23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

لوطن أعلى من أي نزوة : التشبث به و الصمود هو مفتاح المستقبل

لوطن أعلى من أي نزوة : التشبث به و الصمود هو مفتاح المستقبل

نقد ذرائعي لقصيدة “طقوس في أخاديد المنفى”
للشاعرة الدكتورة “ليلى عطية الخفاجي السامرائي”
مراد دروزي
1- مقدمة :
النقد إبداع و بيان و فلسفة و تقويم وقياسات و ميزان ’ الفلسفة منطق و تأمل و العلم نظريات و حقائق و الأدب إبداع يستمد منهما الاثنان إضافة إلى استلهامه من الوجدان ’ المرور من الفلسفة إلى العلم تحفه عدة إشكالات و انزلاقات فمنهم من نحى منحى الشكلانية و البنائية و النظرية التفكيكية لكن هده المدارس الفلسفية النقدية المادية لم تنصف اللغة العربية لأن اللغة العربية بالإضافة إلى أنها كلمات فهي كذلك حمولات ثقافية و قيمية لا يمكن تجاهلها فالنص الأدبي ليس منتوجا ماديا كالسلع الصينية بل هو منتوج فكري له امتداد اجتماعي و وجداني جاء نتيجة تفاعلات نفسية و فكرية للكاتب مع بيئته السوسيواقتصادية و السوسيوثقافية لذلك نجد التفكيكية مثلا سقطت في متاهات فكرية و صحراء بدون واحات لأنها تعتبر الإنتاج الأدبي سلعة مادية و تلغي دور الكاتب
النظرية الذرائعية نظرية نقدية جاءت لترد الاعتبار للقيم للنص الرسالي و للكاتب و بيئته و تمد جسورا بين الفلسفة و العلم
الإنسان كائن بالغ التعقيد ’ يستقبل المعلومات الواردة من الخارج عن طريق خمسة أبواب هي الحواس الخمس التي انطلاقا منها تتكون السيالة العصبية لتتوجه إلى المركز الحسي من الدماغ و منه إلى المركز النفسي الحسي حيث يتم تحليلها اعتمادا على الذاكرة و منه إلى الإدراك الفوقي حيث يتم اتخاذ القرار الإرادي و يقرر طريقة الرد حيث تكون إما حركية أو صوتية أو تعابير وجدانية و ذلك حسب المجالات النفسية الثلاث
– المجال الإرادي المعرفي
– المجال الحسي الحركي
– المجال الوجداني
يلعب الصوت في التواصل دورا مهما بين الدال و المدلول فهو القناة التي يعتمدها الدماغ و الإدراك لإيصال قراراته و استنتاجاته للآخرين
النظرية الدرائعية تحدد { اللغة و الصوت كسلوك تواصلي بين مخلوقات الله } بحيث يتم التواصل عن طريق الصوت و الكلام عبر ثلاث مراحل :
– المرحلة التكوينية حيث يتم التفريق بين الثابت و المتحرك
– المرحلة التفسيرية و هي المهارات الميكانيكية الإدراكية المتمثلة في الرصد الحسي و الرابط و التفسير
– المرحلة التواصلية التي تتميز بخروج الكلام صوتا أو كتابة أو حركة ’’’
و من هنا تتغير الرؤى بين الدال و المدلول و المفهوم , الذرائعية إذا تجزم أن لغة العلم و الفلسفة ثابتة لأنها حقائق
أما لغة الأدب فهي متحركة حسب ديناميكية استاتيكية في اللغة
+++++
+ من هي الشاعرة :
– شاعرة عراقية من بلاد الرافدين،أستاذة الأدب القديم و النقد في وزارة التربية
– كانت بدايتها الأدبية من خلال المهرجانات الأدبية الرسمية للدولة العراقية
– العضويات : الشاعرة لها عدة عضويات في هيئات أهمها :
عضو في اتحاد الأدباء و الكتاب في العراق
عضو في الاتحاد الدولي للأدباء و الشعراء العرب في مصر
عضو في عدة منتديات و جمعيات في مصر
مؤسسة لرابطة الجواهري الأدبية
– المهام:
التدريس في وزارة التربية في العراق
– الشواهد:
بكالوريوس في اللغة العربية 1981
بكالوريوس في اللغة الانجليزية 2000
ماجستير في اللغة العربية بغداد 2002
دكتوراه اللغة العربية بغداد 2005
و لها عدة ألقاب و عدة دروع و شواهد من العديد من الصالونات الأدبية سواء في العراق أو خارجه خصوصا في مصر
– مؤلفات الشاعرة :
” ثنائية اللذة و الألم في الشعر العربي”
” حلم ليلة غامضة ”
” وهج الذاكرة”
” طقوس في أخاديد المنفى ”
