18 ديسمبر، 2024 8:09 م

لم نتلمس للان ديمقراطية حقيقية والكثير لم ولن يفهمها؟؟؟

لم نتلمس للان ديمقراطية حقيقية والكثير لم ولن يفهمها؟؟؟

فكما نعرف أن في البلدان الديمقراطية عندما يُريد أي إنسان متمكن من الوصول إلى منصب يُعد نفسه إعدادًا جيد من حيث الإمكانيات والقدرات التي تؤهله على أن يكون شخصًا فعالًا في هذا المنصب في حال تسنمه، وكل هذا يأتي بعد أن يقدم نفسه كمرشح عبر انتخابات نزيه وفيها أعلى درجات الشفافية ومراقبة دولية أممية، وبعد أن يفوز في الانتخابات يتقدم إلى ترشيح نفسه على إحدى المناصب وبشكل علني ومعروف أمام المجتمع والسياسيين المنافسين، لبدء انتخابات داخلية ليتم التصويت بكل حرية ودون ضغوطات على أن يكون الشعب يستحق المنصب، هكذا هي الديمقراطية في البلدان التي تحترمه وتحترم الشعب وصوته الانتخابي، والتي تعتبر الفساد الإداري والمالي جريمة يعاقب عليها القانون

على فرض كانت الآلية في دولة ديمقراطية يحكمها أناس يحملون النزاهة والقيم الإنسانية التي تحترم حق الإنسان في الانتخاب وتحديد مصير بلده وتحسين الأوضاع، لكن لو ذهبنا إلى الانتخابات العراقية وهي محل محورنا في هذا المقال، سنجد أن الكارثة كبيرة وأن الحديث يطول حول مآسي ما يسمى العملية الديمقراطية في العراق، حيث إنها تبدأ بانتخابات غير نزيهة وتنتهي بعدد من النواب الذين يريدون الوصول من أجل منافع شخصية وعقد الصفقات التي تأخذ أموالها من حقوق المواطن

مثلما رأينا وسمعنا أن “مجلس النواب” في العراق قام بأكبر عملية فساد وتعد جريمة يحاسب عليها القانون العراقي والدولي، وهي قيامهم بانتخاب رئيس مجلس النواب ونوابه، ليس هذا المريب بل المريب أن هذا المنصب كما أشيع قد بيع بيعا، وكان كل نائب يختار شخصًا إلى الرئاسة يقوم بتصوير ورقة الانتخاب ومن ثم يذهب إلى أحد رؤساء الكتل ليثبت له أنه صوت لهذا “الرئيس ” وبالدليل، ثم بعدها يحصلون على مبلغ من المال في بداية عملية تشريعية يبدأ عدد من النواب بأكبر عملية فساد مالي بل وأخلاقي بعدم احترامهم صوت الشعب وإرادة الشعب، يبيعون ويشترون بالمناصب بأموال هي من ميزانية الدولة العراقية وشعبها، ليخرجوا علينا بخبر فوز ” الرئيس

ومن الصفات التي يجب أن يمتلكها رئيس البرلمان ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية هو رضا النظام الإيراني في طهران بعد أن تتم عملية شراء أصوات النواب بأمان لكن هذه المرة كشفهم الفيديو وبان خداعهم المستمر لشعب العراق، بل خروجهم عن الطرق القانونية التي تستخدم في العالم المتحضر والدول الديمقراطية التي تطبقها بحقيقة وليس ديمقراطية مزيفة خاضعة لإرادة نظام طهران ومليشياتها ولا تحترم مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير وحفظ الشعب وأسس الدولة الحديثة التي تبني الإنسان والسلام ويطمح لها كل مواطن يريد الاستقرار والأمان والعيش بحرية دون قيود وأيدولوجيات ميليشياوية أو إرهابية متطرفة، إلى هنا عرفتم كيف يمكن اختيار سيادة الرئيس بغضون أيام في العراق والديمقراطية الوهمية التي تُمارس خارج الأعراف الدولية التي نعرفها

