23 ديسمبر، 2024 1:03 ص

لنمنح سياسيينا الفاسدين استراحة

لنمنح سياسيينا الفاسدين استراحة

من جديد أكتبُ وأنا أعي أنّ ما أكتب هو نوع من ضرب الريح بالعصا أو اصطيادها بالشباك.
غريب أنّ كلّ ما كان مبدأ صار مدعاة للتندر والاستخفاف وصار ضربا من المثالية الجوفاء التي لا ” تشبع ” ولا ” تقدّم ” بعد أن خلّفناها مهجورة مركونة في متحف التاريخ الطبيعي شأنها شأن أقدم الزواحف أو المتحجرات.
ورّبما كان هذا إلى حدّ ما شأن جميع شعوب الأرض، لكنّ ما يفترض أو ما ندّعي أنّه يميزنا عنها هو انتماؤنا إلى خير أمّة أخرجت للناس لأنّها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أو يفترض أنّها كانت كذلك.
فرق آخر بيننا وبين شعوب الأرض هو أنّ شعوب الأرض هذه لم تنحرف قدر انحرافنا ولم تشتط قدر شططنا بل وضعت بدل قوانين السماء قوانين وضعية وأخلاقية صارت تفعل فعلها فيهم أكثر من فعل تعاليم ديننا فينا، مع تشدقنا بإسلامنا وتمسكنا المتعصب الأعمى بأدق دقائقه وتفاصيله وسعينا إلى ابتداع الجديد والجديد منها حرصا على الدين وعلى تطبيقه بحذافيره لنفور بالجائزة الكبرى التي تنتظرنا أو التي نظنّ أنها تنتظرنا.
دعونا من السياسيين ودعونا من الزعماء الفاسدين ودعونا من البرلمان والمدراء واللصوص والسرّاق الكبار. ولنلتفت إلى أنفسنا. إلى السوق. إلى العمال والكسبة. إلى سائقي الأجرة. إلى أصحاب الأعمال الحرة. إلى المقاولين. إلى المحامين. إلى المهندسين. إلى الأطباء. إلى كلّ من لديه سلعة للبيع وتجارة للترويج.
كيف يحدد هؤلاء أسعارهم؟
وبأي قدر من الضمير ومن ” وضع الله نصب العين ” كما يقال؟
لا شيء من هذا في الغالب الأعم. بل هو ” السوق ” وهو ” العرض والطلب ” وهو ” شوف العِلبه واضرب سطره ” وهو ” الاحتكار وهو حاجة الناس. وهو ضيقهم ويأسهم وهم يبحثون عن عزيز مطلوب وشحيح مرغوب.
ما عادت البضاعة تساوي ثمنها الذي كلّفنا + الربح المعقول المنطقي، بل لقد انفلت كلّ شيء من عقاله وراح الكلّ ينهش من الكلّ والكلّ يترصد الكلّ ويضرب به المثل ويتخذ منه الأسوة السيئة.
أولا يريدون أن ” يعيشوا “؟
أو لا يريدون أن يترفهوا؟
أو لا يريد أطفالهم أن يلعبوا ويأكلوا؟
أو لا تريد نساؤهم أن يتزينّ ويتأنقن؟
فمن أين يأتون بكل هذا؟
وكيف يشيدون الدار؟ ومن أين لهم بالسيارة؟ والتلفزيون 120 بوصة.
أو ليست هذه متطلبات الحياة؟
فكيف يحصلون عليها إن لم يكن من لحم الناس؟
وماذا عن الناس؟
– لهم ألله. ليدبر كلّ حاله. كلّ الناس عندها. يكذب عليك من يقول لك أنّه لا يضمن طعام غده أو بعد غده.
ينسون ما يفعلون. ويتجاهلون طمعهم وجشعهم وميلهم للكسب الحرام وإن كان على حساب الآخرين. ببساطة لأنّه ما عاد هناك آخرون بعد أن بات شعار الجميع هو ” أنا وما بعدي الطوفان “.
نجتمع كلّ يوم لنشهّر بلصوص السياسة وما يفعلون وما يجنون
وننسى أن الكسب الحرام وغياب ” الله ” عن أعيننا يجري كذلك في دمنا وإن أقسمنا به وقصدنا بيته الحرام وصلينا في بيوته كلّ جمعة وصمنا إكراما لوجهه وقمنا طلبا لمغفرته وقرأنا القرآن وختمناه الختمة تلو الختمة.
أكرر ما بدأتُ به.
أعرف أنّ كلامي ضرب للهواء بالعصا وصيد للهواء بالشباك.
مع ذلك أكتب.
لا بد من أن أكتب.