” رقص على شفاه متمردة ”
+ العنوان ” طقوس في أخاديد المنفى”:
له ثلاثة أبعاد: الطقوس – الأخاديد – المنفى
2- البؤرة الثابتة:
العراق مهد الحضارة و ملتقى طرق التجارة منه انطلق التاريخ بعد اختراع الكتابة عند السومريين ، العراق مرفـأ الفتوحات و منبع العلم و التشريعات ، حضارات ما بين الرافدين دجلة و الفرات مقصد السفارات و بلاد الكرم و الخيرات بلاد العلم و العلماء و عاصمة الخلفاء
كيف سيكون وجدان شاعرتنا بعد أن أصبحت المروج الخضراء بالدخان سوداء و المباني إلى دمار و تحول الحلم إلى بخار و أصبح الجمال و الضياء نباحا و بكاء بعد قرع الطبول و جلبة الخيول ، إنها المحرقة بعد غياب الأهل و الأحباب
يذرف دموع الندم
في قارورة الاحتضار
على أهداب القصيد …
و يخفت صوت الناي و يدمدم الموج انه المنفى في الوطن حين رحل الكل و بقيت الشاعرة في أخاديد الروح متمسكة بالهوية رافعة شعار الصمود و التحدي إنها صرخة امرأة تشبثت بالأرض تنادي من آثر الرحيل و الهجرة أن عودوا و ارفضوا القيود . لقد علقت راياتها على تمثال الحرية أي تحد و أي شموخ حيث يتراجع الليل
الليل يتلاشى كجيش مدحور
يبحث عن بقايا النور…
تعلق راياتها على تمثال حرية مفقود
كلما سيطر عليها اليأس و الخوف في أخاديد المنفى إلا و انتفضت
” سأزرع حلمي على خد الثريا _ سأطرز الغد الآتي
بوهج الشموع _ بخيط من حرير _ بكحل الثائبين ”
3- الاحتمالات المتحركة:
إن الإحساس بالمنفى وعيش لوعته و آلامه إحساس جبار يسيطر على كل المنافذ الحسية و يتحكم في مصاريعها يكبل الإرادة بمجاميعها ، فما أدراك إذا كان المنفى هو منفى داخل الروح و الوطن . تشبث الشاعرة بأرضها و هجرة المحيطين بها جعلها تعيش منفى من نوع آخر منفى الجسد في تضاريس الروح و منخفضاتها
+ قيثارة سومرية تعلق عليها الجروح :
معلق جرحي
على أوتار قيثارة سومرية
و كأنها نصب يمتد من عمق التاريخ العراقي إلى حاضر بلاد الرافدين هذا الامتداد التاريخي تعلق عليه الشاعرة جراحها و كأنها تخلفها وراءها و تمضي قدما إلى المستقبل. الشاعرة تستدعي الحضارات المزدهرة سالفا لعلها تكون بلسما و ملاذا لها في المنفى السحيق داخل الذات و دروب الروح
+ الناي الخجول :
على همس ناي خجول
و قرع الطبول
كيف يخجل هذا المؤنس الصداح ؟ و لماذا يخجل ؟ لن يخجل إلا من هول ما يحيط به إذ كيف يغني و يطرب و حوله الخراب و الدمار و واقع لا يعجب ، كيف يطرب؟ و الآذان يصمها قرع طبول حرب طائفية و شعور مهول كأنها هجمات المغول ، كيف يطرب الناي وسط طقوس و أجواء المنفى في أخاديد الروح
+ غياب الأهل محرقة :
تسمع على جنباتها تراتيل الشمع و كأن الشمع كائن روحي أو معتكف في زاوية يرتل ترانيم الوحدة الحارقة ترانيم محرقة الذكريات و منبع الآهات محرقة لا تبقي و لا تذر و شاعرتنا شعارها الصمود و التحدي
طقوس في أخاديد المنفى
تتلو تراتيل شمع ذائب
في محرقة الغياب
تتوسد حر الهجير…
+ المرافئ الحزينة :
الحياة خضم هائل شواطئه هي حدود وجودنا حيث توجد مرافئ تحقق تفاعلنا من أخذ و رد مع الحياة هذه المرافئ إذا كانت فارغة حزينة فليس له إلا معنى واحد هو انعدام علامات الحياة و الوحدانية و التقوقع مرافئه ليست مستعدة لاستقبال السفن : سفن الإبداع – سفن الفكر – سفن الوجدان و الآمال – سفن ترفرف فيها الأشعار و تتمدد الأفكار . كل السفن تبقى في عباب الحياة و لا تجرؤ على الاقتراب و تفضل دمدمة الموج على الرسو في الضباب
تلعق صبر المرافئ الحزينة
في سكون البحار
+ قارورة الوداع :
لن يكون لونها إلا لون الدموع التي تملؤها دموع الليل الموجوع قارورة الوداع هي مصب الحزن و الندم هي وعاء يلملم الجروح و يرسلها لجوف التاريخ .
