نجح الحوثيون بفرض انفسهم على الواقع السياسي اليمني منذ ظهورهم العلني عام 1992 ونالوا شهرة واسعة من خلال اعتمادهم قوة المنطق وبنفس الوقت منطق القوة. هذه الثنائية تمثل الخلطة السحرية لسر نجاح جماعة تعتبر اقلية طائفية. فالحوثيون ينتمون الى الطائفة الزيدية وهي احدى فرق الشيعة. وتعتبر الزيدية في اليمن اقلية طائفية حيث يأتي تسلسلها بالمرتبة الثالثة من بين الطوائف, ويشكل الحوثيون بفكرهم وعقيدتهم السياسية اقلية داخل الاقلية الزيدية لكنهم نجحوا بالتحول الى قوة اجتماعية وسياسية كبيرة نالت احترام وتعاطف شرائح واسعة من الشعب اليمني. ان المتتبع للخطاب السياسي الحوثي سيكتشف بسهولة قوة المنطق التي يتحلى بها هذا الخطاب وشموليته للواقع اليمني ووطنيته وانسانيته, انه خطاب جامعُ مانعُ. فالدعوة الى رفع الظلم, وتحقيق العدالة الاجتماعية, ورفض التهميش, والحفاظ على وحدة اليمن شعبا وارضاً, وانصاف المظلومين والمهمشين من كل اليمنيين, ومحاربة الفساد والفاسدين, والانتصار للفقراء والمسحوقين هي اهم معالم الخطاب السياسي لحركة أنصار الله الجناح السياسي للحوثيين.
ان النفس الوطني الذي يتحلى به الحوثيون أكسبهم ثقة اغلب اليمنيين. فحينما يطالب الحوثيون بتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات, فإنهم لايطلبونها لأنفسهم ولمناطقهم في اقليم صعدة فقط, بل ينشدونها لجميع اليمنيين من دون تمييز بين منطقة واخرى او طائفة وثانية, ونستطيع القول ان الصدق أهم ميزات الخطاب السياسي الحوثي مما جعله خطاباً قوياً ومنطقياً, اقترن بإستخدام منطق القوة وذلك بإضطرارهم لإعتماد النهج الثوري بسبب الحروب التي فرضها عليهم النظام السياسي السابق حيث خاضوا سبعة حروب قدموا خلالها خيرة رجالهم وقادتهم ومن بينهم مؤسس حركة انصار الله السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي استشهد في احداها, اي انهم ترجموا خطابهم الى افعال, وقدموا لأجل قضيتهم العادلة القرابين والدماء وصبروا حتى نصرهم الله واظهرهم واخزى اعدائهم.
إن الفضل في انتصارهم يعود الى دفاعهم المتفاني وايمانهم بقضيتهم العادلة, وحملهم لمشروع سياسي واضح المعالم, وامتلاكهم لقيادة حكيمة ومضحية, وتوفرهم على اتباع مخلصين ومطيعين بوعي, ومحاربين عن قضيتهم بروح فدائية وجهادية لا وجود لها تقريباً الا عند حزب الله اللبناني الذي يمتلك هو الاخر لمشروع سياسي عظيم ذلك هو مشروع المقاومة, وقيادة سياسية رائعة وكبيرة ممثلة بسماحة السيد حسن نصرالله وبقية رفاقه في الحزب الذين ضربوا القدح المعلى في التضحية بالغالي والنفيس, حيث يندر ان تجد في قيادة حزب الله من لم يقدم ابنه او اخيه او احد افراد عائلته شهيداً في سبيل قضيتهم ومشروعهم السياسي, ولم يمنوا على اتباعهم بذلك او يستخدموها ذريعة للتكسب السياسي.
ان الجماعة التي تتوفر على مشروع سياسي, وقيادة شجاعة حكيمة مضحية وصادقة مع الله ومع نفسها ومع قاعدتها, سيكون النصر بالتأكيد حليفها تطبيقا لقوله تعالى (ان تنصروا الله ينصركم), ومن هنا جاء نصر الحوثيين المجلل فطارت شهرتهم بالافاق ومن قبل كان نصر حزب الله في لبنان, وسيكون نصر البحرينيين في البحرين قريب ان شاء الله, ويبقى السؤال الملح هو ما الذي يحول بين شيعة العراق والنصر رغم تضحياتهم الجسام؟
اعتقد ان الجواب مرَّ في ثنايا الحديث, فنحن_اي شيعة العراق_ رغم كثرتنا العددية لانملك مشروعاً يوحدنا ولا قيادة سياسية حكيمة وشجاعة تجمعنا وتلم شملنا رغم عدالة قضيتنا وطول محنتنا, فقياداتنا بشكل عام امراء احزاب يصدق فيهم قولهم تعالى (كل حزب بما لديهم فرحون). انها فرصة ان نتعلم من الحوثيين كيف انتصروا رغم ان العالم ومحيطهم بأسره ضدهم. انها فلسفة الصدق والتضحية والشهادة الممزوجة بحكمة وحنكة وتواضع وهذا ما حبى الله به الحوثيين. فعسى ان يمنَّ الله بها علينا! دعوة نبتهل بها الى السماء.