23 ديسمبر، 2024 12:01 ص

لنفكر بتحالف روسي – عراقي بعيدا عن أميركا

لنفكر بتحالف روسي – عراقي بعيدا عن أميركا

المواقف، التي تتخذها كل من بغداد وموسكو، تكاد تكون متشابهة إزاء الأزمة السورية وما يرافقها من مواقف دولية. وهذا ما قد يدفع باتجاه احتمال اقامة تحالفات جديدة يكون العراق قد ابتعد فيها عن تحالفه مع واشنطن، على الاقل في ما يخص أمن المنطقة، الذي ترى الولايات المتحدة أنه يجب أن يكون على وفق النظرية الامنية العربية، التي طبختها بعض دول الخليج العربي. فهذا على ما يظهر هو ما تدفع اليه كل من الدولتين الخليجيتين، قطر والسعودية، وتساعدهما في ذلك تركيا التي اندفعت لتنفيذ هذه الاجندة مقابل الدعم الاقتصادي والبترول الذي يشغّل ماكينتها الاقتصادية.
روسيا، ربما ستبقى ملتزمة بمواقفها القائمة وما يسفر عنها، ولن تقبل بسهولة بما تعدّه الاجندة الغربية المدعومة بأموال العرب، لأن آخر وجود لها في الشرق الاوسط تمثله سوريا، ولا يمكن ان تفرط به مهما حصل. ولعل البوارج والسفن وحاملة الطائرات وغيرها من التعزيزات الروسية، التي تكاد لا تفارق السواحل السورية، خير دليل على ذلك.
يكاد الهدف يصوغ رؤية روسية ـ عراقية مشتركة. اذ ان روسيا والعراق لا يدافعان عن النظام البعثي الحاكم في سوريا. فهذا النظام معروف بطريقة حكمه على الرغم من ان الروس لا يقفون عندها بقدر ما يفهمها العراق، الذي عانى كثيرا من مواقف نظام دمشق في سنين الدمار والقتل التي أعقبت العام 2003 بدعمه عصابات القاعدة وجماعات غيرها. والسيد المالكي نفسه كان يردد ان الارهاب قادم الينا من سوريا، حتى طالب بطرح القضية في المحكمة الدولية، الأمر الذي رفضته روسيا في حينها ورفضه ايضا بعض منافقي الوطنية في العراق، الذين هم انفسهم اليوم يقفون بكل قواهم خلف الجماعات المسلحة والقوى الاقليمية لإزاحة النظام السوري.
إن الرؤية الروسية ـ العراقية تشكلها وحدة مصالح. ذلك ان روسيا تدرك ان القطب الاميركي يريد إخراجها تماما من المعادلة الدولية وتجريدها من آخر موطئ قدم لها في الشرق الاوسط. في المقابل، يرى العراق ان ما يجري في سوريا هو ضمن موجة تغيير سياسية أُشركت فيها قطر والسعودية لاضفاء مقبولية عليها، على الرغم من مشاركة هذين البلدين هي من خلال حشد مجموعات مسلحة وتوفير سلاح واموال، وليس بصياغة استراتيجية نظم جديدة في المنطقة. فهذا الأمر الأخير ليس من شأن هؤلاء، ولا في نطاق قدراتهم وقابلياتهم. والتغيير بهذه الطريقة في سوريا يشكل خطرا على النظام الجديد في العراق ويبقى يهدد امنه الهش دائما، في حال نجاحه بالنحو المخطط له.
عملية التغيير في سوريا تقودها بامتياز عصابات القاعدة والمتحالفين معها، بتحالف غريب تقوده الولايات المتحدة، من دون ان يكون للشعب السوري صوتا فاعلا بنحو ملموس. وسرعان ما ستخرج سوريا من حسابات المنطقة بعد سقوط الاسد، كما حدث في العراق تماما.
الولايات المتحدة على دراية بأجندات المجموعات المسلحة وتحركاتها وارتباطاتها. بل هي تقودها في هذه المرحلة. وهذا ما يبدو ان روسيا والعراق يفتقدان اليه، بدرجة او باخرى. بمعنى الافتقاد الى العناصر الفاعلة على الارض.
من هنا على القيادة العراقية محاولة فهم اللعبة وارتباطاتها في الداخل العراقي، كي تتمكن من التعامل مع وضع ما بعد الاسد. من جهة اخرى، يبدو ان الروس يفهمون جيدا ما يجري وهم يتحركون على اساس هذا الفهم. فهم يريدون ضمان الحفاظ على وجودهم في سوريا. من هنا ينبغي من العراقيين ان يعملوا على صياغة حلف مع الروس يضمن للجانبين الحفاظ على مصالحه ودوره في المنطقة. فمن شان هكذا تحالف ان يعزز موقف الاثنين ويدخل عناصر جديدة على اللعبة، وبنهاية المطاف يحمي وجود كل منهما في منطقة يبدو ان التغيرات فيها لن تنتهي بسهولة وفي وقت قصير.