أسوأ ما يمكن أن يحدث لمجتمع أن يعمل فى إطار من ديمقراطية، أو ما يعتقد أنه الديمقراطية فى حين ما يجرى من حوله عكس ذلك تماما، وهناك فارق ضخم ما بين تسيير أمور الحياة وجوانبها المختلفة وفقا لآليات ديمقراطية بمفهومها الشامل، وبين الحفاظ على الشكلية الديمقراطية التى تحفظ ماء وجه الأنظمة، واعتقد أننا عشنا طويلا فى مراحل متنوعة من أزهى عصور الديمقراطية المزيفة، وأعتقد أننا لسنا فى حاجة لشرح ما انتهت إليه هذه الديمقراطية المزيفة، وبالتالى علينا أن نواجه أنفسنا بموقفنا الديمقراطى العام، وموقفنا من الديمقراطية ومدى لياقتنا السياسية والمجتمعية فى تحقيق هذا المطلب الغائب منذ عصور، وكان الهدف العام من الموجات الثورية المتعاقبة التى شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية ,الاعتراف بغياب الديمقراطية، بداية حقيقية لفهم حقيقتنا، مأزقنا السياسى، خاصة أن قطاعا مثل الإسلام السياسى يقاوم الفكرة الديمقراطية بشكل عقيدى، فلا يبقى أمامنا إلا نقف مجددا عند ضرورة فهم الآلية التى تمكننا من الوصول إلى تداول السلطة بشكل سلمى، وأن تكون هذه الديمقراطية أكبر من كونها آلية، وحاملة لكل قيمها من حرية وشفافية، وقادرة على ضبط الحياة السياسية والقدرة على بناء نموذج تنموى يؤدى لرفاهية العراقيين وتحسين أحوالهم المعيشية، فلم تكن الديمقراطية الحقيقية يوما ما، صناديق انتخاب أو انتقاد رئيس دولة، أو حتى تداول سلطة، بل تعمل فى تحقيق مصالح أى شعب بما يحلم به ويتمناه, الخوف الحقيقى علينا، الارتكان لتلك الديمقراطية المزيفة، وكأننا حققنا المنشود، دون أن نعمل ونجاهد من أجل الوصول للديمقراطية التى تحقق النمو الاقتصادى الذى ينتشر الغالبية من فقر تزداد نسبته يوما بعض آخر، ديمقراطية تؤسس لمستقبل يحقق سلام اجتماعيا صادق لا نحظى بأى قدر منه الآن، وربما يجب أن يكون ذلك أحد أهم الأهداف التى نعمل من أجلها، فلا يمكن الاستمرار فى أى مشروع ديمقراطى دون أن يهدف للسلام الاجتماعى، ولا يعنى ذلك أبدا أن عبء المهمة يقع على من يتولى مقاليد الأمور فى البلاد، أو القوى السياسية التى تجاوره فى المشهد، بل هو أيضا مسئولية من هم خارج المشهد ويرفضونه، فلا يعنى إحساسهم بظلم ما أو اضطهاد أو هزيمة، إنهم لم يتسببوا فى سوداوية المشهد وفرض الديمقراطية الزائفة، وبالتالى عليهم المساهمة والمشاركة فى تحطيم المشهد والانتقال بنا جميعا إلى مشهد أكثر رحمة ورحابة، بنا جميعا أيضا، بشرط أن يؤمن الجميع أننا نسعى للديمقراطية الحقيقية ولا نستغفلها ولا نستغفل أنفسنا

ما رأيته في ساحة التحرير من تعاون وتكاتف بين شباب الانتفاضة من كافة الاعمار والخلفيات الاجتماعية طلاب وخريجون عاطلين عن العمل، وكسبة وعمال وموظفين.. فتيات بعمر الورد بين من تنظف الساحات ومن ترسم الجدران التي تآكلت اهمالا لعقود طوال، ومن تخبز او تساعد في الطبخ للمعتصمين.. نساء ورجال الكل يعمل كخلية نحل ليشكلوا مجتمع مصغرا تسوده المحبة والتعاون وتوزيع المهام لرعاية بعضهم البعض.. تسوده الحرية والابداع كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته. خيم وسرادق لعشائر وقبائل جاءت تساند ابناءها وابناء الانتفاضة لحمايتهم ومساندتهم في الصمود من اجل تحقيق مطالب الشعب كله. اعادوا الحياة للنفق الذي اهمل منذ زمن الحصار ولم يحض بلمسة حنان منذ سقوط النظام السابق، حتى امتدت يد الشباب لتنيره وترسم جدرانه وتعتني بحديقته وتجعله مأوى للزوار من المحافظات او الشباب الذين بلا مأوى.

