كثير من الناس يهون جمع السلاح وعرضه … والأمريكيون لا يكتفون بذلك، بل ولدى الغالبية من الأمريكيين مشجب سلاح صغير في البيت، وغالبا ليس للاحتفاظ كهواية، بل واستخدامه، وهذا ما يفسر حجم الجرائم العائل في الولايات المتحدة. ويجمع الخبراء أن السبب الرئيسي هو سهولة حصول المواطن الأمريكي على السلاح، الخفيف وحتى المتوسط منه (رشاشات حربية متوسطة)، بسهولة بالغة وكأنك تشتري الخبز ..! ولكن ربما حتى الثقيلة.
وحين نلاحظ ظاهرة خطيرة تلحق الضرر الفادح بالمجتمع الأمريكي ولكن مع ذلك تجارة السلاح تزدهر ويباع علانية فالظاهرة لها أبعاد مختلفة، ويقف وراءها رجال متنفذون وقوى كبيرة، سياسية ومالية، واجتماعية بحيث تستطيع الصمود أمام حملات تهدف إلى تقليص تجارة السلاح ولو جزئياً، بل وأبعد من ذلك فصناعة وتجارة السلاح لها لوبي قوي في الكونغرس الأمريكي، وجمعيات أشهرها : ” الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة ” (National Rifle Association of America). وهدفها الصريح المعلن هو ” حماية حقوق حمل السلاح في الولايات المتحدة، وقد تأسست هذه الجمعية عام 1871 ويقع مقر الجمعية في واشنطن. وتتعرض الجمعية بين حين وآخر إلى محاولات لحلها، ولكنها بفعل القوة الخفية والعلنية التي تقف خلفها، تحبط هذه النوايا، فالجمعية قوية بقوة القوى المالية التي تمارسها. وهذا المقال يقع ضمن تلك المحاولات الفاشلة لتحجيم تجارة السلاح. إذ تريد ولاية نيويورك (الأكثر تضررا من تجارة الأسلحة) أن تحل جمعية المدافعين عن تجارة السلاح،والمدعي العام للولاية يتهم قوى الفساد في اللوبيات وهو ما يزعج الرئيس ترامب.
(الصورة مقر جمعية NRA في واشنطن)
مأزق لوبي السلاح في أميركا
تقرير كتبه : فراوكة شتيفانيس/ نيويورك
في صحيفة فرانكفورتر الغماينة (Frankforter Algemeir)
التاريخ : 7 / آب ــ أوغست / 2020
ترجمة : ضرغام الدباغ
كان أمرا مروعا ما حدث في ولاية نيويورك، حين وجه الرئيس دونالد ترامب توبيخاً للمدعي العام للولاية الذي كان لتوه قد رفع دعوى ضد منظمة (NRA) (National Rifle Association of America).
منظمة البندقية الوطنية الأمريكية. وكان هناك تعهد بأن تتولى المنظمة (وهي يمينية الاتجاهات)، بأن تكون جزء من حملة المرشحة ليتيتيا جيمس (Letitia James) والتي ربحت الانتخابات قبل عام. وتواصل السيدة جيمس أسلوبها الهجومي الذ كان سلفيها (أيريك شنايدرمان / باربرا اندروود) ينتهجانه. وفي عام 2019 نجحت بالفعل بحل مؤسسة عائلة ترامب بدعاوي الفساد. وقد كلفت المرافعات الرئيس مليوني دولار، لذلك كان رد فعل ترمب ضعيفا في أحداث شركة (NRA).
ولكن المرشحة جيمس النيويركية كانت واثقة بأن ما بين يديها يكفي ضد لوبي جمعية السلاح، من عمليات الارتشاء والاحتيال مما تكفي لحل المنظمة لعدة سنوات. فهناك الادعاء على قادة منظمة (NRA) وخاصة المدير التنفيذي الفيدرالي واين لابير الذين قاموا بسحب أموال التبرعات والإيرادات الأخرى لاستخداماتهم الشخصية.، ونتيجة لذلك خسرت المنظمة على مدى سنوات ثلاث، 64 مليون دولار، كما يعتقد أن لا بيير نفسه وقع عقداً مع (NRA) يضمن العقد له دفع 17 مليون دولار إذا غادر العمل. كما أستلم مكتب المدعي العام في واشنطن العاصمة دعوى تخص بتحويل أموال من رصيد المنظمة. كما قامت المنظمة بتأسيس لوبي (تجمع يرعى المصالح) ضد قوانين الأسلحة الفيدرالية الصارمة.
