28 نوفمبر، 2024 8:44 م
Search
Close this search box.

لنْ أُقَاتِلَ ، في  حَربِكُمْ هَذهِ  . .

لنْ أُقَاتِلَ ، في  حَربِكُمْ هَذهِ  . .

فيما لو ، إشتعلت نارُ حَرب ٍ، بين جيش الحكومة ِفي بغداد َوقوات البيشمركة الكوردية، ساعتها :  لن ْأكونَ مَعَها ، ولن ْ أويّدَها ، ولنْ أتوَرّط  فيها . .وعاهدتُّ نفسي التي تعشَقُ الحياةَ وتخافُ غَدَر السَّاسةِ في العراق، التي أثقَلتها حُروبُ قادة ٍمجانينَ ، بِجَبلٍ مِنْ أسَى . . عَاهدتُّها أن لا أرفعَ السلاح ضد أيّ طرفٍ فيها ، بل سأكون ضدِّها ، ضدَّ شعاراتِها وقادتِها وانتصاراتِها واناشِيدها وخطبِها وبياناتِها واكاذيبِها ، وسألتزم ُلعنَها ولعنَ مَنْ  يَسعى إليها ودفع الناس البسطاء إلى محرقتِها ، فقط سأصلي لقتلاها. 
هذه الحرب بالنسبة لي ولآخرين غيري من العرب والاكراد : خط ٌ أحمر . إنَّ قرارالحرب فيما لو إتُّخِذ َمِن ْ قِبل ِأي طرفٍ ، سيكون قراراً ً أحمقا ً، وسيدفع هذي البلاد ــ التي ابتليت بقادة لايعشقون شيئا سوى الحرب ــ الى أن تغرَق في نهر ٍ من الدَّم  مرة أخرى ، والفجيعة أن ضحاياها أخوةٌ يتشاركون في أشياء كثيرة أكثر مما يختلفون في أشياء أخرى ، فبالاضافة الى الدين الاسلامي الذي يجمعهما برابطة ٍهي الاقوى من بين كل الروابط ،هنالك نسيج متداخل من العلاقات الاجتماعية الوثيقة التي يمتزج فيها العرب والكورد بصلات مُتداخلة يصعُب جداً ً فكُّ أواصرها ، وقد فشلت كل الحروب الدموية التي تورطت في إشعالها كل الحكومات العراقية التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ، وفشلت تماما في تفتيت وتحطيم هذه الروابط رغم الدَّم الذي سَال َوالمجازر ِالتي ارتُكبت بحق الشعب ألكوردي  ،وهي كثيرة ومُخجلة جدا ً،ولايمكن نسيانُها أوغفران ومسامحة من تسبب بها ، ورغم هذا بقي الشعبان على الارض يلتقيان بعيدا عن شبهات السياسة والتباساتها وتواطئاتها ويتشاركان في الافراح والاحزان والعمل معا ً، هذا لانهما مُدركان تماما ً بحسِّهما ووعيهما الفطري ،أنْ لامشكلة يمكن أن تكون سببا حقيقيا ً في قطيعة ٍأوحقدٍ قد تحصل بينهما مهما كان حجمها ، وأنَّ كليهما يرتبطان بتاريخ مشترك صفحاته مشرقة وناصعة وهي أوسع كثيرا ًمن نقاطٍ سوداء َ كانت قد  توزعت عليه هنا وهناك ،بفعل عوامل وظروف معقدة يتحمل الساسة فيها العبء الاكبر في مسؤوليتها طالما هم كانوا قد لجأوا الى الحرب سبيلا خاطئا في حلها.
وعليه فأنني مؤمن بشكل مطلق ويشاركني في هذا  الاغلبية من الشعبين ، بأن الحرب فيما لو نشبت بينهما  فهي بلا أدنى شك ستكون خطأ جسيما ً جدا ً، وسيتحمل مسؤولية نتائجها الدموية كلا قادة الطرفين على حدٍ سواء طالما كانت بالنسبة لهما خيارا ً قائما ًومحتملا ً يحتِّم عليهما اللجوء اليه في حال فشل الخيارات الاخرى في التوصل الى حل ٍ لموضوعة الخلاف القائم بينهما والمتعلق بعائدية محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في محافظات نينوى وديالى والكوت، بينما تقتضي طبيعة العلاقة القائمة مابين الشعبين أن لاتكون هناك حربٌ بينهما أبدا ًوماتفرضه هذه العلاقة التاريخية من واجبات والتزامات أخلاقية واجتماعية قبل أن تكون على هيئة تشريعات قانونية كان الدستورالعراقي الجديد قد كفلها وأقرها والزَم جميع الاطراف المشاركة والمتشاركة في الحكم  بأحترامها وصونها .
ولكن هذا لايعني تجاهل وتبسيط حقيقة الخلاف القائم بين الحكومة المركزية والكورد، والاعتقاد الجازم أنَّ بالامكان الوصول وبكل بساطة الى حلٍ يرضي الطرفين عبر تجنّب قرار الحرب أولا ً واللجوء الى سُبيل الحوار والمفاوضات السياسية ثانيا ً.