في الساحة تتعرف على المعنى الفعلي للديمقراطية التي هي (حكم الشعب) بالتعريف الفعلي للكلمة اللاتينية التي عرفها اليونانيون صاحبي اول برلمان في التاريخ (ديمو قراط). في بدايات وعينا السياسي كنا نعتقد ان الديمقراطية تعني الحرية واحترام الاخر واحترام الراي الاخر فقط.. وتعني سياسيا تعدد الاحزاب والتنافس بينهما حول كيف يخدموا الشعب ويعملوا من اجل تقدم المجتمع كل حسب واجبه. وهي في الحقيقة كل ذلك. وليس كما فسرها الامريكان ذوي الحزب الواحد المقسم الى إسمين، الجمهوري والديمقراطي.. ولا في تحكم اصحاب رؤوس الاموال في اقتصاد وسياسة البلاد. وليست مطية يركبها من لا يعرف من السياسة غير ما يجنيه من ارباح او كيف يستولي على مال الشعب لبناء القصور وابتزاز الشعب، لتتحول الديمقراطية الى ديمو الكراسي.. وكيف يتمسكون بكراسيهم لمدة اطول لينهبوا اكثر حتى تحين الساعة ليهربوا لبلدان لهم فيها قصور واموال!

في ساحة التحرير لم يرفع المنتفضون أو المعتصمون سلاحا ولا عصا ولم يهددوا احدا.. بل واجهوا التهديدات وقتل بعضهم بحكمة وحلم، وحافظوا على سلمية انتفاضتهم ومواصلتهم الاعتصام حتى الاستجابة لمطالب الشعب. عانقتني جارتي المسيحية وبكت فرحا وافتخارا بالشباب المنتفض “هؤلاء جند السلام..أرى المسيح الحقيقي فيهم” قلت لها انهم محصنون بحب الوطن وبالحفاظ على كرامة ابناءه، محصنون ضد الكراهية والحقد محصنون ضد الطائفية بالرغم من كل محاولات تشويههم والنيل منهم. ماضين في تمثيل الشعب بشكل فعلي، الشعب الذي اضناه الفساد السلطوي واستغلال المناصب وتفشي مرض الرشوة الذي كان احد اسباب تعطيل المشاريع واهمال المصانع والمعامل ومعظم المؤسسات الحكومية الانتاجية. فتضاعفت نسبة العاطلين عن العمل وتزايدت اعداد العاملين بأجر يومي محرمون من كل الحقوق حتى الاجازات المرضية. أو بعقود مؤقتة وبأجور شهرية تكاد تشكل عُشْر المصروف اليومي لأي طفل من ابناء الوزراء والنواب.

المدارس والجامعات الاهلية انتشرت في كل ركن وشارع صارت مشاريع تجارية سهلة الربح، دون رقابة ولا خضوع لأبسط شروط التعليم. ناهيك عن تردي المناهج المدرسية وقلة خبرة بعض المعلمين في التعامل بشكل تربوي مع التلاميذ! والمنتسبين لهذه المدارس لابد ان يكونوا متمكنين ماديا . بينما هناك ملايين الاطفال يزدحمون في صفوف كل خمسون تلميذ في صف واحد! ليكون مصيرهم التعليمي اما التسرب من المدرسة او اكمال المراحل بلا علم ولا معرفة، ماعدا الذين يحضون بدروس خصوصية مُكْلفة، او يعتمدون على ذكاءهم ومساعدة ذويهم. كلنا نذكر مدى ابتهاجنا وفرحنا في أول انتخابات يعرفها الشعب العراقي .. كلنا نذكر كيف هرع الجميع بالرغم من كل التهديدات والتفجيرات، ليساهموا بعملية اختيار من يمثلهم في الحكم. تسحبهم احلامهم لتحقيق الديمقراطية الحقيقية كما يروها في الدول التي تحترم القانون وتحترم الشعب وتحرص على توفير العيش الكريم له. خاصة والشعب العراقي عانى عقودا من الظلم والتعتيم والتدمير حروبا وحصار وتكتيم افواه وتغييب كل من يجرؤ على التفكير بالتعبير عن رأيه. فاذا بالشعب يفاجأ باسهال حزبي ويغرق بتكتلات طائفية وقومية لا تعرف عن الحكم والسلطة غير ما تجنيه من غنائم. كل كتلة تعمل لنفسها بعيدا عن المنتخبين لها. فصار معظمهم من اصحاب المليارات. فكل وزير يشترط من المقاول او المهندس ملايين الدولارات رشوة لتسيير معاملة ما لتشييد مشروع ما. حتى لو كانت تلك المشاريع من واجبات ذلك الوزير . وتحولنا الى سوق للجيران من ابسط المنتجات الى اعلاها تقنية. من الجبنة والطماطم الى الاجهزة والمعدات.

