18 ديسمبر، 2024 6:58 م

لم نغزوهم . غزاهم صاحبهم الذي انقلب عليهم !

لم نغزوهم . غزاهم صاحبهم الذي انقلب عليهم !

للشعوب أن تفخر بتاريخها الذي صنعه أبناؤها في لحظة فاصلة من التاريخ، لا فرق بين جزائريين أو فيتناميين، أو كويتيين، فالإنسان واحد، والتاريخ مختلف من أمة إلى أمة. أما أن يكون الأمر في حكم “المنتهي”، كما يقول الأستاذ رباح، فلا أحد يجبر الناس على الكف عن تقليب أوراق التواريخ، واستعادتها، وتمثلها. وإذا أردنا نحن العراقيين، أو أراد الأخوة الكويتيون أن يطلقوا رصاصة على الماضي، فإن المستقبل سيرميهم بألف قذيفة مدفع. التاريخ لنا، ولهم، ولكل الشعوب المحبة للخير والسلام. لابد لنا، وللأخوة الجيران من التذكير بما أصابهم وأصابنا معاً. وإذا كان الأمر لا يخلو من السياسة، فإنها في قلبه، من بدايته إلى نهايته، أما إذا كان تعميقاً لصراع طائفي معروف- والآراء كلها للأخ رباح، صاحب المقال- فالأولى بالجميع أن يوجّهوا الشباب إلى أمرٍ آخر، أشد خطورة وبلاءً، ونقصد به مسلسل “عمر”، لا إلى “ساهر الليل”، فهنا بيت الطائفية. ولنأخذ مثالاً واحداً على ذلك. رأينا قبل يومين كيف يجتمع عتاة قريش على قتل النبي. ها هم يحيطون ببيته في ليلة الهجرة، وعليٌّ نائم في فراش النبي. حسن، لكن أنظروا ماذا فعل الموهوبون الطائفيون: هل سمعتم بقتلة جاءوا لغاية القتل وبآلته، ينتظرون حتى الصباح خروج الطريدة، فيغشاهم النوم جميعاً، ولا يصحون حتى تحرقهم شمس الصباح، فيخرج عليٌّ من الدار كالأبله، لا يدري ماذا يدور حوله، ليخبرهم ببساطة إن محمداً غير موجود؟ أليس هذا هو لبُّ الطائفية؟ ما الذي حدا “بعلماء” المسلمين الذين كتبوا المادة التاريخية للمسلسل إلى تزوير التاريخ، ولصالح من، وبعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة؟  تعرفون جيداً إن العمل السينمائي يعتمد على لغة الكاميرة الحيّة، وما على المخرج غير الانتقال بذكاء من صورة “نعم” إلى صورة “لا”، وذلك كي يخلق ما يسمونه بالدراما التي تضئ لنا الشخصية، فنتعامل معها نحن المشاهدين سلباً أو إيجاباً، لكن النتيجة هنا أنهم سرقوا منا شيئاً عزيزاً من حب الخليفة عمر بن الخطاب، زادوه لسيدنا عليّ، وبطريقة سهلة تماماً، هي التزييف. ما الذي منع الكاميرة من الدخول إلى الفراش كي نقف على ذروة اللحظة الدرامية المتأزمة، ونسمع شيئاً من المحاورة التاريخية، الإنسانية، التي تمت بين عصابة قريش، وسيدنا عليّ؟ ماذا قالوا لعليّ، وكيف أجابهم؟ هل بصق عليهم، ناورهم، ضعف لهم، أم ماذا؟ لكنها الطائفية المقيتة. لم يكن عليٌّ عراقياً، بل هو قرشي مثل كل القرشيين، فما حدا مما بدا، كما قال هو مرة؟ ما حدث أنهم سلبوا منا بطولتك، رأيك، عقلك، ووقوفك على المبدأ السامي، وأعطوه للريح، ليس غير. من ناحية أخرى، نرى واضحاً- ما زلنا نتكلم عن المسلسل- أن “عمر” هنا ليس بسيدنا عمر، فهل كان الخليفة الثاني على هذه الطائفية حتى أنه لا يفرق بين صاحب الدعوة الجديدة ورؤساء القبائل، إن نصروه نصره، وإن خذلوه خذله؟  كيف لرجل بحنكة عمر أن يؤمن بالدين الجديد الذي زلزل أركان مكة بالصدفة المحضة، كما رأينا في المسلسل؟ قامت الحياة، وتقوم على مبدأ الجدل المعروف، فهل سيدنا عمر كما نراه على الشاشة في قلب الحدث، أم طافٍ فيه، وهذه بدرٌ كما رأيناها في المسلسل قد سفّهت كلَّ طائفي، وأعلت كلمة الحق والعقيدة الجديدة، فلماذا عدتم إلى بدرٍ ثانية، وخامسة، وعاشرة، وما زالت؟ هنا يبدو لكم واضحاً إن من يعمق الصراع الطائفي في العراق هو هذا، وذاك أيضاً. ثم يحق لنا أن نسأل كاتب المقال: ما هذه “المنتمون” إلى الطائفة كذا، وكذا؟ في أي قاموسٍ وجدتموها؟ هنا شيعة، وهنا سنة، وهنا نصارى، ويهود، وما البأس في ذلك؟ ما معنى “منتمون” هذه؟
نعود الآن إلى ” ساهر الليل”، ونسأل الأخوة الكويتيين، ألا يوجد فيكم من يقول بمراجعة النفس، وتصحيح المسار، وتعرفون جيداً إن ما حصل لكم في تلك الليلة المشئومة لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة لتعاونكم التاريخي مع الطغاة؟ لماذا لا تحسموا أمركم مع أمرائكم وهم على علم أكيد بالغزو حتى قبل وقوعه؟ أنتم أدرى بصاحبكم الذي انقلب عليكم في الليل. نحن لم نغزوكم، بل غزاكم صاحبكم الذي دأب على ابتزازكم، وكنتم تقفون كل يوم على “الجينوسايد” الجديد الذي كان ينصب على رؤوسنا نحن العراقيين. ألا تعرفون بأن خبزتنا كانت مغموسة بالدم، كل يوم؟ أين كنتم حتى تقولون اليوم إنه قد دخل عليكم، وما دخل عليكم غير الشر منذ اليوم الأول الذي ناصرتموه فيه، طبّلتم وزمرتم لبدرٍ موهومة مزيفة، وها هو البأس بينكم، أفلا تعقلون؟ اسمعوا هذا: قال جيفارا لرفيق دربه كاسترو في أثناء أزمة الصواريخ المعروفة، يا عزيزي كاسترو، كوبا ليست مجرد جزيرة في البحر، يتنازع عليها الروس والأمريكان. كوبا هي الشعب. هي الماضي والمستقبل. ومن يومها لم يعد جيفارا إلى كوبا. وانظروا اليوم، من استحق الخلود بيننا، جيفارا، أم كاسترو؟
أخوتنا الأعزاء في الكويت: أنظروا جيداً، وأنصفوا لمصلحتكم! إن كنتم تعتقدون بأن العراقيين غزوكم، فهم سيغزونكم مرات ومرات، وحتى ينطفئ هذا الهاجس المريض فيكم. أنظروا جيداً ترون إن ساهر الليل الحقيقي هو أخوكم العراقي الذي يصوم اليوم بلا كهرباء، ولا ماء. هو العراقي الذي أرادوا أن يمرغوا خده بالتراب، وشاء الله أن يتم كلمته ولو كره الكارهون. ساهر الليل اليوم هو العراقي بلا جيش، أما علمه وفنه فحدثوا ولا حرج.
دام الأخوة الكويتيون على حبهم لبلدهم، وهو جزء من حبنا لهم.
ودام العراقيون على حب العراق، وهو جزء من حب الكويتيين لنا، إن شاءوا.