19 ديسمبر، 2024 1:18 ص

`لن يُطهر جثتي إلا الرمل وسورة ياسين – مسرحية  ” كوابيس الأبيض ل ” عبد السادة جبار “

`لن يُطهر جثتي إلا الرمل وسورة ياسين – مسرحية  ” كوابيس الأبيض ل ” عبد السادة جبار “

الذي يعمل في حقل المسرح وخاصة  الذين يواكبون كل ما هو جديد سواءً في التأليف المسرحي ، أو النقد  ، أو الدراسات ،أو حتى العرض الذي تقدمه تلك الفرقة أو هذه الفرقة ، فيكون شغلهم الشاغل  البحث عنه  ، كي يطوروا إمكانيتهم المعرفية والبصرية ، وبصفتنا الباحثين عن الكُتب المسرحية ومصادرها كي نحصل عليها عبر إستعارتها أو أقتنائها فيكف يكون الأمر أذا كان الكتاب من فنان مسرحي عمل في مجال التمثيل والاخراج والتأليف منذ نعومة إظافره وهو يوجهنا ويرشدنا ويشُد من أزرنا عبر فرقته المسرحية المعروفة في فترة السبعينيات، ونحن  كنا  صغاراً نحب أن نلعب لعبة المسرح عبر سمفونية يتخللها العذاب ، والفقر ، والمتعة التي أحسسنا بها ، لأننا كنا نضع ما في جيوبنا  من أموال على عروضنا المسرحية التي كانت تعرض في مدينتنا التي ظهرت منها أسماء مهمة في خارطة المسرح العراقي الآن  ، هذا الكتاب الذي أهداني اياه الكاتب والفنان ” عبد السادة جبار ” وهو ليس بكتاب بل هو تاريخ مشترك لحياته الخاصة التي تبناها هذا المبدع الذي يشتغل بصمت ، لكن بطريقة نص مسرحي ، ولأنه يعمل بصنعة وحرفة في كل ما يقدمه من  إنجاز فني ، ولصوص المخبرين السريين ينتشرون وخوفاً منهم بتقاريرهم التي أعدمت العديد من أصدقاءنا وأصدقاءه ، ومنهم ” الفنان المبدع رعد شوحي ” توقف نشاطه الثقافي منذ   عام 1979 ، وهذا التاريخ هو تاريخ اسود في حياة العراقيين ، ولا داعي للخوض في تفاصيله المؤلمة ، وجاء ليقول لنا ومن خلال بداية صفحات الكتاب أنني أتمسك بحقوقي كمؤلف مسرحي بنصي هذا ، ومنذُ هذه اللحظة دخل معنا في صراع مع من يحاول أخراج  نصه المسرحي المعنون ” كوابيس الأبيض ، وبيان يقظته الأول ” رافضاً موت المؤلف ، رافضاً كل سياقات بعد الحداثة والتي تقول ” موت كل المهيمنات والسرديات الكبرى والايديولوجيات ،وعند العزم على تجسيده في عرض ننبه إلى مراعاة الافكار والأحداث الرئيسية فيه ، نرجو عدم تغيير القصد بحجة التفسير المختلف ، ومن يريد ان يختلف فليكتب نصه بنفسه وعذرا للبعض الذي لم يجد فيه ما يتوافق مع عشقه للتغريب والتجريب أو التخريب ” للواقعية ”  هذا النص هو ما يحدث في أرض العراق وخاصة ما بعد الاحتلال الأمريكي الذي عمل على تشتيت المفكرين والعلماء وقتلهم عنوة عبر شخوص واقعية ومتخيلة مما ساهموا في محاولة منهم في تجفيف المستوى العلمي والثقافي ، وزرع نواة الطائفية المقيتة التي نعاني منها بعد أحداث عام 2003 ، فجاءت الشخصيات ومنها ” الدكتور سعيد ، والدكتور جعفر ، وخالد ، لتوضح لنا عظم المأساة التي لحقت بنا وبالمجتمع العراقي ، هذه الحوارات التي دارت بين هذه الشخصيات الثلاثة ” اللقاء ”  هي نقطة البداية في وضع اللبنات الأساسية في نصه المسرحي ،وهذا ما يسمونه في المقدمة المنطقية للمسرحية ، وهي المقدمة التي يهدف كل شيء في المسرحية من فعل أو قول أو حركة إلى أثبات صمتها ، وهذا الولوج في عالم الشخصيات عبر حوارات قصيرة ومفعمة بالفلسفة وفيها صورة واضحة للتشتت والضياع ، ماذا يقول الدكتور سعيد ”
