18 ديسمبر، 2024 7:01 م

لوبي صناعة الطائرات وأثره في القرارات السياسية العالمية

لوبي صناعة الطائرات وأثره في القرارات السياسية العالمية

تحول السفر بالطائرات الى أمر روتيني يومي ، بسبب ازدهار هذه الصناعة ، وتمتعها بنسبة الأمان العالية لكن هنالك أمرا حساسا غير قابل للتفاوض ، لما له من تأثير بعيد المدى على مستقبل هذه الصناعة ، وهو (السمعة) ، والدفاع عنها مهما كلف الأمر ، إلى درجة حرف إجراءات التحقيق في الحوادث لصالح هذه الشركات عند حوادث الطائرات ، خصوصا إذا علمنا أن هذه الصناعة تحتاج إلى تكنولوجيا عالية للغاية ، تحتكرها دول قليلة وتحافظ على أسرارها، لهذا ليس بإمكان أية دولة النهوض بهذه الصناعة وتطويرها ، وحتى لو حدث ذلك ، فسوف لن تستطيع دخول المنافسة الدولية المحمومة ، وهذا ينطبق أيضا على صناعة السلاح ، والأدوية واللقاحات ، ولوبيات الطاقة .

فسمعة ماركة معينة من الطائرات ، هي الفيصل بين الأقبال على السفر على متنها ، أو العزوف عنه بسبب الحوادث وبالتالي كسادها ، لما لهذه الصناعة من تماس مباشر مع أرواح الناس ، وتتكبد على أثر ذلك الخسائر الفادحة الى درجة الغائها ، كما حصل مع طائرات (كوميت –الشهاب Comet) البريطانية بين خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، بالرغم من تصميمها الذي كان يُعد حديثا وثوريا .

صناعة الطائرات صناعة عملاقة ، تحتاج الى بنية تحتية كبيرة وأدارة فذّة وهيكل تنظيمي كبير ورأس مال هائل ، تضم العديد من المختبرات وميادين الفحص ، ويعمل لصالحها خيرة الخبراء والمهندسون والعلماء ، وتُكرس لها مجالس للأشراف عليها مثل المجلس الوطني لسلامة النقل (National Transportation Safety Board,NTSB) والمرتبط بالكونغرس الأمريكي ، ووكالة سلامة الطيران الأوربي (European Aviation Safety Agency ,EASA) في أوربا . ويكفي أن نعرف ، أن المروجين لهذه الصناعة من هم بدرجة رؤساء دول ، مثل (حورج بوش الأبن) الذي القى خطابات الترويج في عقر دار شركة (بوينغ) أكثر من مرة ، والذي يُقال عنه أنه يمتلك أسهما في هذه الشركة ، لكن هذا الترويج (العلني) لم يُطِح به كما كما أطاح بسلفه (ريتشارد نيكسون) ، على اثر مكالمة هاتفية (سرية) له وهو يروّج لشركة (لوكهيد Lockheed) لصناعة الطائرات وكانت هذه القشة التي قصمت البعير مع تجسسه على الخصوم السياسيين في فضيحة (ووترغيت) الشهيرة ! ، فلا ثوابت في النظام العالمي الجديد الذي جاء به (آل بوش)! .

تستحوذ الآن على هذه الصناعة شركتان عملاقتان على صعيد الطيران المدني العالمي ، الايرباص الأوربية (Air Bus) ، والبوينغ الأمريكية (Boeing) ، ويعتبر مجال الطيران من أنجح مجالات الأعمال العالية المربحة ، والتي تدر بالميارات على تلك الشركات سنويا ، لكون الطائرات سلع اساسية لا يمكن الأستغناء عنها الى درجة انها لا تتأثر حتى بالأزمات المالية .

وعند بيع أحدى هذه الطائرات الى دولة ما ، تبقى هذه الطائرة تحت اشراف الشركة المنتجة ، وفي بعض الأحيان ، تُرسل مندوبين دائميين كممثلين للشركة لمراقبة المعايير اللازمة للصيانة والأداء ووثائق تاريخ هذه الطائرة واجرائات الصيانة وكل صغيرة وكبيرة ، لسببين رئيسيين ، الأول الخوف من تضعضع سمعة هذه الشركة في حالة حصول حادث ما ، أو لتجاوز أي إهمال في جداول الصيانة ، كونها تمثل جودة الصناعة للدولة المنتجة ، أي أن السمعة الصناعية لتلك الدول على المحك ، والثاني للحرص على سلامة المئات من الناس في كل عملية نقل (لاحظ تسلسل السببين) ! .