يذرف دموع الندم
في قارورة الاحتضار…
هذا الليل الموجوع الذي سيجتث أبجديات اللغة و يترك و يخلف وراءه السكوت و الكتمان و الصمت و النسيان و ظلمة كبيرة تختنق فيها الزنابق الصغيرة التي تشكو حالها لليل فهي تختنق تحت الثلوج
يفتق جراح الليل
فتشكو الزنابق نديف الثلوج …
هذا الليل بإمكانه هدم جدران الصمت و يقول للذين هاجروا تكلموا ، إشحدوا أقلامكم ، لا تسكتوا ، لا تهاجروا ، لا تهجروا وطنكم ، عودوا إليه و حرروا المحاصرين في أخاديد المنفى
+ العودة إلى الروح :
الغضب من فعل النفس الإنسانية و الروح هي ملاذ التائه و بوصلته و العودة إلى الروح هو بلسم الأقراح و دواء للجراح هو الخروج من سراديب الوهم
+ القصاص :
أي تحد هذا و أي صمود أي انتفاضة في الأخدود الشاعرة تستدعي فرسانها و تجيش الجنود و تقرر القصاص . القصاص من الماضي ، من ألم الحروب ، من الطائفية ، من المنفى ستحول الليل الموجوع و الماضي الرهيب و الواقع المرير إلى طقوس الأمل و الأمان تسابق الزمان و تقتلع الذكريات و الأحزان و أشجار الشوك و الدخان في الحياة المظلمة . ستتعلق بأطواق الياسمين ستغتال الشهقات التي لا ترحم ستكسر قارورة الشوق فيتكلم
سأحولك إلى طقوس فرح …/
سأقتلع أشجار غابتي العنيدة
سأحرق ما تبقى من ذكريات …/
+ تفاحة الخطيئة :
في عيون الليل
لا أقترب من تفاحة الخطيئة
سأكتفي بطعم الكبرياء
قررت الشاعرة عدم الاقتراب من تفاحة آدم سبب الجلاء ترى من أكل من شجرة الخطيئة في بغداد حتى تم طردهم من ديارهم ، الابتعاد عن هذه الشجرة هو إشارة للإستقامة و الكبرياء و الصمود و عودة النجوم و الفجر و إشراقة الزهر و استشراف صبح قريب
+ القمر :
المؤنس الذي رافق الشاعرة في منفاها و كان خير من واساها و الصديق الذي سلاها . القمر يراقب الصبح : كم هي عظيمة هذه الرغبة في عودة يوم جديد مفعم بالضياء و عودة الشمس هي عودة للشفاء شمس الحضارة و الكنز المفقود
عيون القمر ترقب الصبح …
في قعر النسيان …
في نهاية المطاف …
و مراكب ترفع أشرعة النصر
+ الليل يندحر :
انبلج الفجر و جاء النصر و تراجعت جحافل جيوش الليل و سحب عباءته السوداء ؤ انجلى الظلام.
الليل يتلاشى كجيش مدحور
يبحث عن بقايا النور
عباءته السحرية …
مزقها الفجر المسحور
+ أسوار الكوابيس :
منفى محصن بأسوار و أبراج و حصون تنتحر أمامها جحافل الظلام بقدوم الضياء
انتحرت على أسوار الكوابيس
في نهاية المطاف
سأزرع حلمي على خد الثريا …
+ زراعة الحلم في العلياء :
كانت الزراعة هي رمز الاستقرار الإنساني و العودة من الترحال هي استقرار النفس و طمأنينة الروح على الحاضر و ضمان المستقبل
زراعة الحلم رمز لصمود المرأة الشاعرة ذات الشموخ الشاهق الذي يصل الثريا حيث يوجد حلمها النبيل
+ تطريز الغد بنور الشمع و الحرير :
عودة إلى الروح و تقليد عمل التائبين و بهذا يعلو الصوت من العرين معلنا صيحة اللبؤة الصامدة عبر العصور . هو صمود المرأة مدرسة الأجيال أم صلاح الدين و كل الصالحين.
سأطرز الغد الآتي
بوهج الشموع
بخيط الحرير
بكحل التائبين …
+ أشرعة النصر :
ها هي مراكبها الصامدة ترفع أشرعة النصر في عباب الحياة . ها هي سفنها تبحر فخورة بالنصر و التحدي إنها انتفاضة و صمود الشاعرة المرأة و تمسكها بأرضها رغم هجرة المغادرين إنه صمود و شموخ رغم الدخان المتصاعد ها هي سفنها ترفض مرافئ الظلام و القيود أليست جديرة أن تكون شاراتها على تمثال الحرية و الكنز المفقود .