ومع إقرارنا مبدأيّا ً بقدسيّة هذين الشرطين ووجوب الالتزام بهما دون قيد أو شرط باعتبارهما الخيارالوحيد الذي لابديل عنه أمام الطرفين المُختَلِفين إلاّ أننا ندرك تماما صعوبة المسالة وتعقيداتها سواء على الارض بأوجهها الجغرافية والديموغرافية أو لدى الاطراف السياسية ،مع مايتوفر لدينا من قناعة شبه تامة بأن الساسة في العراق مَلكيونَ كانوا أوجمهوريون أوقوميون أواسلاميون كلهم يتحملون وِزرَ ماوصلت اليه العلاقة مع الاخوة الكورد من تعقيد وتاريخ مؤلم مُضرج بأحداث مفجعة ٍ،عنوانها الدمٌ والدمارٌ،منذ بدئها قبل أكثر من ثمانية عقود من الزمن.
وبالنظرالى أهمية هذه المعضلة ومدى تأثيرها الواضح والكبير على طبيعة الاجواء السياسية في العراق ماضيا ًوحاضرا ًومستقبلا ًوما تَبِع وسيتبع ذلك من انعكاس سلبي مُهلك للمشاريع والخطط الاقتصادية هذا إذا ماتوقف الكثير منها تحت ضغطها وتبعا ً لِمَا ستفرضه من إستنزاف كبير للطاقات والموارد البشرية.
وفي آخر الامر ــ وهذا هو الاقسى والافدح ــ  لن يَجني منها الطرفان أي مكسب ٍ يعود بالفائدة على شعبيهما سوى انتصار عسكري ٍ زائف ٍ لاقيمة ولافائدة مرجوّة من ورائه،بعد أن يكون قد تسبب بالموت والهلاك للعشرات من المدنيين والعسكريين .
بذلك يتحقق ما تصبو وتخطط له أطراف سياسية متنوعة ــ داخلية وخارجية ــ من إحداث فتنة ٍ،وإشعال ِحرب ٍ، تُبعِد ُ العَرب والكورد عمَّا كانوا قد توصلوا إليه من تفاهم ٍوتعاون ٍوشراكة ٍ سياسية في الحكم تم الاتفاق عليها وتثبيتها دستوريا عقب العام 2003بعد نضال طويل وشاق كانا قد خاضاه سوية خلال عقود خلت من أجل الحرية والديموقراطية لكلا الشعبين، ولتدفع بالتالي بهما الى مستنقع ِ العداوة والاقتتال مرة أخرى ، حينها ، سوف لن تكون هذه الحرب فيما لووقعت ، سوى رمال ٍمتحركة ٍ ستبتلع الطرفين المتنازعين .
وبالنظرلأهمية وخطورة وتعقيد المسألة،فإن الواجب يستدعي من كلا الطرفين أن يقتنعا بأن حلها يحتاج الى وقت طويل جدا ً يستلزم الصبر والنفس الطويل يتم فيه الاتفاق على جملة من الخطوات والاجراءات العملية تتشكل بموجبها عدة لجان فنية مشتركة وبأشراف هيئات دولية تابعة للامم المتحدة، حتى لايتنصّل أيّ طرف ٍمن ايّة خطوة يتم التوصل اليها،على أن لايكون لهذه اللجان أي ارتباط بالحكومات التي تتعاقب على تداول السلطة في العراق ، سواء في بغداد أو في اربيل . وبعد أن يتم الانتهاء من كل العمليات اللوجستية التي تكون قد توِّجَت بأجراء ِتدقيق ٍ وإحصاء ٍ للسكان الاصليين لابد بعد ذلك من أن يتم إجراء إستفتاء شعبي يشارك فيه سكان المناطق التي يدورالخلاف والنزاع حولها فقط ،على أن تكون النتائج حاسمة وغير قابلة للطعن والرفض ، خاصة وأنها ستكون تحت مراقبة ورعاية منظمات دولية تستبعد كل ما قد يؤثرعلى سيرها بالشكل السليم والصحيح .
إن تجاهل هذه الحقائق التي أفرزتها تراكمات الاخطاء المتتالية للساسة والانظمة العراقية عندما تعاملت مع قضية الشعب الكوردي ، وذلك بالقفز من فوقها والانجرار مرة أخرى الى مَتاهةِ قرارات ٍكارثية لاتراعي تحقيق الامن والسلم بين مكونات الشعب وتصدُرُ عن مشاعرَ وعواطفَ منفعلة ٍومتأجِجَةٍ لساسة ٍ يتناسون حجم المسؤولية الاخلاقية التي تقع على عاتقهم وهم يقودون شعبا منهكا مازالت جراحه ندية، في لحظة حرجة ، هي أحوج ماتكون الى إلتزام الحكمة والصبر والعقل،أكثر مما تكون انسياقاً أعمى وراء قرارات تقود البلاد الى تهلكة أخرى لن تقوم منها هذه المرة سالمة أبدا ً، فيما لو سقطت فيها .

أحدث المقالات