الدهاء ذاته يتوارثه الخلف عن السلف، بيد أن الداهية ومهما كان ممسكا لزمام أمره؛ لا بد أن يبوح بشيء في فلتات لسانه!.
ولعله يرغب في إستغفال الآخرين، وخداعهم، ظانا أنهم لن يعرفوا ما أخفى في جعبته, لكنه التأريخ يعيد نفسه!
ورد عن عمر قوله: لولا علي لهلك عمر.
وعن أبي حنيفة قوله: لولا السنتان لهلك النعمان.
كلا الرجلان كانا صادقين في دعواهما، فلكل منهما غرضه الخاص، ودوافعه التي أجبرته على البوح بتلك الكلمات رغم مرارتها، فكلاهما لم يقصدا الهلاك الآخروي قطعاً، وانما قصدا الهلاك الدنيوي، أي هلاك أنفسهم ومصالحهم. فوجدا في أئمة أهل البيت عليهم السلام ضالتهم، فلا يُستطب الا عند الحكماء.
خلفهم أردوغان، مرت به نكبات جراء موقفه السلبي من القضية السورية، بدأت بالتظاهرات الشعبية المناوئة له، مروراً بالفساد المستشري في حكومته والذي طفى على السطح مؤخراً، مما أدى الى إستقالة عدد من وزراء الحكومة، بينهم ثلاثة من حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه أردوغان، وثمانية نواب من كتلته في البرلمان، والعشرات من أعضاء الحزب، وانتمائهم الى أحزاب إسلامية معارضة. بالإضافة الى إقالة العديد من ضباط الجيش والشرطة، وإحالة البعض منهم الى القضاء، كما تم تنحية أكثر من (100) قاض.
كما يمر البيت التركي بصراع بين الحزب الحاكم وجماعة فتح الله كولن، ويشهد تنامي خطر الإرهاب في سوريا، وخشية إنتقاله الى الأراضي التركية.
تدور تلك الأحداث في الوقت الذي تستعد فيه تركيا للانتخابات المحلية، المقرر إجرائها في آذار (مارس) 2014، تليها إنتخابات رئاسة الجمهورية في صيف العام نفسه، ثم الانتخابات العامة في ربيع العام 2015.
في ظل تلك الأجواء المضطربة، أخذ أردوغان يبحث عن المخرج، وفي رحلته بحثاً عن الحكمة، وعن الحكيم الذي يداوي جراحاته؛ رست سفينته في الجمهورية الإسلامية، ليلتقي بمرشد الثورة السيد علي خامنئي، بعد أن شاهد بأم عينه الدهاء الإيراني، الذي فاق دهاء الصهاينة والأمريكان حلفاء تركيا!
إثناء وصوله الى الجمهورية الإسلامية، أطلقت وسائل الإعلام خبراً عن ضرب القوات التركية لعناصر من جماعة داعش الإرهابية، جاء ذلك الخبر للعزف على وتر تقارب المصالح، بين الجانب التركي والإيراني.
وفي تصريح له بعد عودته الى تركيا، بثته وسائل الإعلام قال: ان التقارب في وجهات النظر بين أيران وتركيا بشأن سوريا، والتعاون الوثيق بينهما، سوف يوفر إمكانية عرض اقتراح على المجتمع الدولي لحل الأزمة السورية.
يقول جنكيز تشاندرا، الكاتب والباحث التركي: في معلومات مؤكدة أن أردوغان قال للسيد علي الخامنئي عقب نهاية اللقاء ( خلال هذه الساعات تعلمت الكثير).
صدق أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال: المعروف قروض، والأيام دول، ومن توانى عن نفسه ضاع، ومن قاهر الحق قُهر.