المنافسة بين الوزراء والنواب اقتصرت على من يغتني اكثر خلال فترة اشتراكه بالحكم ..وكيف يأخذ الملايين كتقاعد عن بضع سنوات خدمة لم يقدم خلالها اي خدمة للشعب! بينما معظم الموظفين والمعلمين ممن عملوا اكثر من عشرين عاما يتقاضون نصف مليون دينار عراقي اي ما يعادل 400 دولار او اقل!

الاراضي الزراعية قسمت ووزعت وبيعت للناس الذين انتظروا طويلا المجمعات السكنية التي وعدوا فيها.. فكانت الجريمة مضاعفة. اولها تقليص الاراضي الزراعية وثانيها بيع املاك الدولة لتصبح الاموال في جيب هذا الوزير او ذلك النائب دون الاحساس بخطورة الامر وتأثيره على البيئة وتشويه المدن، وجريمة الخلل في ميزانية الدولة الغنية بنفطها ومزارعها ومواردها البشرية. لنصبح من الدول التي تثقلها الديون لتقدم الحكومة الطائفية اسوأ صورة لمستقبل الاجيال القادمة.تناسى الطائفيون قصور صدام التي احتلها الامريكان ونهب بعضها وتحولت الى خرائب، بدل من جعلها مستشفيات او جامعات حكومية او على الاقل تحول بعضها الى متحف لتعرف الاجيال القادمة عن تاريخنا القريب والبعيد حلوه ومره. ويكفي ان تمر بالأراضي المحيطة بالقناة في بغداد لتعرف حجم الاهمال والتخريب وتبذير اموال الشعب. النخيل الذي يحتمل الحرارة والعطش، على جانبي القناة ينحني خاويا بلا حياة.. شكرا للطبيعة منحت الاراضي الشاسعة الاشواك والعاقول!. كم من الملايين صرفت على انجاز حدائق بسيطة حوالي القناة.. او على الاقل انشاء مجمعات سكنية توزع على الموظفين او العمال ممن لاسكن لهم حتى لو بأقساط رمزية. تحيطها حدائق تحسن من صورة المدينة وتمتص اعداد المتزاحمين على السكن مع اهلهم في مساكن مساحتها اقل من 100 متر مربع!

من المسؤول عن كل ذلك التردي؟ نعم هناك شيء من الاهتمام في تشجير بعض المساحات في الطرقات لكنه طفيف جدا امام حجم الاهمال المقصود في كل مفاصل المدن. فقد تنافس النواب والوزراء على من يصبح ملياردير اسرع من الاخر! وبالرغم من تضخم رواتبهم بغير حساب وبغير عمل ولا ضمير، لم يصرفوا منها مليما واحدا.. فلهم مخصصات غذاء ومخصصات وقود! بل ومخصصات حفاضات لاطفالهم ومخصصات طبية حتى عمليات تجميل للأكثر قبحا منهم، تدفع من مال الشعب الذي لا يجد من يشتري له الدواء! بل حتى مخصصات للتكفير عن ذنوبهم وهي كثيرة وتتكاثر، حيث كل عام يذهب النائب والنائبة واقرباءهم للحج من المال العام! فكم من مظاهرة وكم من احتجاج قام به الشعب وكتبت عشرات المقالات والكتب دون جدوى !فالاحتجاجات قوبلت ولسنوات بلامبالاة وتعالي كما لو هم ينتقمون ممن انتخبهم!

