19 ديسمبر، 2024 12:44 ص

لو كنت قائدا لإيران؟!!!

لو كنت قائدا لإيران؟!!!

يقول لي زميلي الإيراني : لا أريد أن أؤلمك بالقول أن مرشد الدولة الإيرانية , قد قالها بوضوح وصراحة بعد إنتهاء الحرب مع العراق , أن الدرس الذي تعلمناه من تلك الحرب , هو علينا أن لا نخوض حربا على الحدود , وإنما بعيدا عنها وفي عقر ديار الآخرين , وهذا ما يحصل منذ ذلك الوقت , فإيران تدافع عن نفسها بخوض الحرب بعيدا عن حدودها وفي أراضي غيرها , التي يمكن أن تتحول إلى قواعد ضدها , ولهذا فهي تخوض الحرب في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها من الدول التي من حولها.
قلت: لو كنت قائدا إيرانيا لفعلت أكثر من ذلك , ما دام ساسة المنطقة لا يفكرون بمصالح أوطانهم وشعوبهم , ويتحولون إلى حالات ضعيفة وموجودات بلا كيانات ترقى إلى إسم دولة.
حدّق بوجهي مستغربا , لكني أضفت: فماذا تريدني أن أفعل لو كنت قائدا لإيران , وقد جلب العرب مَن يضمروا لي سوءً وتفاخروا بوجودهم على حدودي , مَن الذي دمّر العراق وحوّله إلى كيان بلا دولة , ولا جيش ولا أمن ولا أي مقومات صالحة لتحقيق مصالح مجتمع , جاري تحول إلى منطقة ساخنة , فهل تريدني أن أنتطر , أم لا بد لي أن أوقف إمتداد الحريق إلى حدودي.
وما هو الطريق الأفضل لإنجاز ذلك , أ ليس أن أدع النار تأكل حطبها؟!!
فالنيران التي أشعلها العرب في العراق تأكل حطبها , وهذا هو السلوك الدفاعي الأمثل , ما دام العقلاء غائبون والحكماء هاربون والمغفلون والتابعون هم السائدون.
لو كنت قائدا إيرانيا , سألعب ذات اللعبة وأكثر حفاظا على مصالح وطني وسلامة شعبي , فالذي يتوهم أن إيران دولة دينية أو مذهبية إنما هو في ضلال شديد , إيران دولة إيرانية , فالوطنية الإيرانية لا تضاهيها وطنية في المنطقة , وحبّ الإيراني لبلده لا يعادله حب في المنطقة , ولا يمكن لإيراني أن يخون وطنه , مهما كان معاديا للسلطة ومهما أصابه من الخسائر وما تعرض له من الإضطهاد , فإيران بكل قياداتها , دينها ومذهبها وعقيدتها , إيران , وهي تسخّر الدين والمذهب لتحقيق مصالحها الوطنية , والحفاظ على وجودها الحضاري القوي العزيز.
إيران تحارب في ميادين القتال المستعرة في الدول العربية على جبهات متعددة , وتستحدم العرب لتحقيق مصالحها , بتوظيفها العمى المذهبي الذي يحجب البصائر ويمنع التبصر , ولهذا فأنها نجحت وبجدارة ومهارة فائقة في تعبئة النزعات المذهبية لدى العرب لتحقيق مصالحها الوطنية , وإقامة أنظمة حكم تابعة لها , ولا ألومها على ذلك , وإنما أوهنؤها على النجاح السياسي الذكي , ما دام العرب قد خلعوا الوطنية والعروبة والدين من وعيهم ونفوسهم وقلوبهم وأرواحهم , وتحولوا إلى موجودات متدحرجة لا تمتلك أبسط مقومات حق تقرير المصير.
ماذا تريدني أن أفعل لو كنت قائدا إيرانيا , والمخاطر من حولي تحوم وجيراني في غفلة وإذعان , يستلطفون رحمة الطامعين بهم , ويستعينون بهم لقتل بعضهم البعص , هل تريدني أن أبقى متفرجا لا مباليا , وهذا موقف لا يتفق وطبيعتي الوطنية وإنتمائي لبلدي وتأريخي وحضارتي , وأنا أعي حجم المخاطر وخرائط المشاريع والأهداف المرسومة , فلا يمكن أن أكون في موقف دفاع , ولا بد من المبادءة والهجوم , وتسخير القدرات وتوظيفها وتعجيلها لدرء المخاطر , والحفاظ على سلامة الوجود الوطني.
وما تقوم به إيران هو عين العقل المتفق مع صدق الوطنية , وإرادة العزة والكرامة والسيادة والكبرياء والإباء , التي إتصفت به حضارات المنطقة كافة , وقد تخلى عنها العرب في هذا العصر , وبذلك أنجزوا ما هم عليه اليوم.
