(الجزء الثاني)
وعندما استلم الخلافة الإمام الحسن عليه السلام عام 40 هجرية جمع أهل الكوفة لكي يسير بهم الى مقاتلة معاوية القادم بجيشه الى العراق فخطب بهم وحثهم على الجهاد فسكتوا قام عدي بن حاتم فقال أنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم ، أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فروّاغوان كالثعلب ، أما تخافون مقت الله ولا عيبها ولا عارها ( 8) وبهذه الجموع المهزومة من الداخل التي باعت سيوفها لمعاوية عسكر الإمام الحسن عليه السلام في النخيلة وكان مصراً على مقاتلة معاوية وجيشه فأجتمع معه خلص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كعدي بن حاتم وقيس بن سعد ومعقل بن قيس الرياحي وغيرهم وبعدها سار بالجيش حتى وصل دير عبد الرحمن ، وقد أرسل ابن عمه عبيد الله بن العباس لمواجهة معاوية وجيشه بإثنى عشر الف فارس وأوصاه بهم لأنهم بقية ثقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد عمل معاوية بدسائسه في أهل الكوفة فمن اشتراه بماله كعبيد الله بن العباس قائد السرية التي أرسلها الإمام الى مواجهة معاوية أو خوّفه بجيشه وبث الجواسيس والمخربين ما بين أهل الكوفة وكذلك جيش الإمام الحسن عليه السلام المتجه لمقاتلته وقد بث جواسيس معاوية أن الإمام الحسن عليه السلام قد قبل الصلح مع معاوية على الرغم ان هذا لم يحدث بعد ولكن هذه هي خدع معاوية وفي ساباط دون القنطرة هجمت مجموعة من المنافقين والخوارج على فسطاط الإمام الحسن عليه السلام فسرقوا متاعه ومصلاه وأحدهم طعن الإمام الحسن عليه السلام بفخذه ولولا الخلص من أصحابه وأهل بيته كادوا يقتلونه ، بهذا الوضع المملوء دسائس ونفاق وتشرذم كيف يواصل الإمام الحسن عليه السلام المسيرة في مقاتلة معاوية ، لهذا لم يكن أمام الإمام الحسن عليه السلام إلا المهادنة مع معاوية حتى ينقذ ائمة وعلماء المسلمين وقادته من القتل المحتوم على يد معاوية وجيشه ومن ثم تنتهي الرسالة السماوية السمحاء وهذا مبتغى معاوية وبني أمية وعودة الناس الى الجاهلية وهذا من أهم الأسباب لقبول الإمام الحسن عليه السلام بالمهادنة حيث يقول الإمام الحسن عليه السلام ( يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث : قتلكم أبي وطعنكم إياي وإنتهابكم متاعي ) (9) وعندما أعترض عليه حجر بن عدي بعدما وافق الإمام الحسن على المهادنة قال له الإمام الحسن عليه السلام ( ….. وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم )( 10) ، وعندما عرض الإمام الحسن المهادنة قبلها معاوية على ورق ابيض وطلب من الإمام الحسن عليه السلام أن يكتب شروطه فهو موافق عليها ، فكانت شروط الإمام الحسن عليه السلام عبارة عن أدوات لسحب الشرعية من حكم معاوية وكذلك القضاء وإمرة المؤمنين فكانت الشروط كالتالي :
(1) تسليم الأمر الى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وبسيرة الخلفاء الصالحين(2) على أن لا يسميه أمير المؤمنين (3) لا يقيم عنده شهادة (4) على أن لا يتعقب على شيعة علي شيئا (5)على ان يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين الف الف درهم وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجراد (قال ما ألطف حيلة الحسن صلوات الله عليه هذه في إسقاط إياه عن إمرة المؤمنين) ( 11) (6)أن يكون الأمر للحسن من بعده (12 ) فإن حدث فلأخيه الحسين ( 13) (7) وليس لمعاوية أن يعهد به الى أحد (14) (8) أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلوات (15) (9) وأن لا يذكر عليا إلا بخير (16 ) . وقد جمع هذه الشروط من مصادر مختلفة في كتاب واحد السيد ال ياسين بكتاب صلح الحسن (عليه السلام)(ص258)
بهذه الشروط استطاع الإمام الحسن عليه السلام ان ينقذ الرسالة المحمدية من الإندراس والاضمحلال فقد ضمن بقاء أهل البيت عليهم السلام الذين يمثلون الخط المحمدي الاصيل وهم أعمدة الدين بفقدانهم يسقط الدين ، و ضمن بقاء القلة القليلة من اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وهم العلماء والقادة وقد ظهر ذلك جلياً من اقوال المعصومين عليهم السلام ، فقد أجاب الإمام الحسن عليه السلام عندما سأله احد أصحابه فأجاب ( ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد الا قتل ) (17) وحين أعترض حجر بن عدي على الصلح فأجابه الإمام عليه السلام ( ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم )(18) ، وقد اسقط الإمام الحسن عليه السلام بشروطه إمرة المؤمنين من معاوية حيث قال الشيخ الصدوق عن هذا الشرط ما