مراكب ترفع أشرعة النصر …/
تمخر عباب الموج …/
تعلق راياتها على تمثال حرية مفقود
4- المدخل البصري:
العنوان : طقوس في أخاديد المنفى
الطقوس أجواء و عادات و ممارسات يومية يألفها الإنسان فتصبح ضرورية و بديهية
الأخاديد الأودية العميقة و الدروب المظلمة و عزلة قاتلة يصعب الخروج منها إلا لأقوياء العزيمة
المنفى و العزلة و القطيعة و البعد و الإقصاء . الشاعرة هنا تحس بنفسها مبعدة في أعماق و أخاديد روحها
القصيدة : تقع القصيدة في ثمانين بيت. الأبيات هي بين كلمتان أو ثلاث أو أربع أو خمس كلمات تتوالى كموجات بحرية عمودية بجمال و تنسيق رائع يغري بالغوص فيه لاستشراف أخاديده و عيش طقوس أهله
القصيدة كبرج فارع في الطول كأنه صلة وصل بين الماضي الحضاري السحيق و الحاضر المعاش ، برج طبقاته مرصفة بكلمات جميلة بحمولة رائعة
5- المدخل اللساني :
القصيدة ذات مشاعر جياشة ، لوعة و وجدان ، منفى و نسيان . اشتياق للحرية و القصيدة من الشعر الحر و كأنها تلتمس عن طريقها الحرية لها و لوطنها و العودة لمواطنيها ، الحرية و الانعتاق من أخاديد المنفى و الليل الموجع و محرقة الذكريات. أسلوب الشاعرة يعلو و يسمو حسب الحالة الوجدانية ثم يهدا و يستكين ، الشاعرة تتمرد تارة و تثور إلى حد اجتثاث الصوت و الأبجدية ثم تستكين و تهدأ . تمر من الماضي إلى المستقبل بسرعة فجائية :
{ سأقتص منك } { تقيم صلاة الخلاص – سأقتلع أشجار غابتي العنيدة – سأحرق ما تبقى من ذكريات – أتعلق بأطواق الياسمين }
– واو العطف قليل الاستعمال { مرتان }
– الإكثار من استعمال المضارع و السين المستقبلية
– الاستعارة : القصيدة غنية بأساليب الاستعارة ، مثلا : “سأطرز الغد الآتي ” – “بوهج الشمع”
– أنسنة بعض الظواهر كالليل و العصور و النجم : “اندحار العصور ” – “الليل الموجع يتلاشى” – “عيون النجم” – “رقص الجرح على صوت المواويل”
– المجال اللساني لهذه القصيدة ميال لاستعمال صيغة المستقبل و المضارع : الهروب من الماضي و عدم الرضا عليه و الاتجاه نحو المستقبل بأمل كبير

6- البيئة الشعرية :
بغداد عاصمة الخلافة العباسية و عاصمة العلم و القرارات الحاسمة لما كان العالم يتكلم العربية بغداد الحضارة و الأمن و السكينة فجأة تحولت إلى كومة حطام و دخان و نار كالبركان ، تعرض العراق لزوابع عصفت باستقرار الإنسان حيث قضى من قضى و هاجر من هاجر .
و قرع طبول
يرقص على صوت المواويل
طقوس في أخاديد المنفى
تتلو تراتيل شمع دائب
في محرقة الغياب …
تلعق صبر المرافئ الحزينة
الشاعرة تمسكت و صمدت في موطنها و تحدت أمواج الطائفية و النعرات التقسيمية و المنفى و الوحدانية . عاشت طقوس الإقصاء و الإبعاد و المنفى داخل الذات و رغم ذلك أثبتت و جودها رغم العواصف و القنابل و الرعود و هي يقين أن الأمل سيعود .
في هذا الخضم الاجتماعي و الفكري و السياسي و البيئة الوجدانية تكونت و بزغت للوجود قصيدتنا بعد ألم و تعرق و صراخ بين رصاصات الجنود .
ألا يستحق بغداد هذا الصمود ؟
7- التيمة :
البوح الصادق و تمسك المرأة بهويتها ، الشاعرة تعلق أوجاعها و آلامها على القيثارة السومرية رغم الحرب و الإقصاء و المنفى و تصيح معلنة تمسكها و الأمل في الغد السعيد بقوة خارقة تنطلق سفينتها في عباب البحر رافعة رايات النصر بقوة و ثبات و جمال و رمزية في الأسلوب .
استنطاق التيمة هو منهج ذرائعي في تحليل النص الأدبي . المنهج البراغماتي ينص على استقصاء المضمون و درجة وجاهته و الرسالة المبتغاة و استنطاق المقاييس الذرائعية .
+ مقاييس نقد المعنى :
– مقياس الصحة و الخطأ :
البيئة الشعرية و واقع العراق و بغداد الجريحة كلها دلائل على الصحة و الصدق و الأمانة .
مهد الحضارات جريح ، بلاد حمو رابي صاحب أول قانون في تاريخ البشرية يشكو الظلم و يشكو الدمار كزنابق تختنق تحت نديف الثلوج .
أتعلق بأطواق الياسمين
بندى الفجر
ليزهر عشبي الحزين …
مشاعر صادقة و أشجان متدفقة
– مقياس الجد و الابتكار :
موضوع و مقاربة رائعان و أسلوب مرقون مرموز غير مسبوق . حمولات ثقافية تاريخية و جمالية هائلة ، أخاديد في الروح و منفى في الوطن و طقوس قارورة
الوداع أي جمال و إبداع .
– مقياس العمق و السطحية :
الرموز و الاستعارة و التلميح و الأسلوب و الحمولات الفنية و التاريخية كلها تنم عن عمق يغري بالغوص و استكشاف الأعماق و رصد المقاصد و دوافع تمسك المرأة بهويتها عمق من الحضارة السومرية و البابلية إلى الأزمان الحالية .
+ مقاييس نقد العاطفة :
– مقياس القوة و الضعف :
قوة و عزيمة و عاطفة هائلة :
~ سأحولك إلى طقوس فرح .
~ سأقتلع أشجار غابتي العنيدة .
~ صرخة أنثى تشق السحاب .
~ تعلق راياتها على تمثال الحرية .
~ هذه قوة تسبر أغوار التاريخ و توحد الجغرافيا .
– الصدق و الكذب :
صادقة أنت يا شاعرتنا بيئة قاسية و صمود عظيم .