في مطلع الألفية الثانية ، وجدنا أن هذه الطائرات قد استخدمت كسلاح بيد الأرهابيين في أحداث 11 أيلول عام 2001 ( أوهذا هو التبرير الرسمي) ، وأدت الى تغيير كبير في السياسة الدولية ، وان كنتُ من المشككين في هذه الحادثة (أقرأ مقالتي – أحداث 11 أيلول ، الوجه الخفي) .

كمبدأ عام في التحقيق في حوادث الطيران ، هو أن يُستبعد عنه الخلل أو العيب الميكانيكي أولا حتى لوكان هو السبب فعلا لآخر لحظة ! ، ويرافق ذلك التعتيم الأعلامي ، لهذا يكون عمل المحققون في غاية السرية وفي دائرة ضيقة للغاية ومرتبط مباشرة بأجهزة الدول المصنعة المخابراتية ، وعادة ما يكون هؤلاء المحققون والفنيون من العناصر الأستخباراتية والعسكرية ، لأن هذا الحادث يمس سمعة البلد المنتج للطائرة ، بالأضافة الى سمعة الشركة ، وهنا تتدخل السياسة لأجل اخلاء ذمة الطائرة واستبعاد الخلل أو العيب الميكانيكي المسبب للحادث مهما كلف الأمر ، حتى إذا أدى ذلك إلى التلاعب لتحويل السبب إلى خطأ بشري ، فعلى سبيل المثال ، اعتبروا في معظم الحوادث ، أن الطيار أو مساعده هو السبب ، مثلا بسبب سوء استخدامهم لرافعة الذيل (Elevator) مما سبّب انفصال هذا الذيل عن الطائرة ! ، علما ، أن هذا الذيل ، تُجرى عليه اختبارات تحَمّل قاسية جدا للنموذج المصنّع ، ولا يمكن له الأنفصال عن بدن الطائرة جوا ، مهما عبثت بعصا القيادة ، نفس الشي بالنسبة للموازن العمودي للذيل (Vertical Stabilizer) ، الذي ينفصل بسبب سوء ادارة الدفة من قبل الطيار ! ، فهيكل الطائرة صُمّم بعبقرية ، كونه يجب أن يجمع بين تناقضين ، خفة الوزن الى أقصى حد ، والقوة الميكانيكية لتحمُل الأجهادات لأقصى حد وفي آن واحد ! ، وبعد تفشي موجة الأرهاب ، صارت كل الحوادث تُعزى أولا الى عمل أرهابي ! ، فالأرهاب اذن ، فرصة ذهبية للأفلات من تداعيات الأخطاء والأعطال وأخلاء المسؤولية عن ذلك ، فحتى قطاع الطيران ، قد استفاد من ظاهرة الأرهاب تلك !.

عند حصول حادث تحطم للطائرة ، يهرع للموقع بسرعة ، مندوبين من الخبراء العاملون في الشركة المصنعة للطائرة المنكوبة ، وقد لاحظت أن المحققين الجويين غالبا ما يهملون شهادات شهود العيان ! ، ويُجمع الحطام ، ويُعطى الصندوق الأسود أولوية في البحث ، لكونه يحمل كم كبير من المعلومات ، منها الحوار بين أفراد الطاقم ، حيث يُفحص بعناية ، وبمقتضاه يتم البحث عن أي حجة ، يكفي ان يسمعوا كلمة (تعبان) أو (لم أنم جيدا) ، أو مجرد (عطسة) في حوار الطاقم في قمرة القيادة ، او عبارة (ما هذا) ، او حتى صوت طقطقة مفاصل الأصابع ! ، ويوظف كذلك البحث في مقتنيات الطاقم كالأدوية ، والتقارير النفسية ليُستخدم فيما بعد ضد الطاقم ، كأسلوب المحامي البارع لتبرئة مجرم حقيقي !، يحتوي الصندوق الأسود أيضا على معلومات عن مسار الطائرة ، درجة الحرارة ، الأتجاه ، الأرتفاع ، الى آخره ، وفي حالة سقوط الطائرة من أرتفاع عال ، ستتهشم كليا ، ويصبح من المتعذر فحص اجزاء الحطام ، لكنهم سيتوصلون الى استنتاجات تتلائم مع مبدأ استبعاد حصول عطل ميكانيكي أو بسبب خطأ تصميمي ، وحتى لو توفر الدليل ، عندها سيكون السبب (المعلن) هو سوء الأستخدام الذي يعني طيفا واسعا من الأعذار والحجج ، كنوعية الوقود ، الحمل الزائد ، اساءة استخدامات الطيار الآلي الكثيرة جدا ، عدم مراعاة جدول الصيانة الدورية ، أو وجود مواد خطرة في عنبر الشحن ، ضعف انتباه الطاقم وقلة ملاحظته ، وعدم مراعاتهم لمعلومات تدريبهم ، ثم تُرمى الكرة الى الأرض ، حيث المسيطرين الجويين ، وسوء ادارتهم ، أو سوء الفهم المتبادل بسبب مشكلة لغوية ، وغيرها من الحجج ، أهم نقطة هي تبرئة الطائرة نفسها من الأعطال الميكانيكية ، ورمي الكرة في ملعب الدولة المالكة للطائرة ، هكذا تحافظ الشركة المنتجة للطائرة على صورتها لامعة ، فلا تتأثر اسهمها في السوق !.