ألطف حيلة الحسن صلوات الله عليه في إسقاط أمرة المؤمنين عنه أي معاوية وكذلك القضاء وعليه أن يحكم وفقاً للقران وسنة الرسول (صلى الله عليه واله) وقد ظهر الرفض من أصحاب أمير المؤمنين الخلص لهذه المهادنة لأن الدافع الحقيقي للقيام بهذه المهادنة لم يطلعوا عليه لهذا السبب حاول الإمام الحسن عليه السلام توضيح الأمر لهم وإطلاعهم على خطورة الأمر إذا لم يقم بهذه المهادنة ، وقد أكد باقي المعصومون عليهم السلام على أهمية هذه المهادنة إذ يقول الإمام الباقر عليه السلام لسدير ( يا سدير أذكر لنا أمرك الذي انت عليه فإن كان فيه إغراق كففناك عنه وإن كان مقصرا أرشدناك … الى ان قال عليه السلام : أمسك حتى أكفيك إن العلم الذي وضع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند علي عليه السلام من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً ثم كان من بعده الحسن عليه السلام قلت : كيف يكون بتلك المنزلة وقد كان منه ما كان دفعها الى معاوية ؟ فقال عليه السلام : أسكت فإنه أعلم بما صنع لولا ما صنع لكان أمر عظيم)( 19) ، ومهادنة الإمام الحسن عليه السلام مشابهة لصلح رسول الله (صلى الله عليه واله ) مع المشركين في الحديبية ولكنها تعاكسها بالظروف ، لأن قوة رسول الله تتصاعد والمشركون يضعفون يوم بعد آخر وقام بها رسول الله (صلى الله عليه واله) ليزداد قوة ومن ثم الإنتصار على المشركين والكفرة وهذا ما حصل بالضبط ، ولكن قوة الإمام الحسن عليه السلام تضعف يوم بعد أخر وقوة معاوية تتصاعد ولكنه عمل المهادنة حتى يبقى الإسلام المحمدي الأصيل ولا يندرس حتى قيام ثورة عاشوراء التي قامت بما حفظت مهادنة الإمام الحسن عليه السلام من قائد الثورة الإمام الحسين عليه السلام وباقي ابطال كربلاء كحبيب بن مظاهر الأسدي ومسلم بن عوسجة وبرير بن خضير وباقي ابطال عاشوراء ، هذه الثورة التي حطمت أحلام بني أمية في تدمير الإسلام وإرجاع الأمة الى عبادة الأوثان إذ يقول معاوية عندما يسمع أسم الرسول صلى الله عليه واله في الآذان ألا طمسا طمسا ويقول يزيد بن معاوية ( لعبة هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ) وغيرها من الشواهد وما أكثرها على نية الأمويين في إرجاع الناس الى عبادة الأوثان ، فلولا مهادنة الإمام الحسن عليه السلام لم تكن هناك عاشوراء بل لم يكن هناك إسلام ورسالة محمدية ، لهذا فان مهادنة الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية جعلت الوضع ضبابي أمام معاوية فلم يستطع أن يكمل مخططه في تدمير الإسلام ورسالة محمد صلى الله عليه واله ، فكانت بحق هذه المهادنة من الذكاء والحكمة أهم عمل في تلك الفترة وتعتبر هذه المهادنة من الحلقات المهمة التي حفظت الإسلام وهذه الحلقات مكملة لبعضها البعض أول الحلقات كانت مصيبة الزهراء عليها السلام والثاني مهادنة الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية والثالثة هي واقعة عاشوراء الأليمة فبهذه الحلقات وسيرة أئمتنا عليهم السلام جميعاً وصل الإسلام المحمدي لنا ونعيش تعاليمه وأخلاقه الان حتى يظهر الإمام الحجة (عج) وينشر العدالة الإلهية على المعمورة قاطبةً .
(1) (تاريخ اليعقوبي ج2ص158(2) تذكرة الحافظ للذهبي بترجمة أبي بكر ج1ص2-3(3) الحديث رقم 4865 من كنز العمال ط الأولى ج5ص239(4) تذكرة الحفاظ للذهبي ج1ص7 بترجمة عمر(5) تاريخ الطبري ج2ص112-113 (6) شرح نهج البلاغة ج12ص283(7) نهج البلاغة – خطب الإمام علي(ع) ج1 ص65(8) مقاتل الطالبين – أبو فرج الإصبهاني ص 39، بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج44 ص50(9) الكامل في التاريخ- ابن الأثير ج3ص405(10) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج44ص57(11) علل الشرائع – الشيخ الصدوق ج1 ص212 ، بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج44ص2 ، جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي ج17ص344، قادتنا كيف نعرفهم – السيد محمد هادي الميلاني ج3ص484(12) تاريخ الخلفاء – جلال الدين سيوطي ص194، تاريخ بن كثير – أبن كثير- ج8ص41(13) عمدة الطالب – أبن مهنا ص52(14) بحار الأنوار – المجلسي ج10 ص115 (15) مقاتل الطالبين – ابو فرج الإصفهاني ص26، شرح نهج البلاغة – بن ابي الحديد ج4ص15(16) تاريخ الطبري ج6ص92، علل الشرايع – الشيخ الصدوق ص81(17) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج44ص2(18) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج44ص57(19) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج44 ص1