انا هنا ، أنا الهدف ، قولوا لمن أرسلكم بأن دماء الأبيض ، ليست حمراء لن ترتو ِ  عيونكم ، أنا بالانتظار ، لن تجبرون ِ  على الرحيل ، أو البيعة لن أبايع ، لا أمية ، ولا بني العباس ، لا لن تروا مني بعد اليوم ، لا منجنيقا ولا ساعة دقائقه ، ص 20
وهذه الواقعية التي اسس لها وخرج  بنصه الأدبي في الكثير من “الثيم  ” التي تصب في واقعنا الحالي الذي يسودهُ الجهل والموت الذي عايشه الكاتب وهو الذي يقول عاودت العمل في عام 2003 ، هذه الشخوص التي شخصها على ورقه الأبيض من الفكرة إلى بناء شخصياته المعبرة والفاعلة ، هذا التجديد والإبتكار وخلق عدة ” أزمات ” كي يتلاعب بنا وفق معطياته السردية والحوارات الأدبية ، ولأن هذه التجربة ليست الأولى في كتابة النص المسرحي وفي السياق نجد نقاشا ً بين شخصتي رئيسيتين هما د. جعفر ود. سعيد وكذلك مع شخصية خالد الذي تمثل شخصيته الجيل الجديد والحوار هو حيث يقول د. جعفر ( ليس بلد أحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك ) ص12 ثم يستطرد ويوقل ( طال الانتظار للحلم تجرعنا العلقم متنا ونحن أحياء ، انتظرنا من يزف لنا اي نوع من التغيير ، إرحل من هذا المكان قبل ان نقرر نحن من الدنيا رحيلك .يا إبن !!!! ) ص14 هذه الحوارات هي انعكاس لذات المؤلف الذي حاول اطلاق مشاعره عبر جدل فكري يحمل الكثير من الاسئلة  ، وسبق أن كتب مسرحيات نذكر منها ” نقطة فاصلة ، قطرة ماء ، خيمة الأرض ” وهو يمتلك المهارات الاساسية في كتابة المسرحية والتي عمل عليها في سبيل  إيصال أفكاره التي هي تشاكسه كي يفصح عنها ،وكما هو معروف بأن التأليف المسرحي فن من الفنون التي لها قواعدها العامة الثابتة وخطوطها الأساسية التي يجب أن تتوافر كلها في المسرحية ، ولأنه مؤمن بالنص المسرحي وبتأليفه بالرغم من انه لم يأخذ فرصته في  إنتشاره عبر مخرجين معروفين كي يوفروا الفرصة له ويساهموا في تقديم أعمال مهمة ولها صدى كبير في المسرح العراقي ، ولأن التأليف المسرحي علماً من العلوم منذ عهد أرسطو ، بل هو كان علماً غير مكتوب ، وكان حاسة سادسة عند اسخيلوس وسوفوكليس ، وغيرها من أساطين الكتاب المسرحيين اليونانيين ، وبالتالي أدعو كل من له علاقة في العمل المسرحي أن ينتبه للمبدع والكاتب ” عبد السادة جبار ” وخاصة في هذا النص الذي يدُخلنا في متاهات هذا العصر ومشكلاته التي ألمت بنا وبه ، لكنه حالم بفراشاته التي لاتفارقه من خلال شخصية الدكتور سعيد ” وهو يقول ، لقد خف وزني لم اعد ديناصورا ، انا حمامة ، انا فراشة ، مهيأ للطيران ، بقي أن نقول أن مسرحية ” كوابيس الأبيض ” من القطع المتوسط ويقع في 100 صفحة ، ويرجى أعادة طباعتها وتسويقها عبر دار نشر مهمة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات