تغيرت قواعد اللعبة , بل تغيرت اللعبة بأكملها , و ربما تسرب هذا التغير الى نفوسنا , و صرنا نسمي الاشياء بغير مسمياتها الحقيقية , و استبدلناها بأسماء تنسجم و تتناغم مع حالة التغيير الجديدة .
لم تكن مألوفة لدينا تلك التسميات , بل رفضناها لأنها لا تتساير مع ما نريد او لم نألفها لأنها لا تتعامل مع آمالنا و طموحاتنا .
اعرف ان مفردة ( الحرية ) واحدة في كل بقاع الارض بمفهومها و منهجها و تطبيقاتها , لم اسمع يوما ان الحرية قابلة للتقسيم و التصنيف , فهذه حرية مكفولة , و اخرى مشروطة , و ثالثة مقيدة , و رابعة ملغية , و ما دامت الحرية ترتبط بحياة الانسان , فأن تقسيمها يعني في النهاية تصنيف البشر على وفق رؤية هذا النظام الحاكم او ذاك و طريقة تعامله مع الناس بما يؤمن له سبل البقاء , بمعنى ان مفردة الحرية لا سبيل لها سوى الدخول مجبرة الى اقفاص العزل و التقسيم رغم ان امهاتنا قد ولدتنا احرارا و ليس عبيدا .
اما مفردة ( النضال ) فهي ام المصائب , كونها سلعة صارت تباع و تشترى في سوق المزاد العلني , و من يدفع اكثر يمتلكها و يعلقها وساما على صدره , و هي باتت حاجة ضرورية ضمن توصيفات المرحلة و مقتضيات الصعود الى اعلى السلم الحياتي و الوظيفي , اذن هي سمة مادية لا تتصف بالحرمان و الفقر و الجوع , و الاهم من كل ذلك لا ترتبط بقضية التضحيات و الموت من اجل هدف محدد يخدم الجميع .
و ها هي مفردة ( النضال ) تخلع جلبابها الحقيقي و ترتدي ما يريد الاخرون ان يلبسوه .
ما استطيع الوصول اليه ان ( المبادئ ) ما هي الا مجموعة افكار مسخرة للنهوض بالوطن و الانسان , و لا يمكن الحياد عنها او مجافاتها لانها خارطة الطريق التي تحدد مسارات و اتجاهات العمل المبدئي , و عادة ما تكون المبدأية دربا صعبا وعرا مليئا بالمخاطر , و لكن لا رجعة فيه ما دامت تحكم و لوجه اعتبارات وطنية كثيرة تدعى المبادئ .
يقول احدهم لا اخشى ان يبيع الناس كتبهم و هداياهم , بل اخشى ان يبيعوا مبادئهم , و ربما يتساءل البعض كيف تباع المبادئ و هل دخلت هي الاخرى في مزادات السلع الاعتيادية , ام انها قرار اتخذته محكمة الضمير الانساني ؟
من غير المعقول ان تكون المبادئ سلبية لانها حينذاك ستبتعد كثيرا عن المتطلبات الحياتية و ينتفي وجودها او يلغى تماما , لان المبادئ عبارة عن ايمان عميق بقضية تخدم المجتمع و الوطن , و ليس تفكيكه او تجزأته او انحداره نحو هاوية مظلمة .
غادرت المبادئ هي الاخرى مواقعها و معانيها و تشتت مفارق طرقها , و لم يتبق منها سوى الاسم تكتظ به التصريحات و الخطابات و المشاريع و الوعود بلا تطبيق ملموس على ارض الواقع , انها عربة جديدة تلتحق بقطار المفاهيم المصنوعة محليا اليوم .
من ذا الذي يصحح اخطائي و يخبرني بان الحرية و النضال و المبادئ عناصر حياتية اختطت مسيرتها في مجتمعنا و هي من يتحكم بصياغة الظروف الانسانية , و هل يعلم السياسيون بان النبض لن يهدأ الا بأركان الحرية و النضال و المبادئ و الديمقراطية .