انفسهم، قبل غيرهم من الأصدقاء والخصوم، يدركون حقيقة قصر ذات اليد لديهم وطول ذات اليد لدى خصومهم، وانهم، اي الكورد، يدركون تماما ان حلم كوردستان لن يتحقق في المستقبل القريب دون حدوث تداعيات دراماتيكية في موازين القوى الإقليمية. في كل الأحوال، ليس قبل ان تتوفر لديهم مقومات ودعائم ذلك الحلم القريب البعيد.

النفط عصا سحرية. أمر لا يخفى، لا على الكورد ولا على المتربصين بالكورد٠ النفط عماد الاقتصاد في منطقة تعيش ضمن طوق جغرافي وإثني وسياسي صارم. النفط وسيلة لإقامة العلاقات الدولية والمعاهدات والأحلاف الأمنية والعسكرية. النفط اساس بناء القوة والمنعة. النفط حصانة وامان. إمارات النفط ودوله مثال حي. لهذا تسعى بغداد، ومن خلفها طهران وانقرة، الى منع اربيل من امتلاك زمام الأمور في صناعة النفط، وتستخدم نصوص الدستور الصريحة، بعد لوي اعناقها، في حرمان اربيل من عصاها السحرية. حاليا هناك دعوى امام المحكمة الإتحادية يطلب فيها وزير النفط الإتحادي الزام حكومة الإقليم بتسليم كامل نفطها الى بغداد. لولا الإنتخابات والتغيير الحكومي في بغداد، ربما، كان الحكم قد صدر لصالح بغداد بوتيرة اسرع. عندها، لو حدث فعلا وصدر قرار قضائي بإلزام تسليم كامل الإنتاج النفطي، ستفقد اربيل اي غطاء شرعي للتصرف في نفطها وستكون عملية بيعه شبه مستحيلة، أو على الأقل صعبة وسوف تتمكن بغداد من تسخير الحكم لملاحقة المبيعات في اي مكان بالعالم.

لهذا لو كنت محل السادة الذين ورد ذكرهم في البداية، لسعيت الى الفوز بوزارة النفط بدل المنصب الكبير بإسمه والصغير بجرمه، والذي لا يسمن ولا يغني من جوع.