لكن الشعب واعي ويعرف ان الديمقراطية التي خلصتهم من مجلس قيادة الثورة سيء الصيت، هي الوسيلة المثلى لاسترداد كرامتهم واموالهم وليكونوا هم صاحبوا القرار. وسيبقى شباب التحرير محصنين بحب الوطن والناس وحب الخير، ضد فايروسات الطائفية والتعصب القومي وضد عبودية السلطة والمال. على امل ان تصحى كل المحافظات والمدن بتكاتف كل الشعب للحفاظ على وحدة العراق وكرامة ابناءه، ولا تقتصر الانتفاضة على مدن الجنوب البطل وابناءهم الشجعان في تضامنهم مع انتفاضة التحرير في بغداد. إن مفهوم الديمقراطية التداولية هو تطور جديد نسبيًا في الفلسفة السياسية ومتشابك بطبيعته مع الموقف القائل لكي تكون الديمقراطية شرعية تمامًا، يجب أن تكون نظامًا مسوغاً ابستيمولوجياً أومبررًا معرفيًا. وهذه الفكرة تعني وجود مداولة أو تشاور، أيً ديمقراطية قائمة على النقاش للقضايا التشريعية وغيرها وأن تكون مستندة إلى نقاش مدني عام. يتضمن دخول المناقشات العامة أحترام كل من الحالة المثالية المعرفية للتشريعات العقلانية، والمثال السياسي لما يعرف بالسياسات التشاركية أو المشاركة السياسة وكذلك المثال الأخلاقي للإدارة الذاتية المدنية. من المتوقع أن تسفر هذه المناقشات العامة بين المواطنين عن حلول عقلانية للمشاكل السياسية عن طريق تقارب المواقف أو التوصل إلى نتيجة عقلانية ومقبولة على نطاق واسع. نشأت فكرة الديمقراطية التداولية في النظريات الليبرالية الحديثة من فلسفة توماس هوبز وجون لوك الذين أكدوا على أن تعدد المصالح هو مصدر للنزاع المدني، وعلى ضرورة العقل العمومي. وأكد كلا من جيمس هارينجتون وجان جاك روسو على صواب إرساء أنسجام مدني حول المصالح والقيم والتقاليد المشتركة، بافتراض نوع من الإجماع والتفكير العمومي (الجمهورية المدنية). أكدت، كذلك، نظريات الديمقراطية التشاركية أو ديمقراطية المشاركة طوال القرن العشرين عمومًا على أهمية بإدخال المداولات المدنية العامة كشرط أساسي لتحقيق قرارات عالية الجودة. لقد وصف مفكرون مثل حنة أرندت وجون ديوي، في الستينيات من القرن العشرين، النقاش العام على أنه مهم عنصر الديمقراطية التشاركية التي تحترم حرية المواطنين واستقلاليتهم في إطار عملية تزامن المعتقدات. اتخذت فكرة الديمقراطية التشاركية شكلها النهائي في الثمانينيات. فيوضح جوزيف بيسيت أن الديمقراطية الحقيقية تتطلب من مواطنيها قبول وضعهم المدني وفكرة الصالح العام أو الخير العام، واختيار الديمقراطية التداولية كإطار مثالي لتحقيق الصالح العام من خلال النقاش والعقل العمومي والحجج العقلاني و عقلانية صنع القرار. وربما قدم جون إلستر التعريف الأكثر إيجازًا للديمقراطية التداولية كممارسة لأتفاق عقلاني حول الصالح العام والنقاش العام كأداة لتحسين عملية صنع القرار السياسي. علاوة على ذلك، يصور النتائج التعليمية للمناقشة كقيمة معرفية إضافية لهذا النوع من الديمقراطية. وتميزت الخمسينات، على النقيض من هذه النظريات، بنُهُج نخبوي أتخذ موقف الريبة من فكرة النقاش العام. فقد جادل جوزيف شومبيتر، على سبيل المثال، بأن المواطنين غير مطلعين سياسيا، غير مبالين ويمكن التلاعب بهم بسهولة، مما يجعل أي زيادة في مشاركتهم تهديدا للاستقرار. وبالمثل ، ظن الواقعيون المتشائمون مثل ماكس فيبر أنه ليس هناك من مصلحة عامة يتفق عليها الجميع من خلال المناقشة، وأن الحكم الأمثل هو نخبة حاكمة. لم تأتي المقاربة المختلفة في انتقاد الديمقراطية التداولية من النظريات النخبوية أو التشاؤمية المناهضة للشعبوية، ولكن من النظرية الاقتصادية للديمقراطية، والمعروفة باسم نظرية الاختيار العقلاني. طبق مؤيدوها مثل أنتوني داونز المقولات الاقتصادية على السياسة وقالوا إن الأحزاب تعمل كمقاولين أو متعهدين يتنافسون على المستهلكين السياسيين. وفقًا لهذه النظرية، يتم تصوير المواطنين على أنهم مستهلكون سلبيون يمارسون الديمقراطية السياسية من خلال التصويت فقط، بينما يُنظر إلى العملية السياسية على أنها صراع على السلطة بين الأحزاب بدلاً من بحثها عن الصالح العام. ونظرًا لأن التصويت الدوري في الانتخابات لم يكن يُنظر إليه كآلية لتجميع المصالح الفردية أو التفضيلات، فإن أي ادعاءات بأنه يمكن تحسينه من خلال المناقشة بهدف تحقيق الصالح العام بعيدة عن الواقع. أقصد، بالنظر إلى أنه لا توجد أي مصلحة مشتركة تكون مقبولة لجميع المواطنين / المستهلكين ، فإن تشجيع المناقشات بأعتبار أنها تؤدي إلى قرارات عقلانية أفضل حول هذه النتيجة المقبولة عمومًا لن يكون له أي معنى.