8- الموسيقى الشعرية :
شعر التفعيلة أو ما يسمى بالشعر الحر . و هو شعر قائم على تفعيلة و ليس على وزن بحر كامل فالبحور الشعرية تعتمد في نظمها على عدد من التفعيلات مثل فعولن ، مفاعيلن ، فاعلتان ، مستفعلن ، فعلن ، فاعلن ، مفاعيلن ، مفاعلتن ، متفاعلن ، مفعولات تصل في مجملها إلى عشرة تفعيلات أصلية و أخرى متفرعة ، فالشعر الحر أو شعر التفعيلة يعتمد على تفعيلة واحدة أو أكثر و لا يجوز للشاعر أن يتصرف في أي تفعيلة بإضافة أو نقصان كما أن الشعر الحر لا يلزم الشاعر الالتزام بقافية واحدة و يمكنه أن يختار لكل جزء قافيته . يمكن للشاعر أن يكتب في السطر الواحد ما يشاء من الكلمات و لو كانت كلمة واحدة .
و القصيدة التي بين أيدينا تنضبط لتفعيلة فاعلن مع تنويعاتها : فاعل و فالن و فعلن {…} و هذا هو بحر المحدث و يسمى كذلك المتدارك و ليس بين البحور التي اسقرأها الخليل من الشعر العربي
ليغا = فعلن
درصم = فعلن
تي عري = فاعلن
نلأسو = فاعلن
داندحا = فاعلن
ر لعصور = فاعلان
وجع ال = فعلن
احتضا = فاعلن
و جاءت بهذه التفعيلة عدة قصائد مشهورة لعل أمها ” المنفرجة ”
9- درجة العمق و الانزياح :
و نحن نتجول بين أفياء القصيدة ، يستوقفنا الانزياح بحمولاته الترميزية و جنوحه نحو الخيال ، فمن بداية المطلع ، نتواجه مع انزياح أسلوبي يستفز أفهامنا و يدفعنا للتساؤل ، كيف تعلق الأحزان على قيثارة سومرية ؟ منذ أول بيت في القصيدة ركبت الشاعرة آلة الزمان و أخذتنا معها إلى بداية التاريخ و أول أبجدية ، إلى حضارة السومريين و أطلقت لنا عنان الخيال لنتصور كيف كانت قيثارة السومريين.
معلق جرحي
على أوتار قيثارة سومرية
على همس ناي خجول
و قرع طبول
و يرقص على صوت المواويل
ثم طارت بنا في كوكب الخيال و كلنا تساؤل عن الناي الخجول الذي تحولت ألحانه إلى همس و جعلت جرحها يرقص على قرع طبول و صوت المواويل . مركبة الشاعرة مستقرة الآن في فلكها تدور حول كوكب كله شعر و خيال و ها نحن الآن نسمع تراتيل الشمع الذائب في محرقة الغياب غياب الأهل و الأحباب و نرى أخاديد المنفى و طقوسها و نصبر غور المرافئ الحزينة أمام دمدمة الأمواج .
في سكون البحار
و دمدمة الموج
ليل موجوع
راودته حمى الانكسار
يذرف دموع الندم
ننتقل الآن إلى الجانب المظلم من الكوكب حيث الليل الموجوع و ها هي حمى الانكسار تراوده و يذرف دموع الندم التي تتلقفها قارورة الاحتضار على جنبات و أهداب القصيدة و الحروف الأبجدية الشفافة التي يجتثها الليل الموجوع بفأس النشوة. ها نحن نمر فوق الزنابق التي تختنق تحت نديف الثلوج فتشكو لليل الموجود على أجنحة السرور يهدم تحصينات الصمت و جدرانه بمعاول اللهفة كما اجتث الأبجدية بفأس النشوة . ها هي الروح تمتص الغضب من سراديب الوهم و الحزن المسافر . الشاعرة الآن تقف و تخاطب الليل و بعد أن طفح الكيل : { سأقتص منك – سأحولك إلى طقوس فرح } ، جميل أن يتحول الليل إلى فرح .
أتعلق بأطواق الياسمين
بندى الفجر …
عيون النجم توقظ الورد
من غفوة الفجر
لتلتهم الندى
عيون القمر ترقب الصبح
مركبتنا الفضائية تتحول قدما إلى معبد الشمس لإقامة صلاة الخلاص الموجود في أعماق غابتها العنيدة كيف هو هذا المعبد ؟ و أين هو ؟ وكيف هي هذه الصلاة ؟ ما أجمل كوكب الانزياح إلى الخيال ، في هذا المعبد ستحرق ما تبقى من ذكريات حزينة و ستتعلق بأطواق الياسمين و تتبرك بندى الفجر ليزهر العشب الحزين ، من معبد الشمس نتحول إلى مذبح الخيل حيث ستتخلص من شهقتها الموحشة و ستكسر قارورة الشوق في عيون الليل الموجع .
مركبتنا تسير بسرعة خارقة في اتجاه الجزء المضيء من الكوكب مرة أخرى ، ها هو القمر يرقب الصبح و ها هي عيون النجم توقظ الورد من غفوة الفجر و ها هي جيوش الليل تندحر فيسحب عباءته السحرية السوداء بعد أن فقدت رائحة البخور فمزقها الفجر المسحور ، نتوجه بمركبتنا نحو الثريا حيث ستزرع الشاعرة حلمها و تطرز الغد الآتي بوهج الشموع و خيط الحرير و كحل الثائبين و تدور مركبتنا لنرى الصمت يغادر العرين و نستشرف انهزام العصور و ذاكرة تحفر أخاديد الفرح في جسد المنفى
ليغادر صمتي عرين الأسود
اندحار العصور
وجع الاحتضار المسعور …
و مراكب ترفع أشرعة النصر
صرخة أنثى تشق السحاب
و من المركبة الفضائية تضعنا الشاعرة في مركبها الذي يرفع راية النصر و تصرخ صرخة مدوية تشق السحاب و تمخر العباب و ترفض القيود و تعلق علنها على تمثال الحرية .
10- الصورة الشعرية :
” طقوس في أخاديد المنفى ” تتضمن لوحات و صور و مشاهد جميلة و رائعة نستشفها كأثاث لا بد منه لجمالية النص الشعري ، هذه الصور تعكس اتساع آفاق الشاعرة الجمالية :
– مشهد لقيثارة سومرية تعلق عليها الجروح توجد فقط في أخاديد الروح أمام القيثارة ناي خجول يهمس .
– رقصة الجرح على صوت المواويل هي طقس من طقوس أخاديد المنفى .
– شمع ذائب في محرقة الغياب يرتل تراتيل على حر الهجير .
– موانئ و مراسي السفن الحزينة و بحر ساكن أمواجه مدندنة في ليل موجوع .
– دموع تتساقط في قارورة معلقة على أهداب القصيد .
– فأس كبير يجتث أبجدية اللغة و يهدم جدار الصمت وسط ثلوج تخنق الزنابق الصغيرة .
– روح تمتص جنون الغضب من سراديب كبيرة هي سراديب الوهم .
– صلاة الخلاص تقام في معبد الشمس حيث تحرق الذكريات .
– طوق الياسمين و الزهور الجميلة يتعلق به كل من له أمل بالفجر و إزهار العشب الحزين ,
– مذبح الخيبة : مذبح تقدم فيه الشهقات المتوحشة كقرابين و تكسر قوقعة الأشواق .
– عيون النجم تنادي الورد بصوت حنون ليستيقظ من غفوة الفجر و يتمتع بالندى .
– عيون القمر و هو يرقب الصبح أمام اندحار جيوش الليل .
– الليل المنهزم يسحب عباءته السوداء التي مزقها الفجر و ينصرف مهزوما .
– مزرعة للأحلام في الثريا لوحة مطرزة بنور الشموع و خيوط الحرير .
– أسود تزأر أمام تراجع العصور .
– مراكب ترفع رايات النصر تسير بهدوء في بحر كبير .
– رايات معلقة على تمثال حرية مفقود .
~ المبحث التحليلي البراغماتي ~
11- المدخل الاستنباطي :
إن الواقع الذي يمر منه العراق و الأمة العربية الإسلامية عامة واقع مرير ، غزو أمريكي غربي أمام تشرذم الدول العربية ككيانات سياسية و تشرذم الشعوب ككيانات طائفية و قبلية و إثنية . وا أسفاه على أمة كانت قوية موحدة يوحدها دين واحد هو الإسلام وتعيش في كنفه شعوب بديانات أخرى لا يمسها سوء و لا يعتدي على حقوق أفرادها أي كان ، الأمة الإسلامية حرم الله عليها الظلم كما حرمه على نفسه و حرم عليها قتل النفس و أمرها بالعدل و الإنصاف ازدهر فيها العلم و الأدب و الفنون …
قصيدة ” طقوس في أخاديد المنفى ” تقدم لنا واقع مر لكن الشاعرة تلقننا درسا في التشبث بالوطن و الأمل و الحرية بكل قوة و صمود ، رغم التشرذم و الوحدانية و رغم الأحقاد و الطائفية و المرافئ الحزينة و الليل الموجوع و دموع الندم في قارورة الاحتضار فالشاعرة ستكتفي بطعم الكبرياء و عيون النجوم و عيون القمر التي توقظ الورد و ترقب الصبح و مراكب الأمل التي ترفع رايات الانتصار و تنفض الهشيم عن ذاكرة العصور و تعلق رايات الانتصار على تمثال حرية مفقود .
12- المدخل العقلاني :
الشاعرة بحكم تواجدها في بلد تمزقه الطائفية و تدمره القنابل و الصواريخ الغربية تدعونا للتأمل في حال الأمة الإسلامية و تأمل الدمار الذي حل بها ، مصير مؤلم يمكن مواجهته بالصمود و الإصرار و الثبات و التمسك بالوطن كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : { حب الوطن من الإيمان } صدق رسول الله .
التشبث بالوطن و الصبر و الإصرار و الاجتهاد و البحث في التاريخ هي مفاتيح النصر و كلما صبرنا أغوار التاريخ كلما ازداد تعلقنا بالنجاح في المستقبل.
13- المدخل السلوكي :
قصيدة مثيرة بداية من أخاديد المنفى في العنوان إلى القيثارة السومرية و الجراح المعلقة بها ترى كيف هي هذه القيثارة ، سؤال يغري بالغوص في أعماق القصيدة لاستشراف المكنونات و الصدفات في سكون البحار و محرقة الغياب .