كان رئيس المنظمة لا بيير قد حول المنظمة وموارده إلى مكاسب شخصية له. فحول لحسابه مئات الألوف من الدولارات من أجل السفر وشراء الهدايا والطائرات الخاصة. وبوسع ولاية نيويورك أن تسجل وتفتح دعوى ضد جماعات اللوبي، لأن المنظمة المؤسسة قبل 148 عاماً كمنظمة غير ربحية. ووصفت رئيسة رابطة اللوبي كارولين ميدوز الدعوى القضائية بأنها مناورة سياسية لا أساس لها، ورفعت بالمقابل الدعوى ضد ولاية نيويورك.
تخضع الاجراءات ضد منظمة (NRA) وفق القانون المدني، ولكن المدعي العام لم يستبعد أن تتحول إلى إجراءات جنائية، ويمكن أن يستمر النزاع لسنوات ملحقا المزيد من الأضرار السياسية لمجموعة الضغط (اللوبي). فقد تبرعت قوى الضغط بمبلغ 54 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية وللمرشحين الجمهوريين الآخرين، ولكنها الآن تعاني من صراعات داخلية ومن سوء الإدارة.
وكانت جيمس تحقق قبل 16 شهراً في موارد المنظمة، إذ أرسل مكتب المدعي العام إلى أنصار المنظمة (من مؤيدي حرية السلاح)، مذكرات استدعاء تنفيذية. وكان أوليفر نورث (الضالع في قضية إيران كونترا / المترجم)، من الذين تم استدعائهم للتحقيق معه بشأن الإطاحة بالسكرتير الفيدرالي لا بيير الذي دفع ثمن صراعه على السلطة بخسارة منصبه. و السيد نورث يعتبر من بين الشخصيات اليمينية البارزة في الولايات المتحدة، والذي أشتغل مستشاراً عسكرياً لمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغان، وكان شخصية رئيسية في قضية إيران كونترا في منتصف الثمانينات
ففي ذلك الوقت جرى فيه نقل عائدات مبيعات الأسلحة الأمريكية لإيران، وقدمت لمقاتلي الكونترا الذين يقاتلون النظام الساندينستي في نيكاراغوا. ولم يكن بوسع لا بيير الرئيس السابق للمنظمة (NRA) وسائر الشخصيات القيادية في المنظمة الذين ادينوا فعل شيئ وتركوا ليسقطوا. ولم يكن واضحاً تماماً ما إذا كان المال قد تحويله من أجل حملات سياسية ولأغراض الإثراء الشخصي كما يتكهن بعض المراقبين. وبسبب ذلك أيضاً فقد تم التشدد في قواعد جمع التبرعات الحزبية في السنوات اللاحقة. (*)
ولاية نيويورك لديها أسبابا وجيهة لمحاربة لوبي السلاح. ففي الولاية قوانين سارية ضد السلاح أكثر صرامة من سائر الولايات الأخرى. مع أن قانون ولاية نيويورك لا يزال يسمح بنص صريح : ” أن ” ميلشيا مسلحة تسليحاً جيداً ” هي الأساس الفعال للمجتمع، وأن حق المواطن في حمل السلاح هو من الحقوق الأساسية للمواطنة ولا يجوز إلغاء هذا الحق “.
ومن أجل الحصول على السلاح يحتاج المرء إلى رخصة بشراء وبحمل السلاح، وفي ولاية نيويورك يحظر بيع الأسلحة الهجومية (assault weapons)، والتي تشمل معظم البنادق نصف الآلية، ولكن مع ذلك يمكن للمجرمين والراغبين بالأسلحة الهجومية الحصول عليها من الولايات الأخرى، وتشير الكثير من الجرائم أن السلاح ما يزال منتشراً في المدينة.
تقدم الرئيس ترامب الذي كان لحد الآن قد أوقف محاولات أصلاح بعيدة المدى لقانون الأسلحة بمقترح بسيط لحل الأزمة بين المنظمة (NRA) وولاية نيويورك ” أعتقد أن الحل يكمن في نقل المنظمة إلى ولاية تكساس حيث بوسعهم أن يعيشوا حياة جيدة وجميلة للغاية “. وقال ترامب للصحفيين معززا رأيه ” كنت أقول لهم منذ وقت طويل أن عليهم الانتقال إلى تكساس حيث القوانين المحلية أكثر ملائمة. أما حاكم ولاية أركنساس آسا هاتشينسون فقد عبر بقوله ” إذا كانت ولاية نيويورك لا تحتمل منظمة (NRA)، فعلى المنظمة التحرك جنوباً حيث تجد المزيد من الاحترام، وسيجدون الاحترام التام في اركنساس “. ولكن رجال القانون يؤكدون أن المنظمة لا يمكنها أن تجري مثل هذا الانتقال طالما أن هناك دعوى قضائية مفتوحة ضدها في نيويورك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
(*) هذه أشارة يفهم منها بوضوح أن قضية إيران غيت لم تكن فضيحة سياسية فحسب، بل وقضية فساد تطال كبار الموظفين في الإدارة الأمريكية.