لقد وضعت هذه الحجج المتعارضة حول دور النقاش العام في العمليات الديمقراطية واحدة من المعضلات المعرفية الرئيسية التي سوف تستمر في الظهور في المناقشات المتعلقة بالديمقراطية التداولية: هل يضمن النقاش العام اتخاذ قرارات أفضل من القرارات التي تتخذها النخبة المثقفة المنتخبة ؟ وهنا ياتي الأختلاف في المواقف بطريقة يمكن صوغها بما يقرب من الصدام بين الموقف المؤيد للإجماع والتوافق والآخر المؤيد للنخبة من أهل الخبرة. أقصد أنه، في حين شدد مؤيدو الديمقراطية التداولية عمومًا على أهمية تحقيق إجماع عقلاني (حول الصالح العام) عن طريق المشاركة المدنية والنقاش العام، أكد منتقدوها على التأثيرالسلبي للنقاش (بين المواطنين غير المتعلمين والسلبيين والذين يتلاعب بهم بسهولة) وأن هناك مبالغة في تقديرهم واعطاء أهمية أكثر من اللازم لهم حيث أن القرارات العقلانية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تعزيز مواقف النخبة.لن أستمر في الانغماس في مناقشة ما إذا كان ينبغي لنا اختيار نموذج تعددي قائم على المشاركة أو نموذج اقتصاد السوق للاختيار العقلاني، ولن أناقش ما إذا كان إدخال الديمقراطية التداولية، كتوجه مدني إيجابي، أفضل من تقليص الديمقراطية أو الحد منها للسيطرة المدنية السلبية (من خلال الأنتخابات). سيتم التركيز على التبرير المعرفي للديمقراطية التداولية كنموذج للديمقراطية القائمة على النقاش العام. هذه النظرة التاريخية القصيرة مفيدة لأنها تنقل بوضوح الشكوك المستمرة التي جاءت مع مفهوم الديمقراطية التداولية منذ ظهوره؛ يمكن للمشاركة والمناقشة العامة، على هذا النحو، أن تنتج قرارات معرفية عالية الجودة، من خلال التفكير في ما هي الشروط والأهداف التي يجب أن تفي بها المناقشة العامة لتكون مولدًا للاستخدام الرشيد للتفكير أو العقل العمومي ووسيلة لصنع القرارات المعرفية المثلى. باختصار، إذا افترضنا أن الديمقراطية التداولية هي بحكم تعريفها نظام صنع قرار واعد معرفيًا، وأن النقاش العام العقلاني والقائم على العقل هو بلا شك قيمة معرفية بالمقارنة مع اتخاذ القرارات دون مناقشة مسبقة، يمكننا طرح السؤال التالي: هل يمكن تبرير الديمقراطية التداولية كنظام اجتماعي من منظور مختلط يوحد التبرير المعرفي والأخلاقي / السياسي؟