– كيف هي يا ترى تراتيل الشمع ؟ و كيف هو همس الناي وسط قرع الطبول ؟ كلها صور و مشاهد تغري بصبر أبعاد القصيدة الوجدانية و الفلسفية حتى يتسنى لنا تحديد معالم قارورة الاحتضار و أهداب القصيد و الليل الموجع الذي يجتث أبجدية اللغة .
– لماذا فأس النشوة يفتق جراح الليل ؟ و كيف تشكو الزنابق نديف الثلوج رغم تحصنها في جدران الصمت ؟ ها هي معاول اللهفة تخترق جدران السفينة و ها هي الروح تمتص الغضب من ظلمات الوهم .
– كيف ثارت الشاعرة و قررت إلى أن تحول سراديب الظلام و الظلم إلى طقوس فرح ؟ هيا أيها المحللون حضروا أقلامكم و أيها الرسامون حظروا ألوانكم لنسافر مع الشاعرة إلى معبد الشمس حتى نعرف كيف تقام صلاة الخلاص و نراقبها و هي تتعلق بأطواق الياسمين كي تذهب إلى مذبح الخيبة حيث ستغتال الشهقة المتوحشة .
– أين توجد تفاحة الخطيئة ؟ ترى كيف هي ؟ انه عالم غرائبي نجد أنفسنا مقحمين فيه عالم الليل فيه كجيش مدحور يسحب عباءته السوداء الممزقة ، و الشاعرة تطرز الغد الآتي بالنور و الحرير و القمر بعينيه و النجوم ترقب الصبح و الضياء كي تنطلق مراكب النصر و تعلق الرايات على تمثال حرية مفقود .
14- مدخل الساند الرقمي :
بتجولنا في جنبات القصيدة نعثر على عدة دلالات نحصيها كما يلي :

~ دلالات الأمل { أوتار ، قيثارة ، ناي ، يرقص ، المواويل ، تراتيل ، شمع ، المرافئ ، سكون ، القصيد ، شفافية ، اللغة ، النشوة ، الزنابق ، نديف الثلوج ، الروح ، المسافر ، فرح ، صلاة ، أشجار ، غابتي ، ذكريات ، أطواق الياسمين ، ندى الفجر ، يزهر ، الشوق ، تفاحة ، كبرياء ، الورد ، القمر ، أزرع ، حلمي ، الثريا ، حرير ، الثائبين ، النصر ، راياتها ، تمثال الحرية }
~ دلالات الفرح { أوتار قيثارة ، همس الناي ، يرقص ، المواويل ، طقوس ، تراتيل شمع ، النشوة ، أجنحة ، الغبطة ، فرح ، الشمس ، غابتي ، ذكريات ، أطواق الياسمين ، ليزهر ، كبرياء ، الورد ، الفجر ، الندى ، النصر ، النور }
~ دلالات الجمال { قيثارة سومرية ، ناي خجول يرقص ، شمع ذائب ، الهجير ، البحار ، الموج ، الزنابق ، نديف الثلوج ، أجنحة الغبطة ، الشمس ، فرح ، يزهر عشبي ، عيون الليل ، عيون القمر ، عيون النجم ، الندى ، ترقب الصبح ، وهج ، حرير ، كحل ، أخاديد فرح ، مراكب ، أشرعة النصر ، تمثال حرية }
~ دلالات القوة { قرع ، طبول ، محرقة ، حر ، دمدمة ، يجتث ، يفتق ، يهدم ، تمتص ، سأقتص ، سأقتلع ، سأغتال ، يتلاشى كجيش مدحور ، سأزرع ، سأطرز ، عرين ، الأسود ، صرخة ، تشق السحاب ، تنقر عباب الموج ، ترفض القيود }
~ الدلالات الدينية { تراتيل ، يذرف دموع الندم ، الاحتضار ، طقوس ، معبد الشمس ، صلاة الخلاص ، تفاحة الخطيئة ، الثائبين }
~ دلالات الخصب { الزنابق ، نديف ، الثلوج ، فأس ، معاول ، أشجار ، غابتي ، الياسمين ، ندى ، يزهر ، تفاحة ، الورد ، سأزرع }
~ دلالات الانتصار { قرع طبول ، يجتث ، يفتق ، يهدم جدران الصمت ، سأقتص منك ، سأقتلع ، سأحرق ، سأغتال ، سأكتفي ، سأزرع ، سأطرز }
……
~ دلالات الضعف { خجول ، جرح ، منفى ، محرقة ، غياب ، حزين ، احتضار ، انكسار ، يجتث ، يهدم ، حزني ، سأحرق ، أغتال ، انتحرت ، مدحور ، القيود ، صرخة }
~ دلالات الانهزام { قرع طبول ، منفى ، موجوع ، الانكسار ، يجتث }
~ دلالات اليأس { جرحي ، همس ، خجول ، أخاديد ، المنفى ، ذائب ، محرقة ، حر ، هجير ، الحزينة ، موجوع ، حمى ، الانكسار ، دموع ، الندم ، الاحتضار ، يجتث ، بفأس ، جراح ، تشكو ، يهدم ، الصمت ، بمعاول ، الغضب ، سراديب ، مذبح ، سأحرق ، سأكسر ، انتحرت ، الكوابيس ، اندحار }
+ مجموع الدلالات الإيجابية هو: 139
+ مجموع الدلالات السلبية هو: 53
+ طرح الدلالات السلبية من الدلالات الإيجابية هو: 86
+ خارج قسمة طرح الدلالات السلبية من الإيجابية على 10 هو: 8.6
إذن القصيدة هي نص رصين كله شاعرية و معاني مؤجلة و دلالات متحركة رصينة .
