12 أبريل، 2024 3:47 م
Search
Close this search box.

لوحة لم تكتمل حتى الآن

Facebook
Twitter
LinkedIn

بدأ بوضع لمساته الاولى عليها، لكن شيئا ما كان يمنعه من الاستمرار ، وضع عليها شرشفا ابيض، وراح يطالعها كل صباح من خلف ذلك الحجاب، مرت على هذه الحال سنين عديدة، وهو يطالع لوحته، رسم العينين والانف، وهبط الى الاسفل باميال، ووضع الالوان على غير هدى، كان يطالعها بنهم كبير، لوحتي التي لم تكتمل، هي اجمل لوحاتي على الاطلاق، هذا ماقاله في برنامج تلفزيوني، سافر الى اسبانيا، وهناك تحدث عن اللوحة، وعبر سلكا بين جدارين، وفتش في وجوه الفتيات عن شبه يجعله قريبا من لوحته، يعود اليها بعد كل جلسة خمرية مع اصدقائه، يحدثها وكأنها كائن حي: لاتكتملي احبك ناقصة.
لم يضع ابتسامة خفية في لوحته، فهو بعد لم يرسم الفم ولامايحيط به من غمازات ، لايريد ان يضع بلوحته سرا خفيا:
 ستكونين عادية ككل النساء
 لوحة عابرة، او امرأة عابرة
مسجونة كهاروت توزعين السحر على البسطاء
 وعلى الذين يبحثون عن المتاعب
 لن ارفع هذا الجدار العقيم، اخشى ان تهربي، فابقى وحيدا، منعزلا في هذا العالم الذي لم يعد يستوعب ما اريد، عالم ضيق، يضيق يوما بعد يوم، وكأنه خصر امرأة تشبهك، في الفترة الاخيرة قاطع كل شيء، المعارض والامسيات وجلسات الخمر غير المنتظمة، التي كان يهرول اليها مسرعا ويعود مسرعا يخزن في جيبه بعض الاحاديث العابرة عن لوحة لم تكتمل وامرأة بعد لم تكتمل ايضا.
حزم امره وقرر ان يغادر بلده الام الى مساحة اوسع واكبر، هو يتصور انها اكبر، ربما في خياله الكثير عن ذلك العالم، عالم رحب يهتم على الاقل بما سيقول او يفعل، الغرفة النتنة هي ذكرياتي الوحيدة عن بلدي، وهنالك ذكرى ثانية، الجثث ومناظر الموت والمسالخ، كل شيء قابل للموت في وطني، الاطفال والطيور، واللوحات، وانا اخشى على لوحتي من الموت الذي ينتشر بكل الاماكن، سنرحل معا، لن اتركك في هذا العالم المسرطن، سنهرب معا ولن نعود الى هنا ثانية، لن نودع احدا، لنقطع حبال اتصالنا بهذه الجغرافية اللعينة، انت ايضا عليك ان تختاري وبروية، الالتحاق بعالم الفضيلة والحرية، ام البقاء في عالم يوهم نفسه انه موجود، عالم يغوص في وحل الخرافة، عالم يخلو من فضيلة يدعو اليها في ادبياته، لقد سئمنا العيش مع هذه الجدران الضالة، ستكون لغتنا المشتركة في العالم البعيد، اصابعنا التي تعيد رسم عالمنا القديم بطريقة جديدة، لم يرسم عالما جديدا هناك، ولم يكمل اللوحة، كان كل يوم يقف امامها لساعات منفردا، وهو يخاطب نفسه، هل انتقلنا من سجن الى سجن آخر، كنا هناك نقطن الغرفة النتنة، وهانحن نعود الى ذات الغرفة، ربما اختلفت الاماكن، لكنني لم اضع خطا واحدا فوق سطحك المتعب، انا اشيخ وانت ايضا تشيخين وبعد لم نعلن عن كمالنا.
انتابته نوبة من الحمى لم تنفع معها زجاجات الوسكي المعتق، اخذ يهذي عن لوحة لم تكتمل وعالم لم يكتمل، الحمى تشعل جسده، حتى انه لم يعد يميز خطوط لوحته الاثيرة لديه، راح يعبث على سطحها وكأنه في ساحة لكرة القدم، استعجل كثيرا بعد ان ادرك ان نهايته باتت وشيكة، دائرة هنا ودائرة هناك، خطوط متشابكة وعلامات، بقمة هذيانه كان طبيعيا معها يكلمها برقة وحنان، لم يترجم اي خط او دائرة فيها، ولم يضع ابتسامة خفية، رحل مساء ذلك اليوم وسط فوضى من الالوان والخطوط، وبقيت اللوحة شاخصة، لم تبتسم حتى حين اكتشفها احد اصدقائه، وحاول اخراجها تحت عنوان لوحة لم تكتمل حتى الآن.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب