ها نحن سندخل عاماً جديداً، نلجه عبر دروب الآلام وبوابات المعاناة، وطاقات الامل.
فماذا سيكون شأننا نحن في العراق، معه؟
بعضنا قرر، ولست اعرف على اي شيء استند، انه سيكون عام الحسم. وبعضنا الآخر، وهو الغالبية من ابناء هذا الشعب المنتشر فوق ارجاء هذه الارض، يدخله وهو لا يعرف الى اين يسير. ولفرط ما اصابته الاعوام من احولها، لم يعد يعنيه من مرور الاعوام سوى اقترابه، خطوة، الى النهاية…
أية نهاية. والقلة منا تواجه كما واجهت الاعوام التي سبقته، بايمان راسخ بالمستقبل وبثقة عالية بالنفس وباندفاع بطولي لا يحركه الا مزيج من براءة الطفولة ونقاء النبوة.
الذين يرون فيه عاماً لحسم هم في اعتقادنا واهمون، وهم الى ذلك متعبون، ولعل التعب الذي اصابهم هو سبب الوهم الذي سيطر على عقولهم فجعلهم ينتظرون الحسم، من هنا وهناك، لانهم ظنوا ان الذين، هنا وهناك، اصابهم التعب بسببهم وبسبب القضايا التي اتعبتهم فأرادوا ان يضعوا حداً لهذه المتاعب في العام الجديد .
لنكن اكثر تحديداً، ولنحاول ان نكون منصفين. فالذين يرون في العام الذي ندخله، عاماً للحسم، هم الذين يراهنون على ان حلاً ما سوف يحمله هذا العام للب لباب قضايانا، يتجاوب مع المطالب المتواضعة التي بلورها التعب ومجموعة الابتلاءات…
اذن، الحسم بالنسبة لهم هو ايجاد حل ولو كان ادنى من الحد الادنى الذي يحفظ كرامة الحكومة وهيبتها وحقوق (بعض) اهل الوطن. وهذا في اعتقادنا ليس حسماً وانما تفريط.
ومع ذلك، فاننا نعتقد انه لن يكون، لأن (الحاكم الخفي) لا يقبل بتلبية هذه المطالب/ الحقوق او بعضها مهما اعتبر اصحابها الحد الذي تمثله. ولأن الذين يرجى هؤلاء الحسم على ايديهم –ونقصد الحاكم الخفي- غير متعبين منا ولا من حقوقنا/ قضايانا، فلا نحن نشكل تهديداً لهم ولمصالحهم عندنا ولا ابعدنا عنهم انحيازهم (لاعدائنا) ومساندتهم الكلية لهم.
اما الذين لا يعرفون الى اين يسيرون وهم يدخلون العام الجديد ولا يهمهم ذلك والذين هم الغالبية منا، فهم معذورون وملومون في آن. وهم معذورون، لان همهم الاساس ان يوفروا لقمة الخبز لانفسهم ولاولادهم، ودعك عن المأوى.
وهم معذورون لانهم اذا ما ارادوا ان يعرفوا الى اين يتجهون او تساءلوا عما يخبئه لهم المستقبل يواجهون القتل او السجن والتشريد على ايدي اجهزة بارعة ومتطورة.
وهم معذورون لأن الذين يدعون الوطنية ويلبسون لباسها، وهم كثر افقدوهم القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف فأصابهم اليأس من كل شيء. ومع ذلك فهم ملمون.
انهم ملومون، لأن لقمة الخبز والمأوى حق طبيعي لهم وليس منة من احد، وطنياً كان ام رجعياً، يُروى الزرع بعرقهم قبل ان يرويه المطر وتقام البيوت والعمارات على اكتافهم قبل ان تقام على الحديد والحجر. هم اصحاب الثروة الحقيقيون ولكنها تنهب منهم امام اعينهم ولن ترد اليهم الا عن طريق الثورة التي يفجرونها هم لا التي تفجر بأسمهم وليس عن طريق اللهث وراء لقمة الخبز.
وهم ملومون لانهم اصحاب المستقبل، ولكي يكون المستقبل لهم عليهم ان يصنعوه لا ان يبحثوا عنه او ينتظروا من يأتيهم به. فالمستقبل لا يكون الا لمن يعرف ماذا يريد منه وليس للذي ينتظر ما يحمله له.
وهم ملومون، لانهم مادة الثورة وأساسها، فعليهم ان يكونوا صناعها، وان يميزوا بحسهم العفوي الصادق واصالتهم بين ما هو حقيقي وبين ما هو مزيف، بين من يعمل لصالح الشعب ولمستقبله، وبين من لا يتقن سوى صناعة الكلام ورفع الشعارات، ولا نحسب ان ذلك عسير، اذا ما حوكمت الاحزاب والحركات والنماذج القائمة في العراق بموضوعية وتجرد.
واما القلة منا صاحبة الايمان بالمستقبل والعالية الثقة بالنفس والمندفعة لتحقيق اهدافها ببطولة تمتزج فيها براءة الطفولة مع نقاء النبوة، فهي التي تدخل العام الجديد دونما اوهام لانها تعرف ان هذا العام مستند الى الذي سبقه وتعرف ان مسار الاحداث لايتغير تلقائيا بتوالي السنين وانما الذي يغير مسار الاحداث او يحددها هو الارادة اولاً وتبقى للامور الاخرى الادوار الثانوية، وهذه القلة تعرف ايضاً ان ما عليها ان تواجهه صعب وتعرف كذلك ان مواجهة الصعاب تسبب التعب ولكنها تدرك ان الاستسلام للشعور بالتعب يعني بداية النكوص عن تحقيق الاهداف، هل هي من طينة اخرى؟
كلا، ولكنها كلما شعرت بالتعب تستنفر طاقاتها المختزنة وتستلهم من الماضي ومن الاخطار المحدقة بالمستقبل عزائم متجددة مضافة تستقوي بها على التعب وعلى الاعداء معاً.
انني اطمح الى ان اكون من هذه القلة، فندخل العام الجديد بالايمان وبالعزيمة… ما يزيد في تصميمنا على الاستمرار في نهجنا وما يعمق من ثقتنا بانفسنا وبخطنا.
وكل عام ونحن بخير وأمان