15- الخلفية الأخلاقية :
التشبث بالأرض و الوفاء بالعهد للأجداد و تاريخ البلاد : { حب الوطن من الإيمان }
الشجاعة و الصمود و الصبر كلها صفات حميدة عبرت عنها القصيدة .
جمال الشعر و الإبداع خير طريقة للإمتاع و إعطاء الوطن المزيد من الإشعاع فالمبدع شاعرا كان أو رساما أو كاتبا أو مخترعا يكون هو المحفز للآخرين من أجل البحث للتعرف على وطنه و المبدع هو المعرف بوطنه .
16- خاتمة :
” طقوس في أخاديد المنفى ” مركب إبداعي أخذنا في رحلة رائعة و مفيدة كانت بدايتها حقبة اختراع أول أبجدية و أول كتابة عند السومريين أي بداية حقبة التاريخ ، من عمق التاريخ توجه بنا المركب إلى المرافئ الحزينة في حاضر بلاد الرافدين ، لكن صمود و إصرار المرأة الشاعرة على التشبث بالأرض رغم الليل الموجع أعطى درسا لكل من غادر وطنه فقد تعلقت بطوق الياسمين و طعم الكبرياء حتى أيقظت عيون الفجر غفوة الورد و راقبت عيون القمر الصبح الجديد .
إنها صرخة امرأة تشبثت بالهوية رغم ظلام أخاديد المنفى .

القصيدة
طقوس في أخاديد المنفى ”

معلّقٌ جرحي
على أوتارِ قيثارةٍ سومريةٍ
على همسِ نايٍ خجول
وقرعِ الطبول
يرقصُ على صوتِ المواويلِ
طقوسٌ في أخاديدِ المنفى
تتلو تراتيلَ شمعٍ ذائبٍ
في محرقةِ الغيابِ
تتوسّدُ حرَّ الهجيرِ
تلعقُ صبرَ المرافئِ الحزينةِ
في سكونِ البحارِ
ودمدمةِ الموجِ
ليلٌ موجوعٌ
راودتْهُ حُمى الانكسار
يذرفُ دموعَ الندمِ
في قارورةِ الاحتضار
على أهدابِ القصيدِ
وشفافيةِ الحروفِ
يجتثُّ أبجديةَ اللغةِ
بفأسِ النشوةِ
يفتّقُ جراحَ الليل
فتشكو الزنابقُ نديفَ الثلوج
يغفو على أجنحةِ الغبطةِ
يهدّمُ جدرانَ الصمتِ
بمعاولِ اللهفةِ
الروحُ تمتصُّ جنونَ الغضبِ
من سراديبِ الوهمِ
حزني المسافرَ
سأقتصُّ منكَ
سأحوّلُكَ الى طقوسِ فرحٍ
تعاندُ الزمنَ
تغادرُ صمتَ المحطات
تسافرُ الى معبدِ الشمسِ
تُقيمُ صلاةَ الخلاصِ
سأقتلعُ أشجارَ غابتي العنيدة
سأحرقُ ما تبقى من ذكريات
أتعلّقُ بأطواقِ الياسمين
بندى الفجرِ
ليزهرَ عشبي الحزين
سأغتالُ شهقتي المتوحشةَ
على مذبحِ الخيبةِ
سأكسرُ قارورةَ الشوقِ
في عيونِ الليلِ
لا أقتربُ من تفاحةِ الخطيئةِ
سأكتفي بطعمِ الكبرياءِ
يمنحني لذّةَ الصمودِ
عيونُ النجمِ توقظُ الوردَ
من غفوةِ الفجرِ
لتلتهمَ الندى
عيونُ القمرِ ترقبُ الصبحَ
تحت سطوةِ الرغبةِ المتكوّرةِ
في قعرِ النسيان
الليلُ يتلاشى كجيشٍ مدحور
يبحثُ عن بقايا النور
عباءتُهُ السحريةُ
فقدتْ رائحةَ البخور
مزّقها الفجرُ المسحور
انتحرتْ على أسوارِ الكوابيسِ
في نهايةِ المطافِ
سأزرعُ حلمي على خدِّ الثريا
سأطرّزُ الغدَ الآتي
بوهجِ الشموعِ
بخيطِ الحريرِ
بكحلِ التائبينَ
ليغادرَ صمتي عرينَ الأسود
اندحارَ العصور
وجعَ الاحتضارِ المسعور
في مواسمِ الجنونِ
رغبةٌ وحشيةٌ تنفضُ الهشيمَ
عن ذاكرةِ العصور
تحفرُ أخاديدَ فرحٍ
في جسدِ المنفى
ومراكبَ ترفعُ أشرعةَ النصرِ
صرخةُ أنثى تشقُّ السحابَ
تمخرُ عبابَ الموجِ
كسفينةٍ أثملتْها الريحُ
ترفضُ القيود
تعلِّقُ راياتِها على تمثالِ حريةٍ مفقود