فلا تلومون إيران أيها العرب , ولكن لوموا أنفسكم , فأنتم الذين جلبتم المصائب للمنطقة , وإرتضيتم الخنوع والإستسلام وتسليم تقرير المصير بيد الطامعين بكم , وإيران إختارت الوطنية والعزة والكرامة والسيادة وحرية تقرير المصير.
فماذا تريدونني أن أفعل لو كنت قائدا لإيران؟
إن معادلة القوى يجب أن تتوازن , ولا يمكن لقوة أن تسمح بوجود ضعيف حولها , لأنه سيكون موطنا للقوى القادمة من كل حدب وصوب , ولا بد لي أن أكون أولى بالتواجد في أراضيه , والفاعل الرئيسي والمقرر لمسيرة الأحداث الجارية على ترابه.
ولهذا فأن العرب عليهم أن يستيقظوا من غفلتهم , ويتداركوا هذا النهج الإنقراضي الفتاك , الذي يتخذونه سبيلا وسلوكا متواصلا يحصدون منه الخسائر المروعة كل يوم.
ألا أصبح العرب ضد أنفسهم أجمعين , يقاتلون بعضهم البعض في أوطانهم وعلى أوطانهم , أ لم يتحد العرب لقتل العرب؟!!
أ لم يتحد العرب لقتل العراق؟!!
أ لم يتحد العرب مرة ثانية لمحق وجود دولة العراق؟!!
ولا يزال العرب يقتلون العرب ويقاتلون العرب !!
فماذا تريدون من إيران التي تقاتل من أجل مصالحها الوطنية , وعقيدتها الوطنية ومذهبها الوطني وثورتها الوطنية ودولتها الوطنية ونظام حكمها الوطني.
فلا شيئ يعلو على الوطن والوطنية في إيران.
وكل شيئ يعلو على الوطن والوطنية في بلاد العرب.
العرب أصبحوا أضحوكة عالمية ونكتة في هذا العالم , بما يقومون به من سلوكيات (سياسية) مخجلة ومشينة ومعبرة عن غباء متفاقم , وإرتهان مطلق للتعبير عن إرادات غيرهم.
فماذا يريد العرب من إيران؟
أ ليس من حقها أن تلعب بعواطف ومشاعر المغفلين الجاهلين الذين أنتجتهم الأنظمة العربية المتعاقبة وتسخرهم لتحقيق غاياتها , وهذا يمنع عنها خسائر كثيرة بالأرواح والأموال.
ولماذا تتردد إيران في إستخدام الذين هم يدعونها لتوظيفهم من أجل مصالحها؟
أ توجد دولة في العالم ترفض هذا العرض الإنتحاري الدسم من أجلها؟
أناس يريدون التضحية من أجل مصالحي , فلماذا لا أمدهم بكل ما يريدونه وأسندهم بكل ما يقوي هذا الإندفاع.
ليصحوَ العرب من الضلال والبهتان , وليتعلموا كيف يصنعون الحياة , ومهارات البناء والتعايش والتفاعل الحضاري المعاصر , بدلا من وضع تاج (هو) على رؤوسهم , وتنزيه أنفسهم من الفواجع الوطنية والحضارية والإنسانية , التي يجيدون مهارات إنجازها بإتقان نادر.
أيها العرب إيران تفكر بمصالحها , فمن منكم يفكر بمصالحه؟!!
أنظروا إلى العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وغيرها , وأجيبوني .
هل هذه الحكومات تفكر بمصالح وطن وشعب , أم أنها تحولت إلى مطية لتحقيق مصالح أعدائها , وأعداء وطنها وشعبها؟!!
أجيبوا قبل أن تلقوا باللائمة على إيران , التي لم تجد موطئ قدم لولا وجود العرب المؤهلين للإنتماء للوطنية الإيرانية , أكثر من الإنتماء لوطنية بلدانهم التي جردتهم من أي معنى للوطنية والمواطنة.
إيران نجحت في إجتذاب وخلق وطنيين إيرانيين عرب , أكثر وطنية وغيرة على إيران من غيرتهم على أوطانهم , وهذا إنجاز وطني إيراني تستحق عليه شهادات تقدير , فكيف لدولة تتمكن من تسخير أبناء شعب آخر لتحقيق مصالحها , والحرب بالنيابة عنها دون مقابل , وبلا كلفة , سوى الخطب والكلمات وتطويع المذهب والدين , وتحويله إلى آلة لتحقيق المصالح الوطنية , وهذا فوز كبير لإيران , فهنيئا لها , ولكل مَن يستطيع أن يحافظ على وطنه , ويدافع عن مصالحه الوطنية بأقل الخسائر.
فهل سيتعلم العرب الوطنية من إيران , وهل سيتبصرون ببعض فنون الدفاع عن الأوطان والشعوب , أم سيبقى العرب مطية للآخرين , ويصرخون “هو الذي فعل” , “هو الذي قتل”؟!!
وهم الذين بتبعياتهم وثرواتهم يعمهون!!!

*هذا المقال مكتوب قبل بضعة سنوات ولم يُنشر سابقا , وهو يعبر عن الواقع العربي المرير.