في 24 آذار 2015 ، سقطت طائرة الخطوط الجوية الألمانية (لوفتهانزا Lufthansa) من طراز (أيرباص) فوق جبال الألب الفرنسية ، فقد على أثرها 142 من ركابها حياتهم ، بالأضافة لطاقمها المؤلف من 6 أشخاص ، وبدلا من أن يكون السبب عطلا أو قصورا ، عُزي السبب الى ميول مساعد الطيار الأنتحارية ، وأنه كان يعاني من الأكتآب ، ووضعوا سيناريو كيف انه تخلص من الطيار بذريعة ما ، ليُخرج الطيار من المقصورة ،وما أن خرج حتى أقفل على نفسه الباب ، وقام بأسقاطها عمدا !، فهل يُعقل أن يوظف طيار بحياة حافلة بالأضطراب النفسي لتحمل مسؤولية كبيرة كقيادة الطائرة ؟ ثم كيف لا توجد آلية لفتح الباب في الظروف الأضطرارية ؟.

في 17 تموز 2014 ، سقطت الطائرة الماليزية من طراز (بوينغ 777) شرق أوكرانيا ، أيام النزاع حول شبه جزيرة القرم ، وسرعان ما وظِف هذا الحادث سياسيا ، ووجه الأتهام الى المتمردين الموالين للروس بأستخدام صاروخ أرض جو ، هكذا حُشّد الرأي العام العالمي ضد روسيا لمحاولتها ضم شبه جزيرة القرم ، بالرغم من التوضيح الروسي من عدم وجود دليل اصابة للطائرة بصاروخ .

أغرب حوادث الطيران ما حصل للطائرة الماليزية في 8 آذار2014 من طراز (بوينغ 777) ، الرحلة رقم 370 ، وكان على متنها 227 راكبا مع 12 من أفراد الطاقم ، تحطمت في خليج تايلاند ، ولم يتم العثور ولو على قطعة واحدة من الحطام وكأن الأرض ابتلعتها ! ، مع وجود أقمار صناعية قادرة على تصوير قيعان المحيطات والبحار ! وقد كثر اللغط عن هذا الحادث الغريب ، وكانت نظرية المؤامرة سيدة الموقف ، فمن المحللين من أدعى بوجود ركّاب غير مرغوب فيهم فتعرضوا للتصفية ، ومنهم من أدعى انها كانت تحمل أجهزة لم يريدوا لها أن تصل لوجهتها !..

لدى أوربا وأمريكا العديد من شركات صناعة الطائرات ، المدنية والحربية ، وكلها تمتلك سطوة كبيرة حتى في الأوساط الحكومية ومراكز صنع القرار ، بأعتبارها جزء كبير وهام ينظم مع لوبي الصناعة بشقيها المدني والحربي ولوبي النفط والمال والمنظمات السرية الأخرى ، لتشكل ائتلافا يدير العالم !.

قيل أن الرئيس الأمريكي الأسبق (جون كينيدي) ، كان في نيّته السعي لأنهاء التورط العسكري في (فييتنام) ، لما يمثله من ضغط على الأقتصاد الأمريكي ، وهذا إن حدث يعني تراجع انتاج وتجارة السلاح ، وبالذات طائرة (هيوي) الهليكوبتر العسكرية السيئة الصيت ، والتي ساهمت بفاعلية في حرب الأبادة تلك ، ويقال ان معظم الطاقم الحكومي المحيط بالرئيس (كينيدي) ، لهم أسهم استثمار في هذه الشركات ، هكذا لقي الرئيس مصرعه ، في أكبر قضية أغتيال غموضا ، لقد كان ضحية ائتلاف المؤسسات تلك !.